الغش الغذائي... آلاف الوفيات وخسائر بـ50 مليار دولار سنوياً

إتلاف كميات من الأغذية في صنعاء مقدمة من منظمة الأغدية التابعة للأمم المتحدة بسبب انقضاء مدة صلاحيتها (أ.ف.ب)
إتلاف كميات من الأغذية في صنعاء مقدمة من منظمة الأغدية التابعة للأمم المتحدة بسبب انقضاء مدة صلاحيتها (أ.ف.ب)
TT

الغش الغذائي... آلاف الوفيات وخسائر بـ50 مليار دولار سنوياً

إتلاف كميات من الأغذية في صنعاء مقدمة من منظمة الأغدية التابعة للأمم المتحدة بسبب انقضاء مدة صلاحيتها (أ.ف.ب)
إتلاف كميات من الأغذية في صنعاء مقدمة من منظمة الأغدية التابعة للأمم المتحدة بسبب انقضاء مدة صلاحيتها (أ.ف.ب)

تسببت جائحة «كورونا» (كوفيد - 19) في قطع سلاسل التوريد وإنقاص المعروض من المنتجات خلال الأشهر الماضية. وترافق ذلك مع ارتفاع الطلب والأسعار إلى أعلى المستويات، مما سهل للمنتجات المزيفة والمغشوشة التسلل إلى الأسواق مستفيدةً من تهافت الكثيرين على الشراء.
ففي الكويت مثلاً، ضبطت وزارة التجارة والصناعة مع نهاية سنة 2020 ما وصفته بأنه أكبر عملية غش وتقليد للمواد الغذائية في تاريخ البلاد. وأشارت الوزارة في بيانها الرسمي إلى أنها نجحت في رصد وضبط نحو 52 ألف علبة تحمل شعار ماركة مكعبات طبخ عالمية أثناء بيعها للمحلات التجارية من دون فواتير. كما رصدت مؤخراً في أسواق متعددة حول العالم منتجات غذائية لبنانية تقليدية معلبة منخفضة الجودة، تحت أسماء مزورة لأصناف تاريخية مشهورة.
ورغم الحوادث الكثيرة في جميع أنحاء العالم، قلما كان الرأي العام ينشغل طويلاً بحوادث الاحتيال الغذائي التي تشمل الغش في مكونات أو نوعية أو صلاحية أو منشأ المنتج، وفي كثير من الحالات تزييف المنتج بكامله. ولمواجهة هذا الاحتيال، تعمل مؤسسات حماية المستهلك والهيئات الرسمية الرقابية على تطوير أدواتها لتحديد المجرمين الذين يعبثون بسلامة الغذاء بهدف تحقيق مكاسب مادية على حساب صحة المستهلكين.
وتنطوي المنتجات الغذائية المزيفة على خسائر اقتصادية باهظة ومخاطر كبيرة على الصحة العامة. ويستغل المحتالون التقدم العلمي والتقني لتصنيع أطعمة مزيفة على نحو متقن لا يمكن تمييزها في المظهر والمذاق عن الأغذية المعدة من منتجات طبيعية أصلية.
وكانت رابطة مصنعي منتجات البقالة في الولايات المتحدة قدرت الخسائر المالية نتيجة الغش في المواد الغذائية بما بين 10 إلى 15 مليار دولار في سنة 2010. وتشير تقديرات أحدث إلى أن قيمة الخسائر السنوية تصل إلى 50 مليار دولار على مستوى العالم. ومع ذلك، تبقى خسائر الغش الغذائي قليلة الشأن بالمقارنة مع مخاطره الصحية.
في منتصف 2008، لوحظ حصول ارتفاع في معدلات إصابة الأطفال الرضع في الصين بالحصيات الكلوية والفشل الكلوي. وجرى ربط هذه الزيادة مع قيام 22 شركة صينية بإضافة مركب الميلامين عمداً إلى بودرة الحليب المجفف التي تنتجها، وذلك بهدف زيادة محتواها من النيتروجين، مما يؤشر ظاهرياً إلى محتوى أعلى من البروتين يسمح لها باجتياز اختبار مراقبة الجودة. وقد بلغ عدد المتضررين بهذا الاحتيال 300 ألف طفل، وتوفي 6 أطفال بسبب حصيات وقصور كلوي، ونقل 54 ألف طفل إلى المشافي لتلقي العلاج.
ومن مآسي الاحتيال الغذائي كارثة استخدام زيت بذور اللفت المعد للاستخدام الصناعي كزيت قلي في إسبانيا، مما أودى بحياة نحو ألف شخص عام 1981. وفي كل سنة، تتكرر حوادث الوفاة نتيجة غش المشروبات بكحول الميثانول، الذي يقتل الآلاف من سكان الدول الفقيرة. وقد سجلت منظمة «أطباء بلا حدود» زيادة كبيرة في حالات التسمم بالميثانول خلال سنة 2020 نتيجة النصائح المضللة حول الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا.
