بوغدانوف: موسكو المكان الوحيد الذي يمكن أن يجمع المعارضة مع الحكومة السورية

نائب وزير الخارجية الروسي قال لـ {الشرق الأوسط} إن على السوريين أن يتوصلوا لحل لأزمتهم

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وإلى يمينه نائبه بوغدانوف خلال لقائهما مع السوريين المجتمعين في موسكو أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وإلى يمينه نائبه بوغدانوف خلال لقائهما مع السوريين المجتمعين في موسكو أمس (أ.ب)
TT

بوغدانوف: موسكو المكان الوحيد الذي يمكن أن يجمع المعارضة مع الحكومة السورية

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وإلى يمينه نائبه بوغدانوف خلال لقائهما مع السوريين المجتمعين في موسكو أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وإلى يمينه نائبه بوغدانوف خلال لقائهما مع السوريين المجتمعين في موسكو أمس (أ.ب)

وسط أجواء تفاؤل حذر مفعم بالكثير من القلق، استضافت موسكو المشاورات السورية - السورية وراء الأبواب المغلقة دون أي مشاركة رسمية من جانب الأوساط الروسية والخارجية. وعلى الرغم من مقاطعة ممثلي الائتلاف الوطني السوري المعارض وبعض التنظيمات والفصائل الأخرى في هذه المشاورات، فإن موسكو تظل تتمسك بالأمل في تحقيق دفعة يمكن أن تسهم في تحريك العملية التفاوضية بين المعارضة والحكومة السورية، بما يمكن معه الانطلاق نحو تنفيذ بنود بيان جنيف الموقع في 30 يونيو (حزيران) 2012.
من هذا المنظور استهل ميخائيل بوغدانوف المبعوث الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونائب وزير الخارجية الروسية حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بتأكيده أن موسكو لا يساورها أي قلق تجاه ما تحاول بعض العناصر الخارجية نشره من ادعاءات حول «فشل مباحثات موسكو». وقال بوغدانوف إن ما يقرب من 30 من ممثلي المعارضة السورية وصلوا إلى موسكو وبدأوا مشاوراتهم دون أي تدخل من جانب الأوساط الروسية، عدا مهمة إدارة الجلسات التي يضطلع بها فيتالي ناؤومكين المستعرب ومدير معهد الاستشراق.
ورد بوغدانوف على من يقول إن المفاوضات التي تستضيفها بلاده ستفشل مع مقاطعة مجموعات معارضة سوريا: «إن من يتهم موسكو بالفشل، عليه أن يحاول أن يضطلع بمثل ما قمنا به.. إن موسكو هي المكان الوحيد في العالم الذي يمكن أن يجمع كل أطراف المعارضة، بما في ذلك (الإخوان المسلمين) مع الحكومة السورية». وأضاف: «فلنتذكر أن (مؤتمر أصدقاء سوريا)، لم يدع سوى ممثلي الائتلاف الوطني. أما موسكو فقد وجهت الدعوة إلى الجميع وحددت كل الأهداف المنشودة في نص الدعوة التي أرسلناها إلى كل الأطراف السورية المعنية، ومنها التأكيد على عدم وجود بديل آخر للتسوية السياسية سوى (وثيقة) مؤتمر جنيف التي صدرت في 30 يونيو 2012 وصادق عليها مجلس الأمن للأمم المتحدة في قراره رقم 2118». وشدد بوغدانوف على أن روسيا ملتزمة ببيان «جنيف1»، وهو الوثيقة الوحيدة المتفق عليها دوليا فيما يخص حل النزاع السوري، موضحا: «أن كل من تلقى هذه الدعوة يعرف أهدافنا، وأن هذه الأهداف تستند إلى مبادئ (وثيقة جنيف – 1)، وهي الوثيقة التي جرى إعدادها دون مشاركة السوريين، ومن ثم فإنه من الواجب أن يجتمع السوريون اليوم لمناقشتها وبحث سبل تنفيذها، إلى جانب أي قضايا أخرى». وأضاف: «الوثيقة تنص على إجراء المفاوضات بين ممثلي المعارضة والحكومة السورية والمجتمع المدني دون الإشارة إلى أسماء أي من هذه التنظيمات بسبب احتمالات تغير أو اختفاء بعضها. ونحن نعتقد بوجود الأسماء التي يمكن أن تقوم بهذه المهمة في موسكو».
