«مناعة القطيع»... حلم تعوقه «الفاعلية المنخفضة» لأغلب اللقاحات

دراسة بريطانية قالت إن تحقيقها يتطلب تطعيم كل السكان

تحقيق «مناعة القطيع» يتطلب تطعيم كل السكان (أ.ف.ب)
تحقيق «مناعة القطيع» يتطلب تطعيم كل السكان (أ.ف.ب)
TT

«مناعة القطيع»... حلم تعوقه «الفاعلية المنخفضة» لأغلب اللقاحات

تحقيق «مناعة القطيع» يتطلب تطعيم كل السكان (أ.ف.ب)
تحقيق «مناعة القطيع» يتطلب تطعيم كل السكان (أ.ف.ب)

لن تستطيع أي دولة الاعتماد في حملات التلقيح بها على لقاح واحد فقط، لأن الضغط على اللقاحات قد يجعل الشركات المنتجة للأنواع الأكثر فاعلية مثل لقاحي «فايزر» و«موديرنا» عاجزة عن توفير احتياجات كل دولة، فهل المزج في حملات التلقيح بين هذه اللقاحات مرتفعة الفاعلية ولقاحات أخرى أقل فاعلية، يمكن أن يحقق حلم «مناعة القطيع» الذي تسعى إليه أي دولة؟ الإجابة جاءت من بريطانيا في دراسة لجامعة «إيست أنجليا»، نشرت في 21 يناير (كانون الثاني) الجاري، على موقع «medrxiv» لنشر الأبحاث التي لم تخضع بعد لمراجعة الأقران، حيث زعم باحثوها أن تحقيق «مناعة القطيع» سيكون مستحيلاً، عند المزج بين لقاحي أكسفورد وفايزر، مع الأخذ في الاعتبار السلالة الجديدة عالية الانتشار.
ووجدوا أن الطريقة الوحيدة للوصول إلى مناعة القطيع في بريطانيا هي تطعيم الجميع تقريباً - بما في ذلك الأطفال - بلقاح فايزر الأكثر فاعلية، وهو ما يستحيل تحقيقه، لأنه إضافة إلى عدم وجود الجرعات الكافية لذلك، فإن هذا اللقاح غير مرخص للاستخدام لمن هم دون سن 16 عاماً، والذين يشكلون 19 في المائة من السكان هناك. واستخدم فريق البحث نماذج رياضية لانتقال (كوفيد - 19) وفاعلية اللقاح للتنبؤ بمدى نجاح لقاحي أكسفورد وفايزر في خفض رقم التكاثر وتحقيق مناعة القطيع. ورقم التكاثر، والذي يرمز له بالحرف «R»، يمثل عدد الأشخاص الذين يمكن أن يتوقع أن ينقل لهم شخص مصاب المرض، ويؤدي الانخفاض بهذا الرقم إلى أقل من 1 إلى تحقيق مناعة القطيع، بينما إذا زاد الرقم عن 1 فإن عدد الحالات يزداد بشكل كبير.
ووجد الباحثون في البداية أنه لتحقيق مناعة القطيع التي تصل برقم التكاثر لأقل من 1، فذلك يلزم تطعيم 69 في المائة من السكان بلقاح فايزر، أو 93 في المائة بلقاح أكسفورد.
لكنهم عندما أخذوا في الاعتبار السلالة الجديدة لـ«كوفيد - 19» الأكثر قابلية للانتقال، وجدوا أن تطعيم جميع السكان بلقاح أكسفورد لن يؤدي إلا إلى تقليل قيمة رقم التكاثر إلى 1.325، وفي غضون ذلك، سيتطلب لقاح فايزر تطعيم 82 في المائة من السكان للسيطرة على انتشار السلالة الجديدة.
يقول أليستر غرانت، من كلية العلوم البيئية في جامعة إيست أنجليا في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة، إن لقاح أكسفورد يقلل من حدوث الأمراض الخطيرة إلى حد أكبر، مما يقلل من الأعراض المرضية، والتي لا تزال شائعة في أولئك الذين تلقوا هذا اللقاح. ويضيف: «فاعليته ضد حدوث الالتهابات دون أعراض أقل، مما يقلل من فاعليته ضد جميع العدوى من 70.4 في المائة إلى 52.5 في المائة للبيانات المجمعة، وهذا يعني أن الحماية الشاملة ضد العدوى جزئية فقط - حوالي 50 في المائة».
ورغم أن الحالات غير المصحوبة بأعراض أقل عدوى، فإن تضمين هذا في حساباتنا لا يزال يرفع قيم رقم التكاثر بنسبة 20 في المائة أو أكثر، من 1.33 إلى 1.6 للمتغير الجديد مع تطعيم بنسبة 100 في المائة. هذا المزيج من الفاعلية الرئيسية المنخفضة نسبياً والتأثير المحدود على الالتهابات دون أعراض، يعني أن لقاح أكسفورد لا يمكن أن يأخذ المجتمع إلى مناعة القطيع، حتى لو تم تحصين جميع السكان، وفقا لغرانت.
