الصحة وتغيُّر المناخ في المنطقة العربية: الأمراض المناخية تزداد وخطط المواجهة محدودة

الصحة وتغيُّر المناخ في المنطقة العربية: الأمراض المناخية تزداد وخطط المواجهة محدودة
TT

الصحة وتغيُّر المناخ في المنطقة العربية: الأمراض المناخية تزداد وخطط المواجهة محدودة

الصحة وتغيُّر المناخ في المنطقة العربية: الأمراض المناخية تزداد وخطط المواجهة محدودة

أثر تغيُّر المناخ على الصحة هو عنوان الحلقة الخامسة من سلسلة المقالات عن الصحة والبيئة في البلدان العربية. يستند هذا المقال إلى الفصل الخاص بالموضوع في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الذي صدر مؤخراً. وقد أشرف على تأليف الفصل الدكتور أحمد جابر، رئيس «كيمونِكس» للاستشارات البيئية والأستاذ في جامعة القاهرة، والدكتورة رندة حمادة، نائبة عميد الدراسات العليا والبحوث في كلية الطب والعلوم الطبية وأستاذة طب الأسرة والمجتمع في جامعة الخليج العربي في البحرين.
يعدّ تغيُّر المناخ وآثاره على الصحة العامة أحد التحديات الكبرى التي تواجه تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وينتج عن ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية القاسية زيادة في المخاطر الصحية، كأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي وضربات الشمس، بالإضافة إلى الإصابات المباشرة والوفيات.
وتشمل الآثار غير المباشرة لتغيُّر المناخ انتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه والغذاء والكائنات الحاملة للأمراض، وتدهور الأمن المائي والغذائي، والنزوح والهجرة القسرية، واختلال الصحة العقلية والصحة المهنية. ويمتد تأثير تغيُّر المناخ غير المباشر على صحة الإنسان ليشمل تراجع التنمية المستدامة وتفاقم حالة الفقر، ما ينعكس سلباً على الصحة البشرية ويُضعف من قدرة الخدمات العلاجية والاستشفائية.
وتنظّم العلاقة بين تغيُّر المناخ والصحة مجموعة من العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك قدرة المجتمعات على الصمود أمام الكوارث. وتلعب العوامل البيئية والاجتماعية دوراً مهماً في التأثير على العواقب الصحية لتغيُّر المناخ. وعلى سبيل المثال، غالباً ما يكون الأطفال والنساء في البلدان النامية في طليعة الفئات الأكثر تضرراً خلال فترات الجفاف، خصوصاً لدور النساء الأسري في جلب المياه. ومع ذلك، من الملاحظ أن معدلات الانتحار بين المزارعين الذكور أثناء فترات الجفاف أعلى مقارنةً بالنساء.
وفي حالات الأمراض الناشئة والمنتقلة من الحيوانات إلى البشر، مثل «كوفيد - 19» وإيبولا وإنفلونزا الطيور وسارس وغيرها، يؤدي التراجع في التنوع الحيوي والتغيُّرات في استخدامات الأراضي والنُظم البيئية وموائل الحيوانات، التي ازدادت نتيجة تغيُّر المناخ، إلى جعل البشر على اتصال وثيق بالحياة البرية، ما يزيد من فرص التفاعل بين نواقل المرض والإنسان.
ويناقش تقرير «الصحة والبيئة»، الذي صدر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، الدوافع البيئية الرئيسية التي لها تأثير كبير على مختلف جوانب صحة الإنسان في الدول العربية، بما فيها تغيُّر المناخ، حيث تشير الدراسات المتاحة إلى أن تغيُّر المناخ قد أثّر سلباً على الصحة العامة في المنطقة العربية.