واستنكر بوغدانوف ما تداول من اتهامات وادعاءات حول فشل «منتدى موسكو» حتى قبل أن يبدأ، في الوقت الذي تتعالى فيه الدعوات والوعود حول عزم الغرب تقديم المساعدة والدعم إلى ممثلي فصائل المعارضة السورية في تسليح 5 آلاف من عناصر المعارضة للاضطلاع بالعمليات القتالية. وكرر بوغدانوف رفض بلاده لهذه الخطوة، قائلا: «من الممكن أن ننتظر لنرى كيف يمكن أن يتحول هؤلاء لاحقا للانضمام إلى صفوف التنظيمات الإرهابية ولا سيما تنظيم (داعش)».
أما عما يمكن أن تطرحه موسكو لاحقا من خطوات، قال بوغدانوف إن «على السوريين أنفسهم اتخاذ الخطوات المطلوبة». وأكد: «أن موسكو لن تطرح شيئا. فليتفق السوريون فيما بينهم، وإذا لم يتوصلوا إلى الاتفاق المشترك من أجل الحل المنشود فإنهم سوف يواصلون الحرب.. سوف يقتلون بعضهم بعضا، سوف يواصلون تدمير بلادهم إذا كان ذلك يناسبهم. ألم تتواصل الحرب في لبنان المجاورة 16 عاما؟ ولقد يتواصل القتال بين هؤلاء لمدة مماثلة.. إذا كانت الحرب تروق لهم؟».
وعن احتمالات وجدوى توسيع الوساطة الدولية، ربما من جانب الدول المجاورة لسوريا مثل مصر، لإقناع الأطراف المعنية بجدوى رأب الصدع والتحول الجاد نحو المفاوضات من أجل تنفيذ بيان جنيف، قال بوغدانوف: «المفاوضات غير موجودة.. نحن نقول بضرورة التحول صوب المفاوضات. يجب أن نضع هذه المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، ولقد يتطلب الأمر دعم وتأييد المجتمع الدولي، ولا سيما من جانب الدول التي تستطيع التأثير على السوريين.. على دمشق وعلى المعارضة.. الداخلية والخارجية منها». وشدد بوغدانوف على أهمية دور الأمم المتحدة، قائلا: «هنا مطلوب جهود أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، ومبعوث الأمم المتحدة لسوريا ستيفان دي ميستورا ونائبه رمزي عز الدين رمزي». وأضاف بوغدانوف أن «السفير رمزي عز الدين موجود في دمشق وقد تحدثت معه، وكنا نريد حضوره.. لكن ليس للمشاركة، لأن موسكو لا تشارك في هذه المشاورات».
وكشف بوغدانوف عن أسماء آخرين من المسؤولين، كانوا يريدون الحضور لكن موسكو فضلت أن يبقى كل في مكانه.. في العاصمة التي يعمل بها. ومضى ليضيف أننا «نرحب بمشاركة كل الدول المجاورة بما فيها المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران ولبنان والأردن حيث الملايين من اللاجئين وقطر.. لكن هذا الطلب يجب أن يصدر أيضا عن السوريين إلى المجتمع الدولي. هنا دور السعودية ومصر وتركيا وإيران بالغ الأهمية».
وعما إذا كان الموقف بين الأطراف السوري يقترب من الطريق المسدود، قال بوغدانوف: «إنهم إذا كانوا يقولون حقا إنه من الضروري الإطاحة بنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد.. فليحاولوا ذلك.. إننا نريد أن نساعدهم في التوصل إلى إمكانية الحوار فيما بينهم».
ولفت إلى حرص بلاده على المساهمة في الجهود الدولية الرامية إلى مشاركة السوريين في التوصل بأنفسهم إلى الحلول المرجوة دون أي تدخل خارجي في الشؤون السورية. وفي هذا الصدد عاد بوغدانوف ليؤكد ضرورة الحوار دون أي شروط مسبقة بما في ذلك ما يطرحه البعض حول حتمية رحيل الرئيس الأسد.
وكشف بوغدانوف عن أنه جرت في اليوم الأول لمشاورات موسكو، المناقشات حول سبل التوصل إلى قواسم مشتركة للاتكاء عليها في المفاوضات اللاحقة مع الحكومة السورية من أجل تنفيذ بنود بيان «جنيف1». وأضاف أن «أيا من المشاركين في منتدى موسكو لم يطرح مطلب الإطاحة ببشار الأسد».
ومضى ليقول: «إنه من غير الواقعي أن يكون الحديث يدور حول الاتفاق على شكل المفاوضات، في الوقت الذي يظهر فيه من ينفي وجود الطرف الذي يجب أن يدير معه الحوار، ويطالبه بالرحيل. إن هناك بين الآخرين من لا يريد حتى الحديث مع الحكومة. فليتحدث كل إلى الآخر من أجل تنفيذ بنود (جنيف1) بما في ذلك تشكيل الهيئة القيادية الانتقالية حسب نص الوثيقة».