وتواجه مختبرات الرقابة على الغذاء، حتى في الدول المتقدمة، مصاعب في مواكبة أساليب الغش. ففي حادثة الحليب الصيني مثلاً، لم تتح الأساليب التقليدية كشف تعزيز محتوى الحليب بالنيتروجين. وتطلب اكتشاف الغش استخدام تقنيات محددة مثل جهاز تحليل الغازات الطيارة أو جهاز الفصل اللوني للسوائل مع قياس طيف الكتلة. ولا تسمح هاتان التقنيتان بتحري أساليب غش الحليب الأخرى بتعزيز النيتروجين.
وفي كثير من حالات خلط اللحوم البقرية بأنواع لحوم أرخص أو تزييف شرائح بعض أنواع الأسماك بأنواع أخرى أقل جودة، يتعذر كشف الغش من دون القيام بتحليل للحمض النووي لتحديد الأنواع.
وكان المحتالون اعتادوا تقليدياً على إضافة شراب الذرة لغش العسل. وتستطيع المختبرات تمييز هذه الإضافة عبر تحليل نسب نظائر الكربون المستقرة. ولتجنب اكتشاف هذا الغش، يقوم المحتالون الآن بتعديل نسب نظائر الكربون عبر إضافة عصائر أخرى للعسل المغشوش كشراب الرز، ويتطلب اكتشاف الغش في هذه الحالة أساليب أكثر تعقيداً كالرنين المغناطيسي النووي.
في نهاية 2020، أعلن مركز العلوم والبيئة في نيودلهي أن 10 من أصل 13 (77 في المائة) من العلامات التجارية الهندية تبيع العسل المغشوش بشراب السكر الاصطناعي (الذرة والشمندر والرز وقصب السكر) المستورد من الصين. وجاء هذا الإعلان في أعقاب سلسلة من الاختبارات باستخدام الرنين المغناطيسي النووي أجريت في ألمانيا، حيث لم تتمكن المختبرات الهندية من كشف الغش.
وتتضافر جهود علماء الكيمياء التحليلية حول العالم لتشكيل تحالفات في وجه مافيات تزييف الغذاء الدولية. ومن بين التحالفات الجديدة مشروع مشترك بين الاتحاد الأوروبي والصين يهدف إلى حشد الموارد لصياغة رؤية موحدة حول سلامة الأغذية وأصالتها، بمشاركة 33 منظمة بحثية تعمل في مكافحة الغش الغذائي، وبناء قواعد البيانات لتتبع حالات الاحتيال المثبتة.
وتعتبر معايير سلامة الغذاء الأوروبية من بين الأعلى عالمياً بفضل تشريعات الاتحاد الأوروبي التي تضمن سلامة الغذاء للمستهلكين. ويعد نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف التابع للاتحاد أداةً رئيسيةً لضمان تدفق المعلومات وتمكين الاستجابة السريعة عند اكتشاف المخاطر على الصحة العامة في السلسلة الغذائية. ويتيح هذا النظام، الذي بدأ في 1979، مشاركة المعلومات بكفاء بين الدول الأعضاء، ويمكن أن تؤدي المعلومات الحيوية التي يتم تبادلها إلى سحب المنتجات من الأسواق.
وترتبط الدول العربية بالشبكة الدولية للسلطات المعنية بالسلامة الغذائية (إنفوسان)، التي تأسست في 2004 وتديرها منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو) للتشجيع على تبادل المعلومات بشأن السلامة الغذائية. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، يوفر نظام الإنذار الخليجي السريع للأغذية والأعلاف آلية للتبليغ عن السلامة الغذائية في الإقليم، بما يدعم نظم الإنذار الوطنية.
وإلى جانب أنظمة الكشف المبكر والإنذار عن الغش، يمكن التخفيف من الاحتيال الغذائي باتباع سياسات تلحظ تحسين العلاقة مع الموردين، وتطبيق إجراءات تدقيق فعالة، والاستثمار في تقنيات الكشف عن الغش بأجهزة محمولة تعطي نتائج فورية بلا حاجة لنقل العينات إلى المختبر، وتبادل المعلومات بين أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص. هذا النهج الاستباقي والاستثمار في الابتكارات والتقنيات الجديدة يسمح لسلاسل التوريد بتقليل المخاطر وتحسين سلامة الغذاء وضمان صحة المستهلك ورفاهيته على نحو أفضل.


