ارتفاع التوتر على جبهة لقاحات {كورونا}

توقعات بـ«كوارث» إذا لم تحصل عليها الدول الفقيرة

بنغلادش تطلق حملة تطعيم ضد «كورونا» (إ.ب.أ)
بنغلادش تطلق حملة تطعيم ضد «كورونا» (إ.ب.أ)
TT

ارتفاع التوتر على جبهة لقاحات {كورونا}

بنغلادش تطلق حملة تطعيم ضد «كورونا» (إ.ب.أ)
بنغلادش تطلق حملة تطعيم ضد «كورونا» (إ.ب.أ)

خلال الأسابيع الأولى لانتشار وباء «كوفيد - 19» في البلدان الأوروبية مطلع شهر مارس (آذار) من العام الماضي، دارت معركة البحث عن أجهزة التنفّس الصناعي التي كانت تفتقر إليها المستشفيات لمعالجة الإصابات الحادة بالفيروس، ثم عقبتها معركة الحصول على كميّات كافية من الكمّامات والقفّازات الواقية ومستلزمات حماية أفراد الطواقم الصحية الذين كانت نسبة عالية منهم تتعرّض للإصابة.
أما اليوم، وبعد مرور عام على انتشار الجائحة التي أوقعت أكثر من مليوني ضحيّة، وتجاوز عدد إصاباتها الموثّقة عتبة المائة مليون، في الوقت الذي كبّدت الاقتصاد العالمي خسائر لم يعرف لها مثيلاً منذ نحو مائة سنة، باتت الحرب على الوباء محصورة في معركة غير متكافئة للحصول على اللقاحات وتوزيعها على السكان بأسرع وقت ممكن.
وكانت الدراسة الأخيرة التي وضعها معهد البحوث التابع لغرفة التجارة العالمية التي تتخذ من مدينة جنيف مركزاً لها، قد أفادت بأن خسائر الاقتصاد العالمي قد تصل إلى 8.2 ألف مليار دولار إذا لم تتمكّن الدول الفقيرة من الحصول على اللقاحات الكافية ضد «كوفيد - 19» بالتزامن مع الدول الغنيّة التي قد يصل عبء الخسائر التي تلحق باقتصاداتها إلى نصف هذا المبلغ.
وبعد أن كان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قد حذّر الاثنين الماضي من أن العالم على شفا كارثة أخلاقية، واقتصادية، إذا لم توزَّع اللقاحات بشكل منصف على جميع الدول، نبّهت منظمة العمل الدولية، أمس (الأربعاء)، في تقريرها الدوري إلى أن الاقتصاد العالمي سيصاب بخسائر فادحة إذا لم تصل اللقاحات إلى البلدان النامية لتبدأ حملات التطعيم قبل منتصف هذا العام.
ويستند تقرير منظمة العمل إلى تقديرات حركة الإنتاج والمبادلات التجارية شملت 35 قطاعاً في 65 دولة، ومقارنة نتائجها في حال تطعيم جميع السكان في البلدان الغنية بحلول نهاية الصيف المقبل وعدم التطعيم في البلدان الفقيرة، مع السيناريو الأكثر واقعية، حيث تكون الدول المتطورة قد طعّمت مواطنيها في نهاية هذا العام في حين تعجز الدول النامية عن تحقيق هذا الهدف حتى أواسط العام المقبل أو أواخره.
ويقول الأمين العام لغرفة التجارة العالمية جون دنتون، إنه لا يوجد اقتصاد واحد معزول في العالم، وإن الدول المتطورة ستعاني بشدّة من الركود الاقتصادي مهما أسرعت في استئناف نشاطها العادي، إذا لم توزَّع اللقاحات على البلدان النامية. ويضرب دنتون مثالاً على ذلك بقوله «الإطارات تصنَّع في تايلند، لكن عدم قدرة هذا البلد على إنتاجها بسبب من الجائحة ستكون له تداعيات على قطاع صناعة السيارات في الولايات المتحدة».
وكان دنتون قد دعا الجهات والدول المانحة إلى زيادة تبرعاتها لصندوق «كوفاكس» الذي يضمّ الدول الغنية والفقيرة بإشراف منظمة الصحة العالمية، ويهدف إلى مضافرة الجهود في مجالات البحوث لتطوير اللقاحات وإنتاجها والتفاوض على أسعارها وتوفير ملياري جرعة للبلدان الفقيرة بحلول نهاية العام الحالي، وقال «إن الاستثمار في هذا الصندوق ليس من باب الصدقة ولا حتى السخاء، إنه فعل منطق اقتصادي وحسّ سليم. والاستثمار في تحفيز الاقتصادات الوطنية، مهما بلغ، لن يكون مجدياً إذا لم يترافق مع حصول الدول النامية على العدد الكافي من اللقاحات».
