أزهار متفتحة وجنوح نحو الجديد من دون إلغاء الماضي

أسبوع الأزياء الراقية الباريسي لربيع وصيف 2015 تحت حراسة مشددة

من عرض فرساتشي
من عرض فرساتشي
TT

أزهار متفتحة وجنوح نحو الجديد من دون إلغاء الماضي

من عرض فرساتشي
من عرض فرساتشي

طقس بارد.. أمطار متساقطة وحراسة مشددة، هكذا بدأ أسبوع باريس للهوت كوتير لموسمي الربيع والصيف المقبلين. هل هذا يعني أن الحماس كان قليلا والتذمر كثيرا؟. لا أبدا فالطقس كان متوقعا بحكم أننا في شهر يناير (كانون الثاني)، والحراسة المشددة، مفهومة بعد الأحداث التي شهدتها باريس مؤخرا، ما جعل الكل مستعدا لكل الاحتمالات والتغييرات، بما فيها فكرة حمل بطاقات شخصية أو جوازات سفر لكل عرض، والوقوف لعدة دقائق إضافية في طوابير طويلة للتفتيش. الطريف أن حتى الأجهزة الإلكترونية المؤقتة التي تم نصبها في مداخل العروض بدت وكأنها إكسسوارات تراعي الموضة، كما هو الحال في عرض ديور الذي استبدلت فيه الصناديق الرمادية الخاصة بوضع حقائب اليد للتفتيش بأخرى بيضاء شفافة، حتى تشعر فيها حقائب ديور أو شأنيل أو هيرميس، التي كانت تحملها الحاضرات، بالأمان. المهم أن الكل كان متجاوبا، يركز فقط على ما سيقدمه المصممون من إبداعات وتوجهات لربيع وصيف 2015 عوض التركيز على السلبيات، ولم يخيب الأسبوع الآمال منذ اليوم الأول، الذي كان من نصيب دار فرساتشي.
ففي يوم الأحد مساء، قدمت الدار الإيطالية عرضها الذي عادت فيه إلى ما تتقنه أكثر من غيرها: الإثارة الأنثوية والاعتماد على عارضات سوبر. كانت الفساتين طويلة تعانق الجسم وتكشف أجزاء استراتيجية منه لتبرز جمالياته معتمدة على عارضات أربعينيات وثلاثينيات، مثل إيفا هيرزيغوفا وأمبر فاليتا عوض عارضات صغيرات بمقاسات صبيانية، بينما جلست النجمة غولدي هون وابنتها كايت هادسون جنبا إلى جنب، وكأن دوناتيلا فرساتشي تريد أن تقول إنها تتوجه إلى الأمهات وبناتهن بنفس القدر، وبأن الجمال لا يعترف بزمن، علما بأنها هي نفسها تبلغ من العمر 59 عاما. أول ما يتبادر إلى الذهن عند النظر إلى هذه التشكيلة أن المصممة لم تحاول تغيير جلدها وظلت وفية لأسلوبها رغم أنه أوقعها في فترة من الفترات في مطبات عويصة، لم تتجاوزها إلا في السنوات الأخيرة. عوض أن تركب موجة الهادئ والرومانسي الوقور، ظلت متمردة تستعمل لغة حسية صارخة، قد تفتقد إلى بعض الشاعرية أحيانا، إلا أنها تنجح دائما في شد الانتباه وكسب قلوب نساء يعشقن لفت الأنظار. الأغنية التي صاحبت المجموعة الأخيرة، كانت معبرة جدا وتلخص فكرة العرض، فهي أغنية «سيكشوال هيلينغ» للمغني مارفن غاي، تهادت على نغماتها عارضات في فساتين تقطر أنوثة وبخطوط، قد تكون بسيطة ومتوقعة، إلا أنها لا تخلو من فنية. تجلت هذه الفنية في أشكال هندسية ظهرت كمثلثات على الصدر أو كأشكال بيضاوية تتعرج وتتماوج في أجزاء أخرى، وشرحت دوناتيلا بأنها اعتمدت فيها «على التفنن في القص وتتبع تقاطيع جسد المرأة.. عندما بدأنا تصميم التشكيلة، طلبت أن لا تكون الخطوط مستقيمة على الإطلاق، بل أن تكون كل جزئية منحنية وملتوية إلى حد ما».