وكانت البلدان العربية شهدت زيادة في أعداد الوفيات والمصابين بالأمراض المعدية وغير المعدية ذات الصلة بتغيُّر المناخ، لا سيما بين الفئات السكانية الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن، والعاملين في الهواء الطلق، وهم الأكثر تعرضاً للهواء الملوث والغبار والحرارة المرتفعة. ومن المتوقع أن يكون خطر الوفاة لأسباب بيئية مرتبطة بالعوامل الطبيعية بين أبناء المنطقة أعلى بنحو من 8 إلى 20 مرة خلال الفترة بين 2006 و2100 مقارنة بمعدلات الفترة بين 1951 و2005.
وخلال السنوات القليلة الماضية، جرى الإبلاغ عن ارتباطات بين ارتفاع درجات الحرارة بسبب تغيُّر المناخ والوفيات في بعض البلدان العربية. فأثناء موجة الحر في سنة 2015، سجّلت مصر 70 حالة وفاة بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة. كما أفادت دراسة عن وجود ارتباط بين درجات الحرارة المرتفعة والوفيات غير العرضية في الكويت، في دراسة شملت الفترة ما بين مطلع 2010 ونهاية 2016.
وفي أكثر من بلد عربي، تسببت الفيضانات خلال العقد الماضي في عدد من الإصابات والوفيات، كما في السعودية (فيضانات جدة في 2009 و2011) واليمن والمغرب والسودان والأردن والجزائر وغيرها. وفي اليمن، توفي 7 أشخاص من حمى الضنك بعد نزوح 36 ألف شخص بسبب إعصار في سنة 2015.
وعلى الرغم من عدم وجود ارتباطات ذات دلالة إحصائية بين الآثار الصحية قصيرة المدى للعواصف الترابية في الكويت، مع خطر الوفاة الآنية من الأمراض القلبية الوعائية أو أمراض الجهاز التنفسي أو الوفيات الإجمالية، خلصت دراسة حديثة فحصت معدل الوفيات في الكويت بين 2000 و2016 إلى وجود علاقة طردية بين الوفيات والعواصف الترابية وضعف الرؤية على الطرقات.
وتعد الأمراض التي تنتقل عن طريق الغذاء مشكلة صحية عامة في المنطقة العربية، وإن كانت أعباؤها تتباين بين بلد وآخر. ويسجل إقليم شرق المتوسط، الذي يضم معظم الدول العربية إلى جانب إيران وأفغانستان، ثالث أكبر معدلات الإصابة بالأمراض المنتقلة عن طريق الغذاء عالمياً. ويوجد نحو 100 مليون شخص يتأثرون سنوياً بهذه الأمراض، ثلثهم من الأطفال دون سن الخامسة.
ويؤدي الصيف الطويل مع درجات الحرارة المرتفعة في بعض الدول ذات الطبيعة الصحراوية إلى زيادة مخاطر الإصابة بالتسمم الغذائي. وقد شكّلت السالمونيلا نحو ثلثي حالات التسمم الغذائي المبلَّغ عنها في بعض الدول الخليجية، خلال السنوات الماضية التي شهدت درجات حرارة مرتفعة.
ويعد تغيُّر المناخ سبباً مهماً للأمراض التي تنتشر عبر النواقل الحية في المنطقة العربية، مثل الليشمانيات والملاريا وحمى الضنك. وتعدّ الملاريا التي ينقلها البعوض متوطنة في أربعة بلدان عربية؛ هي جيبوتي والصومال والسودان واليمن. وتخلص دراسة حديثة إلى أن عدد حالات الملاريا في السودان يرتبط على نحو كبير بدرجة الحرارة القصوى والرطوبة النسبية وكميات الأمطار.
ويتوقع تقرير «أفد» أن تؤثر الزيادات في درجات الحرارة على صحة الإنسان في المنطقة العربية، وذلك إلى جانب عوامل أخرى تشمل التوزيع الجغرافي للأمراض المعدية ونوعية الهواء والماء والغذاء. ومن المرجح أن تزداد معدلات الإصابة بالملاريا، خصوصاً في السودان ومصر والمغرب. ومن الطبيعي أن تؤدي زيادة العواصف الرملية إلى زيادة أمراض الجهاز التنفسي.
وسينجم عن ارتفاع مستوى سطح البحر على السواحل المصرية وفي منطقة الدلتا تشريد بعض السكان وزيادة مخاطر الإصابة بالاضطرابات العقلية. ونتيجة تغيُّر المناخ، قد تشهد مصر أيضاً زيادةً في الأمراض الطفيلية كالبلهارسيات والليشمانيات والملاريا وغيرها، ويمكن أن تصبح حمى الضنك مشكلة صحية منتشرة ومتوطنة.