وفي حين أعلن صندوق «كوفاكس» عن توقيع عقد مع بـ«فايزر» لشراء 40 مليون جرعة من اللقاح الذي تنتجه هذه الشركة، أي ما يعادل 2 في المائة فقط من مجموع الكميات التي تعاقدت على تسليمها حتى نهاية العام المقبل، كشف مصدر مسؤول في صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، عن أن ثلاثة أرباع اللقاحات التي ستنتجها شركات الأدوية هذا العام بيعت إلى الدول الغنيّة بموجب عقود سريّة، والربع الباقي يترك للبلدان النامية والمنظمات الإنسانية.
ومن جهتها، صرحت المسؤولة عن برنامج اللقاحات في منظمة «أطباء بلا حدود» مريم عليّة «حتى الآن وزّعت الدول الغنيّة 27 مليون جرعة من لقاح (فايزر) على سكانها، بينما لم توزّع البلدان الفقيرة جرعة واحدة بعد من هذا اللقاح، وذلك في الوقت الذي يكرّر القادة الأوروبيون في تصريحاتهم أن اللقاحات ضد (كوفيد – 19) هي سلعة عامة يجب أن تكون في متناول الجميع، لكنهم ما زالوا يرفضون مبادرة تعليق مفاعيل براءات اختراع اللقاحات حتى انتهاء الجائحة بما يتيح لمصانع الأدوية في البلدان النامية إنتاجها بتكلفة زهيدة». ويذكر أن الهند كانت قد تقدّمت بهذه المبادرة في منظمة التجارة العالمية، حيث نالت تأييد أكثر من 100 دولة، لكن عارضتها الدول الغنيّة بما فيها بلدان الاتحاد الأوروبي.
وكانت منظمة «أوكسفام» قد أشارت في التقرير الذي قدّمته أمام المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى أن الزيادة التي طرأت على الثروات العشر الأولى في العالم خلال السنة الماضية يكفي وحدها لشراء احتياجات جميع البلدان النامية من اللقاحات ضد «كوفيد - 19»، وأن زيادة بمقدار 0.5 في المائة على الضرائب التي يسددها واحد في المائة من كبار الأثرياء خلال السنوات العشر المقبلة كافية لاستحداث 117 مليون فرصة عمل جديدة في قطاعات التربية والصحة والعناية بالأطفال والمسنّين.
في غضون ذلك، يرتفع منسوب التوتّر في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وشركات الأدوية، حيث أعلنت المفوضيّة أمس، أن «آليّة الشفافيّة» التي تلزم الشركات بالإبلاغ مسبقاً عن صادراتها خارج بلدان الاتحاد ستكون جاهزة قبل نهاية الأسبوع الحالي. وتهدف هذه الآليّة لمعرفة إذا كان النقص أو التأخير في إمدادات اللقاحات مردّه إلى انخفاض معدّل الإنتاج كما تدّعي الشركات، أو تصديرها إلى أسواق أخرى.
ويتزامن هذا الارتفاع في حدّة التوتر بين الطرفين مع تعثّر حملات التطعيم في غالبية بلدان الاتحاد الأوروبي التي تتأخر مقارنة بمناطق أخرى. ولم تتجاوز نسبة السكّان الذين تناولوا اللقاح حتى الآن في بلدان الاتحاد 2 في المائة، في حين بلغت هذه النسبة 6 في المائة في الولايات المتحدة، وتجاوزت 10 في المائة في المملكة المتحدة.
ومع تزايد المخاوف من تأخيرات لاحقة في تسليم كميات اللقاحات الموعودة، بدأت بعض البلدان الأوروبية تستعدّ للاعتماد على إنتاجها المحلي في القريب المنظور لتوفير اللقاحات اللازمة. ومن المتوقع أن تبدأ بعض مصانع الأدوية في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا في إنتاج اللقاحات التي تعمل على تطويرها، وينتظر أن تنهي المرحلة الثالثة من التجارب السريرية بحلول نهاية الصيف المقبل.
وكانت الشركة الفرنسية العملاقة لإنتاج اللقاحات «سانوفي» قد أعلنت أمس، أنها ستبدأ اعتباراً من مطلع هذا الصيف بإنتاج لقاح بـ«فايزر» بمعدّل 100 مليون جرعة حتى نهاية العام الحالي. وقال المدير العام للشركة بول هدسون، إن التأخير في تطوير اللقاح الرئيسي الذي تنتجه الشركة دفعها إلى مدّ يد التعاون في الجهد الجماعي المبذول للخروج بأسرع وقت من الجائحة.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.