استهلت العرض بتايور أسود ضيق يتتبع تضاريس الجسم ويبرزها بشكل لا تتقنه سوى فرساتشي، خصوصا أنه كشف عن أجزاء استراتيجية من الجسم، مثل فتحة في بنطلون أو ياقة صدر مفتوحة بشكل كبير، لتبقى المجموعة الموجهة للمساء والسهرة أكثر جمالا، لأنها عادت بنا إلى أمجاد الدار، وما رسخته في الذهن منذ الثمانينات: فساتين بألوان متوهجة مثل الأحمر والأصفر والأزرق، تلتف حول الجسم وتتماوج مع كل حركة لتؤكد ما قالته دوناتيلا بأنها كانت تريد تصاميم بانحناءات تتبع الجسد وتعانق تضاريسه وتعرجاته. والنتيجة أن بعض هذه التصاميم ظهرت وكأنها وشم أو لوحات فنية تخاطب شريحة جديدة من زبونات الهوت كوتير، ربما يكن استعراضيات لكنهن حتما يتمتعن بإمكانات عالية وثقة أعلى بالنفس. مثل الكثير من المصممين تعرف دوناتيلا أن الأنوثة تبيع لأنها عملة من ذهب، وما يفرقها عن غيرها أنها أكثر جرأة في الاعتماد على هذه الأنوثة وتوظيفها بشكل صريح وواضح من دون أي تمويه أو التفاف، ربما لأنها تشعر بأن كونها امرأة يعطيها الحق في اللعب على هذا العنصر أكثر من غيرها.
في دار ديور، كان الإيقاع مختلفا، حيث عاد مصممها راف سيمونز الماضي إلى الماضي ليكتب الحاضر والمستقبل من خلال أزياء عصرية تخاطب شريحة مختلفة من زبونات الهوت كوتير عن تلك التي خاطبتها دوناتيلا فرساتشي. زبونات صغيرات السن وسيدات أعمال شابات يرغبن في أزياء يستعملنها في كل الأوقات وليس فقط في المساء والسهرة. وهذا ما فهمه المصمم البلجيكي الأصل وقدمه لهن في هذا العرض، مؤكدا أنه بدأ يمسك بزمام الأمور وبتلك الخيوط الرفيعة التي تفصل الماضي بالمستقبل. منذ اللحظة التي تدخل فيها القاعة المنصوبة بداخل متحف رودان، الذي يخضع حاليا لترميمات، تطالعك غابة من الأعمدة الملتوية المصنوعة من الصلب، تتشعب وتتعالى لتشكل طابقا ثانيا قادرا على استيعاب الحضور، وتشعر بأن القديم والمستقبلي سيتزاوجان في هذا العرض. فالمصمم، ورغم الديكور شبه المستقبلي، لا يمكن أن يتجاهل ماضي الدار ورومانسيته، التي تُبنى عليها. وهذا ما كان، فقد ترجمه راف سيمونز بأسلوب حداثي تظهر فيه لمسات الأنامل الناعمة التي سهرت على تنفيذ كل تفاصيله، سواء من خلال التطريزات الدقيقة، أو الإضافات الأخرى على الأكمام أو الصدر وحتى على الأحذية العالية. بعض القطع تُذكر بتقنية الـ«باتشوورك» القديمة، من حيث استعمال أقمشة مختلفة وألوان متنوعة في القطعة الواحدة، لكن شتان بين باتشوورك أيام زمان، وما قدمه راف سيمونز سواء في فساتين قصيرة تستحضر حقبة الستينات، أو في تنورات «ميدي» مستديرة تذكرنا بأسلوب الراحل كريستيان ديور، وغيرها، فهذه تتكلم بلغة عصرية محضة، وليس أدل على هذا من