وفي أكثر من بلد عربي، من المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة مستقبلاً إلى زيادة الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه والغذاء وانتشار حالات سوء التغذية. كما ستزيد الفيضانات من فرص الإصابة بالأمراض الطفيلية التي تنقلها القوارض والحشرات، والأوبئة التي تنقلها المياه كالكوليرا والديسنتاريا والتهاب الكبد.
ويشير تقرير «أفد» إلى أن البلاغات الوطنية المقدمة من الدول العربية إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ قلّما تتناول الصحة في تقاريرها. ولا يحظى هذا الأمر بالاهتمام الكافي من قبل الباحثين وأصحاب القرار، كما يظهر من التباين في المعلومات المقدمة. لذا ينبغي العمل على إدراج الصحة في البلاغات المناخية الوطنية، وحثّ الباحثين على إجراء دراسات تسد الفجوة المعرفية.
وتتضمن التدابير المقترحة للتكيُّف مع تغيُّر المناخ إجراءات تلقائية مثل مواجهة ظروف العيش في درجات حرارة أعلى، وترتيبات مخطط لها أو متعمدة، كالمراقبة الوبائية المعززة والموجهة ونظم الإنذار المبكر لظواهر الطقس المتطرفة وبرامج التطعيم وأنظمة الإنذار المبكر للأوبئة من أجل مواجهة انتشار الأمراض المعدية.
وتقود منظمة الصحة العالمية مجموعة من المبادرات وبرامج التكيُّف العالمية بالتعاون مع المنظمات الدولية الأخرى، فيما تُعد استراتيجيات ومبادرات التكيُّف الإقليمية والوطنية أكثر محلية ومسايرة للظروف الطارئة. ويشير تقرير «أفد» إلى وجود نقص في استراتيجيات التكيُّف الإقليمية التي تستهدف قطاع الصحة في المنطقة العربية، حيث تحتاج معظم الدول إلى خطط تكيُّف وطنية، علماً بأن بعضها نفّذ بالفعل تدابير تكيُّف محلية ووطنية مثل مصر والأردن وتونس.
وفي حين تأتي تدابير التخفيف من آثار تغيُّر المناخ كاستجابة لالتزامات البلدان باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ واتفاقية باريس (عبر المساهمات الطوعية المحددة وطنياً للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة) مدفوعة في المقام الأول بالتكاليف الاقتصادية والآثار المترتبة على الطاقة، فقد شهدت السنوات الأخيرة تسليط الضوء على أهمية لحظ الصحة في سياسات التخفيف للنهوض بأهداف المناخ والصحة معاً.
وتنطوي استراتيجيات التخفيف من آثار تغيُّر المناخ على فوائد صحية كبيرة، وتستهدف قطاعات مختلفة مثل النقل الحضري والطاقة المنزلية والأغذية والزراعة وتوليد الكهرباء منخفضة الكربون. على سبيل المثال، يؤدي استخدام الطاقة النظيفة إلى فوائد صحية تتمثل في تحسين جودة الهواء في المناطق الحضرية وتقليل الأمراض القلبية الوعائية وأمراض الجهاز التنفسي.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تُعد التكلفة طويلة الأجل لإجراءات التخفيف العالمية من آثار تغيُّر المناخ صغيرة نسبياً على المدى الطويل، عند مقارنتها بالتوفير في النفقات على الرعاية الصحية، ما يمثل دافعاً قوياً لمزيد من العمل السياسي والفردي.
وينوّه تقرير «أفد» بمصادقة معظم الدول العربية على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ وبروتوكول كيوتو واتفاقية باريس، وقيامها بعدد من إجراءات التخفيف الإقليمية والوطنية. ومع ذلك، يؤكد التقرير ضرورة القيام بمزيد من الإجراءات، لا سيما في مجال السياسات الناظمة للتخفيف من آثار تغيُّر المناخ ذات المنافع الصحية المباشرة.


