السنيورة: تطوير النظام لا يُبحث تحت تهديد السلاح والشارع

رفض في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن يكون لبنان محكوماً بقرار خارجي

الرئيس فؤاد السنيورة
الرئيس فؤاد السنيورة
TT

السنيورة: تطوير النظام لا يُبحث تحت تهديد السلاح والشارع

الرئيس فؤاد السنيورة
الرئيس فؤاد السنيورة

أكد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة أنَّ أصلَ الأزمات الراهنة التي يتخبَّط فيها لبنان «لا يعود إلى خلافٍ حول تفصيلات واجتهادات، وإنما يعود إلى افتراقٍ، أو بوادر افتراق، بين خيارين»: أولهما «خيار الطائف»، وثانيهما «مشاريع غلبة وغربة لا يحتملها لبنان»، مشدداً في حديث لـ«الشرق الأوسط» على أن موضوع تطوير النظام «لا يمكن أن يُبحث تحت التهديد بالسلاح والقمصان السود والشارع»، لافتاً إلى ضرورة ألا يكون لبنان «محكوماً لقرار خارجي أو سلاح خارجي يفرض على اللبنانيين ما يجب أن يقوموا به».
وأعلن السنيورة «مبادرة للعيش المشترك والدستور والإنقاذ الوطني»، تقوم على تطبيق اتفاق الطائف، والتمسك به بصفته مرجعية نهائية، مشيراً إلى أن الخلاف بين الخيارين اللذين يتنازعان لبنان في هذا الوقت ينقسم بين طرف يتمسك بـ«خيار الطائف المنسجم مع تكوين لبنان، ومعناه ودوره، الذي لم يحظَ بأي فرصة حقيقية للتطبيق والإنجاز حتى الآن»، وبين «تطلعات أخرى من خارج العقد الوطني الحقيقي، تراهن على موازين قوى متحركة في الداخل والخارج، وهي بذلك مشاريعُ غَلَبة أو غربة لا يحتملها لبنان».
وتطرق السنيورة إلى المعضلات السياسية التي يعاني منها لبنان، والانقسامات على المفاهيم، والدعوات لتطوير النظام، مؤكداً أن «لبنان قائم على قوة التوازن، وليس توازن القوى»، مشدداً على أن «العودة إلى الطائف ينصف الجميع ويطمئنهم».
ورأى أن أخطر ما في الوضع الراهن هو «عجزُ القوى السياسية المتصدّرة للمشهد عن المبادرة في تحديد وجهة إنقاذية وطنية (أي عامة)، بدلاً من انشغال كل فريق بالمحافظة على رأسه، في انتظار ما ستُفضي إليه لعبة الأمم في المنطقة، للتكيُّف طوعاً أو كرهاً مع نتائجها». وعليه، يطرح مبادرة ضرورية، تتمثل بالتمسك باتفاق الطائف، كون «مرجعية الطائف والدستور تختلف تماماً عن تلك النظرة القائلة بأن تسوية الطائف كانت (ضرورية مؤقتة، ولوقْفِ الحرب الداخلية لا أكثر)».
وعلى العكس من ذلك، أعرب السنيورة عن اعتقاده بأنَّ اتفاق الطائف «كان تسوية تاريخية واقعيَّة منْصِفة متوازنة، بالإضافة إلى أنها صحَّحت عدداً من الانطباعات والسلوكيات الخاطئة التي اعتَوَرتْ التجربة اللبنانية في مدى قرنٍ من الزمان»، مشدداً على أنها «تمتلك مقومات الدوام الاستراتيجي».
وأكد السنيورة أن «مقاربتنا أو مبادرتنا هذه لا تنطلق من تمييزٍ مسبَق بين أحزابٍ وطوائفَ وقطاعات وأمزجة أهليَّة سائدة في هذا الجانب أو ذاك، وإنما تقوم على التمييز في كل هذه المستويات بين مَنْ استخلصوا الدروس، وعقدوا العزمَ على التلاقي، وبين مَنْ لم يستخلصوا بعدُ أو لم يعقدوا العزم»، مضيفاً: «هي ليست مبادرة في وجه أحزابٍ وكيانات سياسية، وإنما في وجهِ مراوحة قاتلة».
وشدد على «أهمية وسموّ العمل الوطني اللبناني الذي يتحقق بنتيجته نهوض لبنان، بصفته رسالة وقيمة حضارية وثقافية ووطنية يجتمع من حولها اللبنانيون ليُعززوا جهودهم من أجل إعادة الاعتبار لدولتهم القادرة العادلة، بقرارها الحر المستقل وسلطتها الحصرية الوحيدة على كامل أراضيها، المصممة على تحييد لبنان بشكل إيجابي عن كل الصراعات والمحاور الإقليمية والدولية، كما جاء في مبادرة البطريرك بشارة الراعي»، مؤكداً أنه «بتلك المعاني وغيرها، يكون اتفاق الطائف قد مهَّد الطريق لزمنٍ لبناني جديد حَدَاثي».