المعاطف البلاستيكية الشفافة، التي أعطت الصورة بعدا غنيا عندما غطت فساتين تبرق بالخرز والأحجار أو من الدانتيل. في السابق، لم نكن نشعر بأن عودة سيمونز إلى رومانسية الماضي نابعة من قلبه بقدر ما كانت مفتعلة بإرضاء الغير، وهو ما لم نشعر به في هذه التشكيلة، وربما هذا ما يجعلها أحسن ما قدمه لحد الآن في مجال الـ«هوت كوتير» على الأقل. فقد نجح في جعل الماضي يبدو معاصرا والرومانسية حيوية، خصوصا في فساتين غطتها بليسيهات وطيات بألوان هادئة تبدو وكأنها حلوى «ميل فوي» تشعرك بالجوع والرغبة فيها حتى إذا لم تكن تحتاجها. إجمالا، بقي الإحساس برومانسية زمان خفيفا طوال العرض، يظهر حينا في تنورة رومانسية ومنفوخة من الخمسينات، وحينا في فساتين مستقيمة وقصيرة تعكس تحرر المرأة في الستينات أو في ألوان متوهجة من السبعينات تتمرد على المتعارف عليه، لكن دائما بلغة تعانق الحاضر وتشرئب إلى المستقبل وتذكرنا بأن راف سيمونز يفكر ويحسب بعقله أكثر ما يفكر بعاطفته. على العكس من تشكيلة فرساتشي التي لعبت على الحسية واستغلت الجسد إلى أقصى حد، كانت تشكيلته لديور تتمتع بجرأة مختلفة تماما، تكمن في أنها جديدة، لا تستكين للمضمون بقدر ما تستهدف جيل الشابات، قد لا تعرف الكثيرات منهن المغني ديفيد بوي، الذي صرح أنه كان مصدر إلهام له هنا، لكنهن لا يمانعن معانقة أسلوب الـ«ريترو» ما دام يخدمهن ويعبر عن طموحاتهن. وهذا ما قدمه لهن راف سيمونز بسخاء كيفا وعددا من خلال 55 قطعة بالتمام والكمال. في النهاية، تخرج من متحف رودان، بنفس الإحساس الذي دخلته به، وهو أن ديور تريد أن تمسك بمستقبل الـ«هوت كوتير» بكلتا يديها كما كانت منذ بدايتها. في الماضي مسكته بأمتار وأمتار من الأقمشة المترفة، والآن تمسكه بالبلاستيك والإكسسوارات الشهية.
يوم الثلاثاء صباحا، لم تتغير أحوال الطقس ولا الحراسة المشددة، لكن تغيرت الأجواء في «لوغران باليه» حيث تفتحت حديقة «شانيل» بالورود والأزهار، سواء في الأزياء أو في الديكور اللافت، الذي كان أول إشارة لما سيقترحه كارل لاغرفيلد لربيع وصيف 2015: باقة من الورود كمضاد لكآبة الحاضر وتأثيرات الأحداث الأخيرة. توسطت الساحة حديقة تفنن فيها مهندس أوريغامي ماهر، ويشرف على رعايتها 4 عمال، يسقيها أحدهم بطريقة تمثيلية - وما إن ينتهي من مهمته ويتوارى عن الأنظار وتتعالى الموسيقى، حتى تبدأ الأزهار والأشجار بالتفتح. يتشرنق بعضها إلى أعلى، ويتدلى بعضها الآخر إلى أسفل في حركات وكأنها رقصة باليه. لكن هذه الدراما لم تكن سوى المقدمة لقصة أكثر تشويقا حكى لنا فيها المصمم المخضرم كيف أن الهوت كوتير فن يولد من خيال خصب وتنفذه أنامل ناعمة تسهر ليالي طويلة على كل غرزة فيه، وعلى كل وردة تزين فستانا أو قبعة رأس. الصورة كانت قوية رغم أن الخطوط جاءت ناعمة وبسيطة، لأنها تعبق بنوع من الشاعرية والحيوية في الوقت ذاته، مما لا يدع أدنى شك في أن المصمم يخاطب بدوره، شريحة شابة من الزبونات العاشقات للهوت كوتير، ويقبلن عليها أيا كان الثمن، ما دامت مميزة وتحمل بصمات مصمم مبدع.