وانتقد موقف الأميركيين الذين يتخذون المنحى نفسه، مؤكدا ضرورة الالتزام بنص الوثيقة التي تقول بالحوار بين مجموعات المعارضة دون قصر ذلك على الائتلاف الوطني المعارض، والحكومة السورية ومنظمات المجتمع المدني. واستطرد ليقول بضرورة مناقشة التفاصيل، وتحديد ماهية الشخصيات التي يمكن أن تضطلع بدور الهيئة القيادية الانتقالية. وقال إن «الأميركيين مدعوون إلى إقناع الشخصيات التي يطرحون أسماءها للمشاركة في الهيئة القيادية بالانضمام إلى المشاورات، من أجل تحقيق الحكومة الانتقالية. وانتقد بوغدانوف من يرعى مثل هذه التوجهات ويركز جهوده من أجل توفير الدعم المالي لتجنيد المقاتلين، بدلا من تأهيل الشخصيات السياسية والاقتصادية المدعوة للمشاركة في الهيئة القيادية المقترحة».
وأعرب بوغدانوف عن استغرابه من إصرار البعض على طلب رحيل نظام الأسد متسائلا: «مع من وقعت الولايات المتحدة اتفاقية تخلي سوريا عن ترسانتها من الأسلحة الكيماوية.. ومع من جرى التوقيع على انضمام سوريا إلى معاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.. ومع من يطلبون وساطة موسكو؟».
وعن اتصالات موسكو مع الأطراف الخارجية بما في ذلك وزير الخارجية الأميركية جون كيري، قال بوغدانوف: إن «الاتصالات تتواصل، لكن دون نتيجة تذكر». وأضاف أن «مصر وجهت الدعوة إلى المعارضة فقط للاجتماع في القاهرة، ولا مشكلة في تحقيق ذلك». وأكد أن المشكلة تتمثل في جمع هؤلاء مع ممثلي الحكومة السورية، وهو ما فعلته موسكو. وانتقد الخلافات المحتدمة بين فصائل المعارضة، متسائلا عن الشكل الذي يمكن معه أن يتفق هؤلاء على موقف واحد للتحول إلى التفاوض مع الحكومة السورية.
وعن وزن ممثلي المعارضة التي تواصل مناقشاتها في موسكو قال بوغدانوف إن «كلا منهم يعتبر نفسه (الأهم والرئيسي)». وأشار إلى مشاركة كثيرين ممن يمثلون القبائل السورية والأكراد الذين يسيطرون بالفعل على مناطق كبيرة في سوريا.
وعما إذا كانت مشاورات موسكو يمكن أن تسفر عن نتيجة إيجابية أو خطوة إلى الأمام، في حال اتفاق من جاء من ممثلي المعارضة السورية مع الوفد الحكومي السوري، قال بوغدانوف: «إن ذلك سوف يعتبر حقا خطوة إلى الأمام. فهؤلاء يبسطون سيطرتهم عمليا على مساحات كبيرة من سوريا». وأضاف أنه «وعلى مدى 4 سنوات تحدث مع كل الأطراف تقريبا، بما في ذلك الأسد». وقال إنه «يشكرهم على كل ما يطرحونه من تفسيرات حول الأزمة»، لكنه يفضل أن يقولوا ذلك لبعضهم البعض، وأن يناقشوا التفاصيل بموجب نص بيان «جنيف»، وهذا ما قاله لهم جميعا.
وقال بوغدانوف: «فليجلسوا في أي مكان.. في القاهرة أو في موسكو، في إسطنبول أو أي مكان آخر للاتفاق فيما بينهم. فلتدع إسطنبول الوفد الحكومي السوري إليها للمشاورات مع المعارضة». وردا على سؤال حول مدى احتمالات ذلك، قال بوغدانوف إنه «ليس طرفا وليس وسيطا في المفاوضات، وأنه لا يعرف ما إذا كانت الحكومة السورية يمكن أن تقبل ذلك، فليسألوها».
وعاد بوغدانوف ليشير إلى أن الائتلاف الوطني الذي يرفض المشاركة في مشاورات موسكو هو نفس الائتلاف الذي سبق وتناقش مع الوفد الحكومي السوري برئاسة الجعفري في «جنيف2» العام الماضي. وكان هناك ارتياح مكتوم بين ممثلي الأوساط الرسمية الروسية تجاه عدم وصول الائتلاف الوطني السوري الذي كان من الممكن أن يكون سببا في إثارة الكثير من الخلافات بحسب الرؤية الروسية، فضلا عن أن ذلك كان يمكن أن يهدد أيضا باحتمالات عدم نجاح ما استهدفته موسكو من تنظيم هذه المشاورات.



تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
TT

تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

بعيداً عن تعثر مسار التسوية في اليمن بسبب هجمات الحوثيين البحرية، أشاع الإعلان الأممي اتفاقاً بين الحكومة والحوثيين حول المصارف والطيران أجواءً من الأمل لدى قطاع عريض من اليمنيين، مثلما زرع حالة من الإحباط لدى مناهضي الجماعة المدعومة من إيران.

ومع إعلان غروندبرغ اتفاق خفض التصعيد بين الحكومة والحوثيين بشأن التعامل مع البنوك التجارية وشركة «الخطوط الجوية اليمنية»، فإن المبعوث لم يحدد موعداً لبدء هذه المحادثات ولا مكان انعقادها، واكتفى بالقول إن الطرفين اتفقا على البدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خريطة الطريق.

غروندبرغ يسعى إلى تحقيق أي اختراق في مسار السلام اليمني بعد إعاقة الحوثيين خريطة الطريق (الأمم المتحدة)

بدت آراء يمنيين في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي متباينة في كل مضامين اتفاق التهدئة، باستثناء تمنياتهم بنجاح محادثات الملف الاقتصادي لأن من شأنها أن تعالج وفق تقديرهم جذور الأزمة الاقتصادية والانقسام المالي وانقطاع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين منذ ثمانية أعوام.

في المقابل، ناقضت تقارير يمنية نفسها، مثل ما ورد في تقرير لمركز صنعاء للدراسات كتبه نيد والي، ففي حين حاول توجيه السبب الأساسي للاتفاق نحو ضغوطات من دول في التحالف على الحكومة لصالح الحوثيين، عاد واقتبس من المبعوث الأممي قوله في رسالة لمجلس القيادة: «الانقسام الاقتصادي والمالي الذي تشهده البلاد ستترتب عليه تبعات خطيرة وربما مدمرة، وعزل البنوك وشركات الصرافة عن النظام المالي العالمي سيؤثر سلباً على الأعمال التجارية وعلى تدفق التحويلات المالية».

وكتب الباحث في التقرير نفسه: «عانى الاقتصاد اليمني من الشلل نتيجة عقد من الصراع، وأي ضغوط إضافية لن تجلب سوى أوضاع إنسانية وخيمة، ليس أقلها تعطيل القدرة على تقديم المساعدات. يتم تداول عملتين في الأسواق المالية اليمنية بسعري صرف متباينين، ورغم أن الانقسام الدائم في النظام المصرفي ومؤسسات الدولة قد يصبح أمراً لا مفر منه في نهاية المطاف، لا ينبغي التشكيك بأن تداعيات ذلك على الاقتصاد ستكون وخيمة وأليمة بصورة استثنائية».

وقالت مصادر غربية لـ«الشرق الأوسط»: «إن السعودية دعمت خريطة الطريق ومشروع إنهاء الأزمة اليمنية، والخلافات والعراقيل ليست طريقة للوصول إلى السلام في كل الأحوال».

ومن خلال تعليقات حصلت عليها «الشرق الأوسط» عبر استمزاج يمنيين في قطاعات تجارية وتربوية، تتجنب المعلمة نجاة التي اكتفت بذكر اسمها الأول الخوض في الجدال المتواصل بين المؤيدين والمعارضين لاتفاق التهدئة وتعتقد أن الذهاب للمحادثات الاقتصادية بنيات صادقة ونجاحها هو البشرى الحقيقية لمئات الآلاف من الموظفين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الذين حرموا من رواتبهم منذ نهاية العام 2016، ولكل سكان البلاد الذين يدفعون ثمن الانقسام المالي والمواجهة الاقتصادية.

وتتمنى المعلمة على ممثلي الجانبين الحكومي والحوثيين استشعار المعاناة الكبيرة للملايين من اليمنيين الذين يقاسون نتيجة الظروف الاقتصادية وتوقف المرتبات ووجود عملتين محليتين، والحرص على التوافق والخروج باتفاق على استئناف تصدير النفط والغاز ووضع آلية مرضية لصرف المرتبات، وإنهاء الانقسام المالي لأن ذلك في تقديرها سيكون المنفذ الحقيقي للسلام.