وقال إن تراكم الأزمات في الداخل اللبناني «أخذ يُغري بعضَ الأطراف بتمرير اقتراحٍ انقلابي معلن على طبيعة النظام السياسي اللبناني، وصيغة العيش المشترك في هذا التصدع»، وذلك في إشارة إلى دعوة رئيس «التيار الوطني الحرّ»، النائب جبران باسيل، الأخيرة «بالأصالة عن نفسه، وبالنيابة -على ما يبدو- عن شريكه الدائم الثابت (حزب الله)، في السعي لتغيير النظام».
وعد السنيورة أنَّ الأزمات القائمة المتناسلة منذ عقود «ليست ناجمة عن أزمة نظامٍ سياسي ثبتَ فشلُه أو قُصورُه بالتجربة، كما يزعم بعضهم، وإنما هي أزمة إداراتٍ سياسية لم تكن في مستوى تسوية الطائف التاريخية». وإذ أشار إلى أن لبنان «تأسس على فكرة العيش المشترك، والمصلحة المتداخلة بين أبنائه»، لفت إلى أنه «بعد اتفاق الطائف، تم تلزيم تطبيق الإصلاحات الدستورية إلى النظام السوري، ولهذا كان لمصلحته أن يتصرف بصفته رجل المطافئ الذي يشعل الحرائق، مع البقاء جنبها كي يستطيع أن يشعلها في وقت لاحق»، مفسراً الحال بأنه «نظام ديكتاتوري كُلّف بإدارة نظام ديمقراطي». وقال إن «الأحزاب الطائفية التي أدارت البلد جعلت المخاوف المشتركة تحل مكان العيش المشترك، وبدل أن يستفيد كل واحد من مميزات الآخر، صار هناك خوف من الآخر».
ورأى السنيورة أن الطرح الذي يتمسك به بخصوص اتفاق الطائف لا يعني أن أي دستور في الدنيا مقدس؛ على العكس من ذلك «بالإمكان التطور والتوضيح، لكن عندما تهدأ النفوس». وشدد على أن موضوع تطوير النظام «لا يمكن أن يُبحث تحت التهديد بالسلاح والقمصان السود والشارع»، لافتاً إلى ضرورة «أن يكون للبنان قرار حر، ولا يكون محكوماً لقرار خارجي أو سلاح خارجي يفرض على اللبنانيين ما يجب أن يقوموا به».
وأوضح أن «مجلس الشيوخ» المطلوب تشكيله، بحسب وثيقة الطائف، ليس «مجلساً تشريعياً» ينحصر اهتمامه وقرارُه في القضايا الكبرى المتعلقة بالعيش المشترك، معرباً عن قناعته بأن «أعظم الدساتير ترتبط بحسن نوايا من يطبقونها».
ولا ينفي السنيورة أن المشكلة بدأت عندما بدأ الترويج لنظرية أن «الرئيس ينتخبه المسيحيون»، وبعدها «قضية الأقوياء الأربعة الذين يجب أن يكون من بينهم الرئيس»، مشدداً على أن «هذا خطأ كبير». ولفت إلى أنه «ذهب إلى بكركي حينها، ليخرج على الإعلام برسالة، مفادها أن انتخاب الرئيس يهم كل اللبنانيين، وليس المسيحيين وحدهم»، لافتاً إلى أنه بعد ذلك «حضرت نظرية الرئيس القوي»، وقال: «قلت في طاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري (في عام 2006) إن ذلك يفرض رئيساً قوياً عند كل الطوائف، وعلى رئيس الجمهورية أن يكون رئيساً جامعاً لكل اللبنانيين، وليس لفريق محدد».
وجدد التأكيد أنه «وقتُ الخيارات الوطنية الكبرى الجامعة، وليس وقتاً لحماية رأسٍ من هنا أو هناك، تورَّط في رهانٍ زيَّنه له طيشُه أو أزمته الذاتية»، ذلك أن لبنان «يكون بجميع بَنيه أو لا يكون، ولجميع بَنيه أو لا يكون». ولهذه الغاية، يشير السنيورة إلى أنه «لا نجدُ بديلاً عن اتفاق الطائف والدستور، مرجعية ودليلَ عمل، بل نعدهما المرجعية الأنسب لاستقرار لبنان ومعافاته على طريق السيادة والاستقلال وصَوْنِ العيش المشترك، في وطنٍ نهائي لجميع أبنائه، عربي الهويَّة والانتماء، وفي دولة مطابقة لمجتمعها، لا دولة الغَلَبة على مجتمعها، كما هي الحال في دول الأنظمة الكليانية التوتاليتارية».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).