توالت الأزياء، على شكل مجموعات كل واحدة منها تحكي فصلا مختلفا، لكن دائما في نفس الإطار والمضمون. من الطبيعي أن تتمتع بعض هذه المجموعات بالأناقة أكثر من أخرى، ولعل أجملها هي تلك التي تتسم بالبساطة، أو ما يمكن وصفه بالسهل الممتنع الذي يتقنه كارل لاغرفيلد، إضافة إلى تلك التي طوع فيه الأقمشة القاسية، مثل تول الكرينولين، ليكسبها مرونة تجعلها تتحرك مع كل خطوة وكأنها حرير أو موسلين. إلى جانب القطع المفصلة بخطوط واضحة تذكرنا بأننا في حضرة قيصر الموضة، كانت هناك أيضا مجموعة منسابة تتمثل في قمصان طويلة من الموسلين تكاد تلامس الكاحل، استعمل معها تنورات بفتحات وأحزمة تركها مرتخية على الخصر وتتدلى منه بعض الشيء ليخلق إطلالة لامبالية أقرب إلى البوهيمية، يمكن أن تكون بديلا للتايورات المفصلة المكونة من جاكيتات قصيرة تكشف جزءا لا بأس به من البطن. طبعا يمكن ارتداؤها أيضا مع قمصان خفيفة بألوان باستيلية هادئة. في موسم يتبارى فيه كل المصممون على ترك بصمتهم وضمان مكانتهم،
ليس هناك أكثر من لاغرفيلد قادر على أن يجعل الهوت كوتير تبدو عصرية وشابة، وليس أدل على هذا من تايور التويد الذي ولد منذ عقود وعانقته سيدات قصر الإليزيه وجاكلين كينيدي وغيرهن من الأيقونات الكلاسيكيات، واقترحه هذه المرة بأطوال مختلفة وتصاميم ستروق لمثيلات ريهانا وبنات جيلها، وهنا تكمن عبقرية لاغرفيلد الذي لا يتوقف على إدهاشنا بطريقته في تجديد كل قطعة، مهما كان عمرها، وجعلها تبدو وكأنها ولدت للتو رغم أن الأساسيات لا تتغير أبدا.
ستيفان رولان، من جهته، قدم عرضا مميزا ومنعشا في مقر الإذاعة بالجادة الـ16 «ميزون دو لا راديو».. مميزا ومنعشا لأنه كان مختلفا يسلط الضوء عليه كمفكر وكفنان مثقف. في الموسم الماضي، قدم عرضه على شكل فيلم سينمائي مصور، وهذه المرة، استغنى عن الموسيقى وكل المؤثرات التي تصاحب عروض الأزياء وتضفي عليها الإبهار، واكتفى بأن تكون الخلفية حوارا إذاعيا يشرح فيه أسلوبه ونظرته إلى المرأة والتصميم. ولم لا ما دام مكان العرض هو مبنى إذاعة بالكامل؟. صرح ستيفان في السابق أنه يطمح إلى أن يتوسع إلى مجالات إبداعية أخرى، لأنه يؤمن بأن المصمم فنان، قد تختلف أدواته أو طريقته في استعمال هذه الأدوات للتعبير عن نفسه وخياله، لكن النتيجة دائما واحدة وهي أن يحترم موضوعه ويبرز جمالياته. طبعا موضوعه هو المرأة وأدواته هي الأقمشة، التي أعطى كل نوع منها معاني شاعرية عميقة.