مقالات ذات صلة

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

يوميات الشرق المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

أُزيل فيل برتقالي ضخم كان مثبتاً على جانب طريق رئيسي بمقاطعة ديفون بجنوب غرب إنجلترا، بعد تخريبه، وفق ما نقلت «بي بي سي» عن مالكي المَعْلم الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الوزير السعودي يتسلم رئاسة السعودية رسمياً لمؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«كوب 16 الرياض» يجمع صناع السياسات لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر

اجتمع عدد كبير من صنُاع السياسات والمنظمات الدولية والدوائر غير الحكومية وكبرى الجهات المعنية، الاثنين، في الرياض، للبحث عن حلول عاجلة للأزمات البيئية.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
TT

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات ينبعث منها كميات من غاز الميثان أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يُثير القلق من أن أهداف المناخ العالمية أصبحت بعيدة المنال، وفق «رويترز».

وتحتوي الأراضي الرطبة على كميات هائلة من الكربون في صورة مواد نباتية ميتة، تتحلل ببطء من خلال الميكروبات الموجودة في التربة.

ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع هذه العملية، ما يزيد من التفاعلات الحيوية التي ينتج عنها غاز الميثان. كما تؤدي الأمطار الغزيرة إلى حدوث فيضانات، ما يتسبب في زيادة رقعة الأراضي الرطبة.

وكان العلماء يتوقعون منذ فترة طويلة زيادة انبعاثات غاز الميثان من الأراضي الرطبة، مع ارتفاع درجات الحرارة، ولكن من عام 2020 إلى 2022 أظهرت عينات مأخوذة من الهواء وجود تركيزات أعلى من غاز الميثان في الغلاف الجوي.

وتشير 4 دراسات نُشرت في الأشهر القليلة الماضية إلى أن الأراضي الرطبة الاستوائية هي السبب الأكثر ترجيحاً في ارتفاع مستويات الميثان، إذ أسهمت المناطق الاستوائية في ارتفاع مستويات ذلك الغاز بأكثر من 7 ملايين طن خلال السنوات القليلة الماضية.

وقال روب جاكسون، أستاذ البيئة بجامعة ستانفورد، الذي يرأس المجموعة التي تنشر الميزانية العالمية للميثان: «تركيزات الميثان لا ترتفع فحسب، بل ارتفعت في السنوات الخمس الماضية أسرع من أي وقت مضى».

وأعلنت بعض الدول عن خطط طموح لخفض غاز الميثان. وقالت الصين العام الماضي إنها ستسعى جاهدة للحد من حرق الانبعاثات من آبار النفط والغاز.

ووضعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اللمسات الأخيرة على لائحة جديدة الأسبوع الماضي، سيلتزم بموجبها منتجو النفط والغاز في الولايات المتحدة بدفع رسوم على بعض انبعاثات الميثان، لكن من المرجح إلغاء هذه اللائحة في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وقالت وزيرة البيئة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إيف بازيبا لـ«رويترز»، على هامش قمة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ (كوب 29)، إن بلادها تعمل على تقييم انبعاثات غاز الميثان من غابات المستنقعات والأراضي الرطبة في حوض الكونغو.

وجاء في تقرير ميزانية الميثان لعام 2024 أن الكونغو هي أكبر مصدر لانبعاثات الميثان في المناطق الاستوائية.