في المقابل، يقول غرانت إن «تطعيم 82 في المائة من السكان بلقاح فايزر من شأنه السيطرة على انتشار الفيروس، لكنه غير مرخص للاستخدام لمن هم دون سن 16 عاماً، والذين يشكلون 19 في المائة من السكان».
ويلفت الانتباه إلى أن بعض الناس سيرفضون اللقاح، لذا فإن تحقيق معدل تطعيم بنسبة 82 في المائة سيكون مستحيلاً على الأرجح، وفي غياب التطعيم، لن تحدث «مناعة القطيع» إلا عندما يكون 89 في المائة من السكان مصابين بالفيروس.
ويشير غرانت إلى أن نسبة كبيرة ممن تم تطعيمهم باللقاحات الأقل فاعلية أو أصيبوا بعدوى طبيعية يمكن أن يصابوا وينقلوا الفيروس إلى الآخرين، وهذا أمر مقلق للغاية لأن الأشخاص الذين تم تطعيمهم والمصابين دون أعراض لا يزالون قادرين على نقل المرض إلى أولئك الذين لم يتم تطعيمهم، وخاصة أولئك الذين قد يعانون من نقص المناعة.
يقول: «لهذا السبب، نوصي العاملين في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية، وغيرهم ممن لديهم الكثير من الاتصالات مع أولئك المعرضين للإصابة بالعدوى، بتفضيل تلقي أحد لقاحات الحمض النووي الريبي مثل لقاحي فايزر وموديرنا».
ويضيف «لقاح أكسفورد سيكون بلا شك تدخلاً مهماً للسيطرة، ولكن ما لم تؤدي التغييرات في نظام الجرعات إلى زيادة فاعليته، فمن غير المرجح أن يسيطر بشكل كامل على الفيروس أو يأخذ سكان بريطانيا إلى مناعة القطيع».
ما يطالب به غرانت يعمل عليه فريق أكسفورد حاليا، بالسير في مسارين سبق وكشف عنها لـ«الشرق الأوسط»، أحمد سالمان، درس علم المناعة وتطوير اللقاحات بمعهد إدوارد جينر بجامعة أكسفورد، وهما إجراء مزيد من التجارب لإظهار أن جرعة ونصفا من اللقاح تعطي مناعة أفضل من جرعتين، وهي النتيجة التي ظهرت مصادفة في إحدى التجارب السريرية على اللقاح، وجار التأكد منها بإجراء تجربة على عدد أكبر من المتطوعين، أما المسار الثاني، فهو إجراء تجربة مشتركة مع الفريق البحثي للقاح الروسي (سبوتنك 5)، لاختبار ما إذا كانت جرعة كاملة من لقاح أكسفورد ثم جرعة كاملة من اللقاح الروسي، يعطي فاعلية أكبر من جرعة ونصف أو جرعتين من لقاح أكسفورد.
وحتى إذا لم تفلح هذه التجارب، فإن الفاعلية المنخفضة للقاح أكسفورد أو اللقاحات الأخرى، لا يعني إهمالها، لا سيما أنها ستكون الأكثر إتاحة في الدول الفقيرة، كما يؤكد الدكتور محمد علي، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر.
يقول علي لـ«الشرق الأوسط»: «الدراسة عرجت سريعا على نقطة في غاية الأهمية، وهي أن بعض الناس سيرفضون اللقاح، بما يجعل من الصعوبة تحقيق مناعة القطيع، وإذا كان من الصعب تحقيقها مع أي لقاح، فلماذا مثل هذه النتائج التي يمكن أن تسبب إرباكا؟».
ويضيف «اللقاحات مهمة، لأنها إذا لم تكن تقي من الفيروس، فإنها ستجعل الأعراض أقل خطورة، لذلك فإنه ليس هناك مشكلة في استخدام لقاح أكسفورد أو أي لقاح آخر، إذا لم تكن لقاحات فايزر أو موديرنا الأكثر فاعلية متاحة».
أما بخصوص إمكانية تحقيق مناعة القطيع، فيرى أنه مع الوقت واستخدام اللقاحات، سيضعف الفيروس ويختفي، ويتوقع أن يحدث ذلك في نهاية العام.
ولا يرى أن ظهور سلالات جديدة يعاكس هذا الرأي، مضيفا «هذه السلالات ليست أكثر ضراوة، ولكنها أكثر انتشارا».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».