فالكريب مثلا يعني الجمال اللامتناهي الذي ينسدل عن الجسم «لأنه ناعم مثل الزجاج» حسب قوله، لكن هذا الزجاج بكل نعومته وشفافيته تبلور في أشكال هندسية تُذكرنا بأن المصمم يعشق فن العمارة ويستقي منها الكثير في تصاميمه. كانت هناك أشكال هندسية تجريبية ظهرت في تنورات مستديرة تبدو وكأنها قبب، إلى جانب أخرى، كان الجديد فيها تلك الأشكال الضخمة والمستديرة التي تتميز بخفة غير معهودة ظهرت في فساتين بجوانب شفافة تكشف أكثر مما تخفي وأخرى بألوان الأبيض والبيج. كل هذه سيضيفها إلى أرشيفه الذي يتزايد موسم بعد موسم. اللافت أن اللون الأسود أيضا اكتسب خفة بفضل تصاميمه المنسابة، التي جاء بعضها تحية للمرأة الشرقية، بالنظر إلى أنها تستوحي خطوطها من العباءة. استهل عرضه بقطعة باللون الأبيض بياقة عالية وأكمام طويلة، تلتها أخرى بلون البيج المائل إلى الرمل ثم أخرى بلون الكمون وهكذا غاب الأحمر والألوان المتوهجة، وحلت محلها درجات هادئة قد يكون الهدف منها إبراز التصاميم، أو بالأحرى الأفكار التي يريد المصمم أن يشرحها ويوصلها إلى زبونته. السؤال الذي يطرح نفسه هو هل زبونته مستعدة لهضم هذا الطبق الفكري، لا سيما أن باقي المصممين يقدمون لها أطباقا أسهل لا تحتاج إلى تفكير من الماكياج إلى الحذاء؟. نفكر قليلا، ونتذكر تصريحات المصمم أن مهمته في الحياة هي أن يبرز جمال المرأة، وأن يحترم جسمها وعقلها، وبما أنه برهن أنه صادق فيما يقوله ولم يخذلها لحد الآن، فإنها ستظل تثق به سواء جنح إلى فن العمارة أو إلى فن الأوريغامي، وسواء قدم لها فستانا مطرزا بالمعادن أو تنورة مقببة شفافة أول لوحة فنية من قماش.
الحديث عن الأوريغامي يحملنا دائما إلى الشرق الأقصى، وهذا تحديدا ما قام به المخضرم جيورجيو أرماني في تشكيلته «بريفيه» لربيع وصيف 2015. كان عرضه درسا في التفصيل الذي لا يعلى عليه والتفاصيل التي يمكن أن تغير زيا بسيطا وترفعه إلى مستوى راق، حتى وإن كانت مجرد حزام يُربط على الخصر أو على الصدر. كان أيضا لوحة طبيعية تنافست فيها الأشجار مع النباتات والورود للحصول على مساحة غطت الكثير من القطع التي جاءت بألوان هادئة، تبلورت فيما بعد إلى تطريزات غنية تجسد نباتات وأوراق أغصان.
افتتح العرض بمجموعة من القطع المنفصلة شملت جاكيتات مفتوحة من دون أزرار من الحرير، تميل إلى الاتساع، بعضها مستوحى من الكيمونو، وبنطلونات أيضا واسعة وبأطوال قصيرة. بعدها قدم مجموعة خاصة بالكوكتيل والمساء والسهرة زادت بريقا وتفصيلا على الجسم، لكن مع ذلك ظلت تخاطب امرأة ناضجة إلى حد كبير، وكأن المصمم يرفض اللعب مع صغيرات السن ويفضل المرأة الثلاثينية وما فوق. لكن هذا لا يعني أن الفتاة الصغيرة لن تتفق معه أو تحترم رأيه، بل سنراها تقبل على الكثير من القطع في هذه التشكيلة، ستروضها وتجعلها تناسبها لا سيما تلك الموجهة لمناسبات المساء، والجاكيتات المطرزة والبنطلونات القصيرة، من دون أن ننسى الحزام العريض.