مقالات ذات صلة

فيضانات منطقة المتوسط... تغير المناخ بات هنا

بيئة سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)

فيضانات منطقة المتوسط... تغير المناخ بات هنا

زادت ظاهرة التغيّر المناخي نسبة حدوث فيضانات في منطقة البحر المتوسط، حيث تلعب الجغرافيا والنمو السكاني دوراً في مفاقمة الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
علوم 5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

دعاوى مشروعة للدول الفقيرة وأخرى ارتدادية من الشركات والسياسيين

جيسيكا هولينغر (واشنطن)
بيئة أنثى «الحوت القاتل» الشهيرة «أوركا» أنجبت مجدداً

«أوركا» تنجب مجدداً... والعلماء قلقون

قالت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية إن أنثى الحوت القاتل (التي يُطلق عليها اسم أوركا)، التي اشتهرت بحملها صغيرها نافقاً لأكثر من 1000 ميل في عام 2018 قد أنجبت أنثى

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

أُزيل فيل برتقالي ضخم كان مثبتاً على جانب طريق رئيسي بمقاطعة ديفون بجنوب غرب إنجلترا، بعد تخريبه، وفق ما نقلت «بي بي سي» عن مالكي المَعْلم الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)

فيضانات منطقة المتوسط... تغير المناخ بات هنا

سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)
سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

فيضانات منطقة المتوسط... تغير المناخ بات هنا

سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)
سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)

هطول الأمطار الغزيرة ولفترات قصيرة أمر طبيعي في منطقة البحر المتوسط، ولكنه، مثل العديد من الظواهر المناخية المتطرفة في السنوات الأخيرة، لم يعد هطول الأمطار في المنطقة تقليدياً بالضرورة، وذلك لما تسبّبه مؤخراً متأثرة بتغيّر المناخ.

في الخريف، أحدثت الفيضانات القاتلة دماراً على طول قوس ممتد من إسبانيا إلى البلقان، ومن المغرب إلى ليبيا. قُتل أكثر من 200 شخص في فالنسيا الإسبانية في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد فترة وجيزة من الطوفان الذي أغرق أوروبا بخمسة أضعاف معدل هطول الأمطار الشهري العادي في أسبوع واحد.

يقول العلماء إن تغير المناخ لا يزيد فقط من قوة العواصف المدمرة في البحر المتوسط، ​​​​ولكن أيضاً من تواترها، ويتوقعون أن يزداد الأمر سوءاً، وفق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.

آثار السيول التي ضربت مدينة بنغازي الليبية نتيجة «إعصار دانيال» الذي ضرب البلاد 11 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

كانت المناطق الساحلية في حوض البحر المتوسط ​​​​دائماً عرضة لهطول أمطار غزيرة، وخاصة في الأماكن التي توجد بها جبال بالقرب من البحر. لكن الأمر أصبح أسوأ مع ازدياد فترات هطول الأمطار الشديدة، مقارنة بعقود من الزمان فقط. في بعض المناطق، بدأت الكارثة تبدو وكأنها الوضع الطبيعي الجديد.

وقال ليوني كافيشيا، وهو عالم في المركز الأوروبي المتوسطي لتغير المناخ، إن شدة هذه الظواهر المتطرفة من المرجح أن تزداد في العقود المقبلة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن منطقة البحر المتوسط ​​ترتفع درجة حرارتها بالفعل بنسبة 20 في المائة أسرع من المتوسط ​​العالمي. فمع ارتفاع درجة حرارة الهواء، ترتفع قدرته على الاحتفاظ بالمياه.

تشير النماذج المناخية إلى أنه رغم تكثيف أحداث هطول الأمطار الغزيرة في منطقة البحر المتوسط، فإن متوسط ​​هطول الأمطار في هذه المنطقة سينخفض بشكل عام. بعبارة أخرى، ستكون المناطق الجافة أكثر جفافاً، رغم أن الأمطار الغزيرة عندما تأتي ستكون أكثر شدة.