الرواتب وتوحيد العملة

يقول الموظف الحكومي رضوان عبد الله إن الأهم لديه، ومعه كثيرون، هو صرف الرواتب وإنهاء انقسام العملة، لأنهم فقدوا مصدر دخلهم الوحيد ويعيشون على المساعدات والتي توقفت منذ ستة أشهر وأصبحوا يواجهون المجاعة وغير قادرين على إلحاق بناتهم وأبنائهم في المدارس لأنهم لا يمتلكون الرسوم التي فرضها الحوثيون ولا قيمة الكتب الدراسية ومستلزمات المدارس ولا المصروف اليومي.

تعنّت الحوثيين أفشل جولات متعددة من أجل السلام في اليمن (إعلام محلي)

ويؤيده في ذلك الموظف المتقاعد عبد الحميد أحمد، إذ يقول إن الناس تريد السلام ولم يعد أحد يريد الحرب وإن السكان في مناطق سيطرة الحوثيين يواجهون مجاعة فعلية. ويزيد بالقول إن صرف المرتبات وتوحيد العملة أهم من أي اتفاق سياسي ويطلب من الحكومة والحوثيين ترحيل خلافاتهم السياسية إلى ما بعد الاتفاق الاقتصادي.

ولا يختلف الأمر لدى السكان في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية والذين يعبر أغلبيتهم عن سخطهم من الموافقة على إلغاء الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في حق البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يرى عادل محمد أن إنهاء انقسام العملة واستئناف تصدير النفط سيؤدي إلى وقف تراجع سعر الريال مقابل الدولار الأميركي وسيوقف الارتفاع الكبير في أسعار السلع لأن ذلك أضر بالكثير من السكان لأن المرتبات بسبب التضخم لم تعد تكفي لشيء.

ويتفق مع هذه الرؤية الموظف في القطاع التجاري سامي محمود ويقول إن توحيد العملة واستئناف تصدير النفط سيكون له مردود إيجابي على الناس وموازنة الدولة، لأنه سيحد من انهيار الريال اليمني (حالياً الدولار بنحو 1990 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة) كما أن الموظفين والعمال الذين تعيش أسرهم في مناطق سيطرة الحوثيين سيكونون قادرين على إرسال مساعدات شهرية، لكن في ظل الانقسام وفرض الحوثيين سعراً مختلفاً فإن ما يرسلونه يساوي نصف رواتبهم.

مصلحة مشتركة

يرى الصحافي رشيد الحداد المقيم في مناطق سيطرة الحوثيين أن التوصل إلى اتفاق في هذا الملف فيه مصلحة مشتركة وإعادة تصدير النفط والغاز سيسهم في عودة أحد مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة، كما أن استئناف صرف مرتبات الموظفين سوف يسهم في الحد من معاناة مئات الآلاف من الموظفين.

ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين تتهددهم المجاعة (الأمم المتحدة)

ويشدد الحداد على ضرورة أن يتوجه ممثلو الجانبين إلى هذه المحادثات بصدق ومسؤولية لمفاوضات تحسم هذا الملف، ورأى أن أي اختراق يحدث في هذا الجانب سيعزز بناء الثقة وسيقود نحو تفاهمات أخرى، و سيكون له انعكاسات إيجابية على حياة كل اليمنيين.

لكن الجانب الحكومي لا يظهر الكثير من التفاؤل ويعتقد اثنان من المسؤولين سألتهم «الشرق الأوسط» أن الحوثيين غير جادين ويريدون تحقيق مكاسب اقتصادية فقط من خلال هذه الجولة، لأنهم يريدون الحصول على رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم لامتصاص النقمة الشعبية الواسعة، ويرغبون في الحصول على حصة من عائدات تصدير النفط، دون أن يكون هناك مقابل أو تقديم تنازلات فعليه تخدم مسار السلام، فيما يتعلق بتوحيد العملة والبنك المركزي.

ووفق ما أكده المسؤولان فإن الجانب الحكومي الذي قدم الكثير من التنازلات من أجل السكان في مناطق سيطرة الحوثيين بحكم مسؤوليته عن الجميع، سيشارك بإيجابية في المحادثات الاقتصادية وسيكون حريصاً على إنجاحها والتوصل إلى اتفاقات بشأنها استناداً إلى مضامين خريطة طريق السلام التي كانت حصيلة جهود وساطة قادتها السعودية وعُمان طوال العام الماضي وحتى الآن.