ليست من المبالغ فيه القول إن عرض أرماني «بريفيه»، مثل عرض شانيل، كان من أجمل العروض وربما أكثرها تسويقا أيضا، لأن المصمم يعرف زبونته جيدا ولا يخجل من أن يقدم لها ما تطمح له موسما بعد موسم من دون أن يخضها بالجديد فقط لأنه من المفترض أن يقدم جديدا. هذه الوصفة هي التي أوصلته إلى ما هو عليه اليوم، وستجعله يحتفل قريبا بمرور 40 عاما على تأسيس داره، أو على الأصح إمبراطوريته. لا يمكن الاستهانة بأهمية الموسيقى وتأثيراتها على النفس والمزاج، ناهيك بالتعبير عن الهوية الوطنية، وغني عن القول أن هذه الأهمية تزيد في عروض الأزياء، لأنها بهار ووسيلة ضرورية لا تزيد من حركة الأزياء فحسب، بل تزيد في تسريع دقات القلوب أيضا. هذا تماما ما أكده عرض إيلي صعب يوم أمس الأربعاء، عندما استعمل، ولأول مرة، إن لم تخطئ التقديرات، موسيقى عربية كخلفية لأزياء حالمة تعبق بالرقي والجمال.
في السابق كان المصمم اللبناني يحاول أن لا يربط نفسه بثقافة معينة، حتى يفرض نفسه في الساحة كمصمم عالمي، والآن بعد أن حقق هذه الغاية ولم تعد هناك حاجة تستدعي أن ينأى بنفسه عن ثقافته، ها هو يستعملها كوسيلة للمزيد من التميز عن غيره، خصوصا وأنه اختارها رحبانية بصوت فيروز.
هذه الأخيرة لم تكن العنصر اللبناني الوحيد الذي استعمله إيلي صعب بفخر في تشكيلته لربيع وصيف 2015، إذ عاد بذاكرته إلى بيروت عندما كان طفلا ثم صبيا وشابا، يحلم ويحلق بخياله إلى بعيد، لكن دائما يعود إلى بيروت الطفولة والشباب ليشحذ طاقته ويستعيد قوته. هذا ما أكده قائلا: «أعود إلى بيروت، ملهمتي، بمزيج من الحب والأمل والامتنان، إنها تمثل الحلم الذي يتوارى حينا خلف ضباب الخوف، ثم يعود بزخم أكبر ليفرض حضوره القوي الآسر، لتحتفل بالجمال والحب والحياة». يتذكر إيلي أمجاد هذه المدينة في الستينات والتسعينات «وتحضرني صور من ذاكرة المدينة عن الحفلات الاجتماعية الراقية، والاستعراضات العالمية والمهرجانات الفنية وطيف أمي بفستان حريري أسود مطبع بالخزامى مع تنورة واسعة».
وهذا ما ترجمه يوم أمس، في «باليه دو شايو» بحديقة غناء تحيطها أشجار وارفة وغنية بألوان الزيتون والسنديان، ولا يكسر سكينتها سوى زقزقات طيور لا هم لها سوى أن تعيش في سلام وطمأنينة. أما الأزياء فحدث ولا حرج، فقد جاءت في منتهى الفخامة والأناقة تتخللها لمسات عصرية واضحة. النظرة الأولى تقول إن المصمم لعب على مكمن قوته في فساتين سهرة طويلة وأخرى قصيرة مطرزة بسخاء، لكن سرعان ما تتغير هذه النظرة بعد توالي الفساتين، حيث تتضح فكرة إيلي صعب الاحتفالية ببيروت وتلك الرغبة المحمومة في الحياة والاستمتاع بكل ما تقدمه من مفاجآت، سواء ببريق الخرز والترتر، أو بالورود التي زرعها على مجموعة من الفساتين بأطوال مختلفة، يتهيأ لك أنها تحتضن أيضا فراشات تتطاير أجنحتها يمينا ويسارا مع كل حركة. رغم عودة المصمم إلى أمجاد ماضي بيروت، لم تكن هناك أي تصاميم «ريترو» بل العكس، كان لافتا أنه ضخها بجرعة عصرية قوية، حملت الحضور إلى عوالم بعيدة وسعيدة، وجعلتهم ينسون، ولو للحظات، الأخبار السياسية.



ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
TT

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ما الذي يمكن أن يجمع دوقة ساسكس، ميغان ماركل وكايلي جينر، صُغرى الأخوات كارداشيان؟ فالأولى ترتبط بالعائلة المالكة البريطانية بحكم زواجها من الأمير هاري، والثانية تنتمي إلى عائلة بَنَتْ شهرتها على تلفزيون الواقع. خبراء الموضة يجيبون بأن هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بينهما؛ فإلى جانب الجدل الذي تثيرانه لدى كل ظهور لإحداهما، بسبب ما تُمثلانه من ثقافة يرفضها بعض الناس ويدعمها بعضهم الآخر، فإن تأثيرهما على صناعة الموضة من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان. ما تلبسه ميغان يتصدر العناوين وصفحات المجلات البراقة وقد ينفد من المحلات، وما تنشره كايلي جينر على صفحاتها ينتشر انتشار النار في الهشيم، في دقائق، ويلهب رغبة متابعاتها في الشراء.

كايلي في فستان «فريز» من «غالفان» (خاص) وميغان في حفل بلوس أنجليس (أ.ب)

وهذا ما يجعل المصممين لا يمانعون ظهورهما بتصاميمهم، بغض النظر عما إذا اتفقوا مع الثقافة التي ترتبط بهما أم لا، على أساس أنه مهما وصلت نسبة الجدل والانتقادات؛ فهي نافعة تعود عليهم بالربح. أو، على أقل تقدير، تسلِّط الضوء عليهم.

في عام 2018، ظهرت كل منهما بفستان مستوحى من «التوكسيدو» باللون نفسه، ومن الماركة النيوزيلندية نفسها، ماغي مارلين. ظهرت به ماركل في زيارتها الرسمية لأستراليا ونيوزيلندا رفقة زوجها الأمير هاري، من دون أكمام، بعد أن طلبت من المصممة تعديله خصيصاً لها. كايلي، وبعد مدة قصيرة، ارتدته كما هو بأكمام، الأمر الذي يشي بأنها اشترته جاهزاً. في الحالتين، أسعدتا المصممة ماغي هيويت، التي تغنَّت بهما على صفحتها بالصورتين معبرة عن إعجابها بالشخصيتين؛ خصوصاً أن المبيعات زادت بشكل ملحوظ.

الجانب التجاري

لكن هناك أيضاً اختلافات بينهما؛ فكايلي تستفيد مادياً وترويجياً، لأنها تتلقى مبالغ طائلة لقاء منشور واحد، على العكس من ميغان التي لا تستطيع ذلك، لحد الآن على الأقل، لدواعي الحفاظ على صورة راقية تعكس لقبها كدوقة بريطانية، مع العلم بأن هذا اللقب لم يمنعها من دخول مضمار أعمال تجارية لم تحقق النجاح الذي تطمح إليه.

تغريدة واحدة من كايلي جينر تحقق ما لا يحققه عرض بكامله من ناحية تسليط الأضواء (رويترز)

في المقابل، فإن كايلي جينر، ورغم سنها الغضة، تجاوزت في فترة من الفترات حاجز المليار دولار لتُصبح واحدة من أصغر سيدات الأعمال بفضل علامتها «كاي (KHY)» لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة. أكدت، منذ بدايتها، أن الحس التجاري يجري في دمها؛ إذ شقت لنفسها خطأً مختلفاً عن أخواتها، ربما لأنها كانت تعرف أن منافستهن صعبة. ما نجحت فيه أنها استغلَّت اسم العائلة وشهرة أخواتها لتخاطب بنات جيلها بلغة تُدغدغ أحلامهن وطموحاتهن. وسرعان ما أصبحت نجمة قائمة بذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. تغريدة واحدة منها يمكن أن تغير مسار علامة تماماً.

زِيّ من ماركة «ألتوزارا» الأميركية ظهرت بها خلال مناسبة خاصة بالصحة النفسية والعقل اعتبره كثيرون غير مناسب للمكان والزمان (رويترز)

ميغان ماركل، رغم استثماراتها ومغازلتها صُنَّاع الموضة، لا تزال تستمد بريق صورتها من ارتباطها بالأمير هاري. على المستوى الربحي، لم تنجح في أن تنتقل من رتبة مؤثرة إلى درجة سيدة أعمال، كما لم تنجح في كسب كل القلوب، وهذا ما يجعل شريحة مهمة ترفض وصفها بأيقونة موضة، وتصف اختياراتها بـ«غير الموفقة». هذه الشريحة تستشهد إما بارتدائها تصاميم بمقاسات أكبر أو أصغر من مقاسها الحقيقي، أو تصاميم من ماركات عالمية لا تناسب شكلها أو طولها، وهلمّ جرّا.