دور الجغرافيا

فجغرافيا البحر المتوسط عرضة خصيصاً للفيضانات المفاجئة. الجبال والبحر المغلق ومجاري الأنهار الجافة حول البحر المتوسط ​​تجعل المنطقة معرضة بشكل خاص للفيضانات المفاجئة.

تظل معظم المجاري المائية في المنطقة جافة إلى حد ما لفترات طويلة من العام. وعندما تأتي الأمطار الغزيرة، تتركز المياه بسرعة في مجاري الأنهار شديدة الانحدار، ويمكن أن ترتفع عدة أمتار في غضون ساعات قليلة، كما قال فرانشيسكو دوتوري، أستاذ مشارك في علم المياه في كلية الدراسات العليا بجامعة بافيا بإيطاليا.

إن البحر المتوسط ​​يسخن بسرعة أكبر من المسطحات المائية الأخرى، ويرجع هذا جزئياً إلى كونه بحراً مغلقاً عملياً. وهذا يجعله مصدراً قوياً للرطوبة التي يمكن للرياح أن تحملها إلى الداخل، فتغذي أنظمة هطول الأمطار، غالباً فوق المناطق الساحلية التي يتركز فيها معظم سكان البحر المتوسط.

وتلعب كذلك التيارات الجوية القوية للتيار النفاث القطبي دوراً في طقس المنطقة. فمع تقلّب التيارات، تتشكل موجات شمال - جنوب فترسل الهواء الدافئ إلى الشمال، وترسل الهواء البارد إلى الجنوب. وفي بعض الأحيان، عندما ينفصل جزء من التيار النفاث، فإنه يشكل منخفضاً جوياً، وقد يستمر هذا المنخفض لأيام، مما يتسبب في عدم الاستقرار عندما يلتقي بالهواء الدافئ في البحر المتوسط. وهذا ما حدث في سبتمبر (أيلول)، عندما نشأت العاصفة بوريس كأحد أنظمة الضغط الجوي المنخفض، واستمرت في التسبب في دمار بوسط وجنوب أوروبا، حيث قتلت 24 شخصاً على الأقل.

وكان منخفض جوي آخر هو الذي تسبب في الفيضانات بعد فترة وجيزة في فالنسيا بإسبانيا، حيث تُوفي المئات.

وفي عام 2023، تسبب انخفاض في درجات الحرارة فوق اليونان في إطلاق العاصفة «دانيال»، (عُرف باسم «إعصار دانيال»)، التي اشتدت قوتها مع عبورها البحر المتوسط ​​إلى ليبيا، ما أسفر عن مقتل 13200 شخص في ليبيا بعد انهيار سدين.

النمو السكاني

ويعني النمو السكاني في منطقة المتوسط أن المزيد من الناس معرّضون للخطر على مدى العقود الأخيرة، فقد أصبحت معظم المناطق الساحلية ومناطق السهول الفيضية في منطقة البحر المتوسط ​​أيضاً حضرية بكثافة، مما يترك مساحة صغيرة للممرات المائية. ولا تؤدي هذه التغييرات إلى تضخيم خطر الفيضانات فحسب، بل تضع كذلك المزيد من الناس في طريق الأذى.

أشخاص يسيرون في شوارع غمرتها المياه في فالنسيا بإسبانيا جراء الفيضانات التي ضربت المنطقة أكتوبر 2024 (أ.ب)

أصبحت الفيضانات أقل فتكاً بشكل عام بفضل التحسينات في هياكل الحماية من الفيضانات وأنظمة الإنذار المبكر. لكن الخبير دوتوري، الذي ساعد في تطوير نظام التوعية بالفيضانات الأوروبي، قال إن المزيد من المنازل والممتلكات يتعرض للضرر بسبب التنمية الحضرية والنمو السكاني.

لقد تضاعف عدد سكان دول البحر المتوسط ​​​​أكثر من الضعف منذ ستينات القرن العشرين. واليوم، يقيم نحو 250 مليون شخص في دول البحر المتوسط ​​​​في أحواض الأنهار، حيث تكون الفيضانات أكثر احتمالية.