قرار بايدن بتجميد رخص التنقيب قد يزيح أميركا من صدارة منتجي النفط

منح حقوق الامتياز للتنقيب عن النفط والغاز والفحم در على الحكومة الأميركية 11,7 مليار دولار خلال 2019 (رويترز)
منح حقوق الامتياز للتنقيب عن النفط والغاز والفحم در على الحكومة الأميركية 11,7 مليار دولار خلال 2019 (رويترز)
TT

قرار بايدن بتجميد رخص التنقيب قد يزيح أميركا من صدارة منتجي النفط

منح حقوق الامتياز للتنقيب عن النفط والغاز والفحم در على الحكومة الأميركية 11,7 مليار دولار خلال 2019 (رويترز)
منح حقوق الامتياز للتنقيب عن النفط والغاز والفحم در على الحكومة الأميركية 11,7 مليار دولار خلال 2019 (رويترز)

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أمس الأربعاء تجميد منح التراخيص للتنقيب عن المحروقات في الأراضي والمياه الفيدرالية، إضافة إلى تنظيم قمة دولية حول المناخ في أبريل (نيسان)، وفق بيان للبيت الأبيض.
ووقع بايدن قرارا لاحقا يفصّل هذه الإجراءات، وبينها تنظيم الولايات المتحدة قمة للقادة حول المناخ في 22 أبريل الذي يصادف «يوم الأرض» والذكرى الخامسة لتوقيع اتفاق باريس الذي انضمت إليه واشنطن مجددا بعد بضع ساعات من تولي الرئيس الجديد منصبه.
ومنذ عدة سنوات تتصدر الولايات المتحدة الأميركية قطاع النفط كأكبر منتج خام في العالم، غير أن قرارا كهذا قد يزيح الولايات المتحدة من على الصدارة.
ففي اليوم الأول بعد حفل تنصيبه، خلفا لدونالد ترمب، وقع بايدن عدة قرارات، مثل العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، الذي انسحب سلفه منها، وفي اليوم الثاني جمد الحفر في الأراضي الفيدرالية بالولايات المتحدة.
ومع أن قرار التجميد لن يؤثر على حقوق الامتياز الممنوحة حتى الآن إلا أنه يسمح لجو بايدن بالإيفاء بأحد وعود حملته الانتخابية.
ويتوقع أن تتعهد الولايات المتحدة الحفاظ على 30 في المائة من الأراضي والمياه الفيدرالية حتى العام 2030 من أجل لجم التراجع في التنوع الحيوي.
ويأتي ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة تقريبا من موارد للطاقة منتجة على أراض فيدرالية على ما جاء في تقرير حكومي العام 2018.
وتفيد أرقام وزارة الداخلية بأن منح حقوق الامتياز للتنقيب عن النفط والغاز والفحم در على الحكومة الأميركية 11.7 مليار دولار خلال العام 2019.
وبدأ بايدن، تنفيذ وعوده للاعتماد على الطاقة النظيفة والتوسع في السيارات الكهربائية. وقال يوم الاثنين إن «الحكومة ستستبدل سيارات كهربائية مصنّعة في الولايات المتحدة بالأسطول الفيدرالي كاملاً من السيارات والشاحنات وسيارات الدفع الرباعي».
ومع سلسلة الإجراءات هذه يقترب بايدن بشكل ملموس من هدفه المتمثل بالتخلي تدريجا عن مصادر الطاقة الأحفورية وتحييد أثر الكربون في قطاع الطاقة بحلول 2035 وعلى صعيد الاقتصاد برمته بحلول 2050.
إلا أن بعض المنظمات البيئية مثل منظمة «أوسيانا» غير الحكومية تأمل أن يذهب بايدن أبعد من ذلك مع تحويل قرار التجميد إلى منع دائم.
وأوضحت ديان هوسكنز الناطقة باسم «أوسيانيا» بهذا الخصوص «من خلال حماية سواحلنا بشكل دائم من عمليات الحفر الملوثة في عرض البحار ومن خلال تفضيل موارد الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح في البحر، يمكننا بالتزامن مكافحة التغير المناخي وضمان اقتصاد مراع للبيئة لسواحلنا».
وأثار المشروع الرئاسي كذلك انتقادات حادة من أوساط موارد الطاقة الأحفورية.
وقال مايك سومرز رئيس أكبر اتحاد للعاملين في الصناعات النفطية والغازية في الولايات المتحدة: «خفض استغلال (مصادر الطاقة الأحفورية) على الأراضي والمياه التي تملكها الدولة ليس سوى سياسة تهدف إلى استيراد المزيد من النفط».
وأضاف «الطلب على الطاقة سيستمر بالنمو ولا سيما مع تحسن الوضع الاقتصادي ويمكننا أن نختار بين أن ننتج الطاقة الني نحتاجها هنا في الولايات المتحدة أو أن نرتهن لدول أجنبية مناهضة للمصالح الأميركية».
ويتوقع أن يعطي جو بايدن لمسألة التغير المناخي «أولوية على صعيد الأمن القومي» وأن يعيد تشكيل مجموعة خبراء في العلوم والتكنولوجيا مكلفة توفير المشورة له، على ما جاء في المذكرة التنفيذية وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
ويتوقع أن ترفع الولايات المتحدة من أهدافها البيئية التي قد تشمل خفضا بنسبة 50 في المائة لانبعاثات غازات الدفيئة الشاملة بحلول 2030 مقارنة بمستويات العام 2005.
وسيعرض الرئيس الديمقراطي على الكونغرس الشهر المقبل خطة للمناخ قيمتها ألفا مليار دولار من شأنها وضع الإجراءات المراعية للبيئة في قلب الاقتصاد الأميركي. لكنه قد يواجه تحفظات من الأعضاء الجمهوريين مع أن التوصل إلى اتفاق بين الحزبين أمر ممكن.


مقالات ذات صلة

«قناة بنما»: ما تاريخها؟ وهل يستطيع ترمب استعادة السيطرة عليها؟

الولايات المتحدة​ سفينة شحن تَعبر قناة بنما في سبتمبر الماضي (أ.ب)

«قناة بنما»: ما تاريخها؟ وهل يستطيع ترمب استعادة السيطرة عليها؟

يستنكر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الرسوم المتزايدة التي فرضتها بنما على استخدام الممر المائي الذي يربط المحيطين الأطلسي والهادئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (أ.ب)

عائدات سندات الخزانة الأميركية تسجل أعلى مستوى منذ أبريل

سجلت عائدات سندات الخزانة قفزة كبيرة يوم الأربعاء، حيث سجلت عائدات السندات القياسية لمدة عشر سنوات أعلى مستوى لها منذ أبريل (نيسان) الماضي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر (أ.ب)

كبير مسؤولي «الفيدرالي» يواصل دعم خفض الفائدة رغم التضخم والتعريفات الجمركية

قال أحد كبار صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي إنه لا يزال يدعم خفض أسعار الفائدة هذا العام على الرغم من ارتفاع التضخم واحتمال فرض تعريفات جمركية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يصطف الناس خارج مركز التوظيف في لويسفيل بكنتاكي (رويترز)

انخفاض غير متوقع في طلبات إعانة البطالة الأسبوعية الأميركية

انخفض عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع في الأسبوع الماضي مما يشير إلى استقرار سوق العمل بداية العام

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد تباطؤ نمو الرواتب الخاصة في الولايات المتحدة خلال ديسمبر

تباطؤ نمو الرواتب الخاصة في الولايات المتحدة خلال ديسمبر

تباطأ نمو الرواتب الخاصة في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفق تقرير التوظيف الوطني.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.