مستوى الخطاب السياسي ينحدر في لبنان والشتيمة لم تعد استثناءً

TT

مستوى الخطاب السياسي ينحدر في لبنان والشتيمة لم تعد استثناءً

تحوّلت السجالات السياسية اليوميّة بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين إلى ما يشبه تبادل النعوت والعبارات غير اللائقة التي وصلت إلى حدّ الشتيمة في الكثير من الأحيان.
صحيح أنّ هذا الأسلوب ليس جديدا لكنّه كان حتى الماضي القريب استثناء، وبدليل أنّه «طبع مستخدميه»، فما أن يذكر على سبيل المثال عبارة مسيئة وجهها النائب السابق نجاح واكيم إلى أحد زملائه في مجلس النواب في تسعينات القرن الماضي، وكذلك لا يمكن لأحد عند الحديث عن علاقة النائب السابق وليد جنبلاط بالنظام السوري، إلا أن يذكر خطابه الشهير في العام 2005 الذي استعان خلاله بالأفاعي والحيتان والقردة لوصف الرئيس السوري بشار الأسد.
ومن العبارات التي طبعت أصحابها أيضا عبارة النائب السابق وئام وهاب «المحكمة وصرمايتي سوا» في حديثه عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وعبارة النائب عن «حزب الله» علي عمار «طهر نيعك قبل ما تحكي» التي استخدمها في المجلس النيابي وكذلك عبارة «ما بتوصل لزناري» التي استخدمها رئيس الجمهورية ميشال عون.
وإذا عدنا أكثر إلى الوراء، فيمكن أن نذكر ما قاله كمال جنبلاط عن الرئيس صائب سلام ونشر في جريدة «النهار» في مارس (آذار) 1972 من أنّ «سلام زقاقي قزم مريض عميل» ليأتي ردّ سلام واصفاً جنبلاط بـ«المخرّب والإقطاعي والاشتراكي الزائف والدجال والمتقلب والمهرج».
علقت هذه العبارات بأذهان اللبنانيين لأنها كانت شاذة عن القاعدة أمّا اليوم فعشرات العبارات تمرّ في التصاريح الإعلاميّة والبيانات والمقابلات التلفزيونيّة مرور الكرام، فالزمن السياسي الذي نعيشه اليوم «رديء» كما يقول الصحافي المتقاعد إميل خوري، مشيرا في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ «التاريخ السياسي اللبناني لم يشهد مستوى خطابات سياسيّة كالذي نشهده اليوم».
ويشير خوري الذي عمل في الصحافة اللبنانيّة لأكثر من 60 عاما إلى أنّ التاريخ السياسي اللبناني مليء بالخلافات، ولكن مستوى الخطاب لم يكن يوما كما هو عليه حاليا، فتغيّر مستوى الخطاب السياسي هو نتيجة طبيعيّة لتغيّر كلّ شيء من حولنا، فوزير اليوم ليس كوزير الأمس من حيث المعرفة والثقافة، وكذلك الصحافي وحتى الجمهور المتلقي، وكما تكونون يولّى عليكم».
ويروي خوري كيف كانت النكات طريقة التعبير الأفضل للسياسيين لإيصال الانتقاد من دون أذية، مذكرا بريمون إدّه الذي قال ممازحا في معرض اتهامه أحد السياسيين بالكذب «من كتر ما بتكذب شرشحت الكذب»، خاتما بالقول ربما العالم بأجمعه «يعاني من أزمة أخلاق».
ولا تنكر معظم القوى السياسية تراجع مستوى الخطاب السياسي وتدنيه إلى حدود غير مسبوقة، وفي الإطار يأسف أنطوان قسطنطين مستشار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لما وصل إليه الخطاب السياسي، معتبرا أنّ الأمر نتيجة «فراغ المضمون السياسي لبعض القوى التي كانت تعتبر نفسها حاكمة بأمره».
ويقول قسطنطين لـ«الشرق الأوسط» إنّه بسبب سلسلة الانهيارات التي وقع فيها لبنان، ومنها الانهيار الأخلاقي تفلّت من هم من أهل الفراغ الفكري من الضوابط، ووقع بعض السياسيين في إغراءات الشتيمة والمزايدات الكلامية، وكأننا عشية انتخابات»، داعياً إلى الارتقاء بالخطاب ليتناسب مع مستوى المرحلة الصعبة؛ لأن خطاب الشتيمة لا يؤدي إلا لخطاب الشتيمة، بينما خطاب العقل والأفكار قد يصل إلى نتيجة».
بدوره، يرى رامي الريس مستشار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب أنّ الخطاب السياسي السائد حاليا هو انعكاس للثقافة السياسية السائدة عند «بعض التيارات التي تتمحور سياستها حول نبش القبور والعيش في الماضي ورفض العيش المشترك والتطلّع إلى المستقبل» مما يضطر قوى سياسية أخرى «أن تخرج عن نهجها في الخطاب السياسي وتردّ بالمستوى نفسه».
ويؤكّد الريّس في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ الحزب التقدمي الاشتراكي كان ولا يزال حريصا على الارتقاء بخطابه السياسي الذي يعتمد على الاختلاف بالسياسة ومناقشة الأفكار وليس على الأمور الشخصية لأن الخلاف أصلا سياسي قائلا: «بنهاية المطاف، وليس على سبيل التبرير، هناك جمهور لهذا الحزب يسمع اتهامات، وعلينا الرد عليها، وفي بعض الأحيان يكون هناك انجرار لمستوى الخطاب الموجه ضدّنا، ولكن لأنّ هذا الخطاب بعيد عنّا غالبا ما نستدرك الأمر وننسحب من هذه السجالات».
وفي السياق نفسه يرى مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية شارل جبور أنّ انحدار مستوى الخطاب أمر غير مستحب وغير مقبول، ولكنه يحصل في زمن التشنجات والانقسامات السياسية الكبرى، إذ إنه يحصل وتخرج بعض الأطراف عن طورها وقدرتها على ضبط نفسها، مضيفا في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ ما يقوله ليس تبريرا ولكنه تجسيد لما يحصل.
وإذ يشير جبور إلى أنّ القاعدة الأساسية بالنسبة للقوات هي المنطق السياسي وعدم الانزلاق إلى مصطلحات غير لائقة أو الدخول فيما هو شخصي، فهذا لا يعني عدم وجود استثناءات ولو قليلة.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).