ميغان ماركل رغم تأثيرها تثير كثيراً من الجدل بين رافض ومعجب (كارولينا هيريرا)

بيد أن قوتها، بالنسبة للمعجبات بها، كانت، ولا تزال، تكمن في عيوبها؛ فلأنها لا تتمتع بمقاييس عارضات الأزياء، ولا تشبه «كنَّتها»، أميرة ويلز، كاثرين، رشاقةً وطولاً، فإنها تُعبِّر عنهن. كل فتاة أو امرأة، بغض النظر عن عيوبها ومقاييسها، ترى نفسها في إطلالاتها. فعندما ظهرت بصندل من شركة «كاستنر» الإسبانية مثلاً ارتفعت مبيعاتها بنسبة 44 في المائة مباشرة، لأنها خاطبت شرائح من الطبقات المتوسطة، نظراً لأسعارها المعقولة. علامات محلية كثيرة لم تكن معروفة اكتسبت عالمية بمجرد أن ظهرت بها، لا سيما في السنوات الأولى من زواجها، حين كانت بالنسبة للبعض بمثابة «سندريلا» معاصرة. ساهمت أيضاً في تسليط الضوء على علامة «Club Monaco»، بعد ظهورها بفستان مستوحى من القميص، أي بإزار من الصدر إلى الأسفل، حين ظهرت به أول مرة خلال زيارتها الرسمية لجنوب أفريقيا.

لم يكن التصميم ثورياً أو جديداً، لكنه فتح عيون المرأة عليه، ليزيد الإقبال عليه بنسبة 45 في المائة وينفذ من الأسواق خلال 24 ساعة. كان لها نفس التأثير الإيجابي على علامات مثل «جي كرو» و«جيفنشي» و«ستيلا ماكارتني» وغيرهم. منصة «ليست»، وهي أيضاً شركة تسوُّق أزياء عالمية تربط العملاء بتجار تجزئة الأزياء رشحتها «كأهم مؤثرة لعام 2018». بيد أن تأثيرها ظلَّ مستمراً حتى بعد خروجها من المؤسسة البريطانية في عام 2020، وإن خفَّ وهج صورتها بعض الشيء.

البحث عن الجاكيت الذي ظهرت به ميغان في ألمانيا لدى حضورها ألعاب «إنفيكتوس» عطل موقع «جي كرو» (رويترز)

موقع «جي كرو» مثلاً تعطَّل في سبتمبر (أيلول) 2023، بسبب البحث عن سترة بيضاء ظهرت بها لدى مرافقتها زوجها، الأمير هاري، إلى ألمانيا، لحضور ألعاب «إنفيكتوس».

ولأنها باتت تَعرِف قوة تأثيرها على الموضة، استثمرت مؤخراً في علامة «سيستا كوليكتيف»، وهي علامة حقائب تصنعها نساء من رواندا، وتكتمل تفاصيلها في إيطاليا، لتحمل صفة «صُنع باليد». قالت إنها اكتشفتها بالصدفة وهي تقوم بعملية بحث عبر الإنترنت على حقائب مستدامة. ظهرت بالحقيبة أول مرة في مايو (أيار) من عام 2023 لدى حضورها حفل عشاء مع كل من غوينيث بالترو وكاميرون دياز في لوس أنجليس.

عروض الأزياء العالمية

ومع ذلك، لم نرَ ميغان ماركل بأي عرض أزياء في نيويورك أو في باريس أو ميلانو حتى الآن، باستثناء حضورها في عام 2018 حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية ضيفةَ شرفٍ لتقديم جائزة العام لمصممة فستان زفافها، كلير وايت كيلر، التي كانت مصممة «جيفنشي» آنذاك. لكن كان هذا حفلاً وليس عرض أزياء.

اختتمت عرض «كوبرني» كسندريلا في فستان من التافتا أسود (رويترز)

كايلي جينر، ورغم رفض الثقافة التي تمثلها هي وأخواتها من قبل شريحة مهمة، أصبحت في السنوات الأخيرة وجهاً مألوفاً في عروض باريس. تُستقبل فيها استقبال نجمات الصف الأول. في الموسم الماضي، وخلال «أسبوع باريس لربيع وصيف 2025»، سجَّلَت في 3 ظهورات لها فقط ما يوازي ما قيمته أكثر من 20.3 مليون دولار، حسب بيانات «إنستغرام» وحده، إذا أخذنا أن «لايك» واحداً يساوي دولاراً.

لهذا ليس غريباً أن يتهافت عليها المصممون. نعم، هي مثيرة للجدل وأسلوبها لا يروق لكل الزبونات، لكنها في آخر المطاف توفر المطلوب من ناحية تسليط الضوء عليهم. ففي عالم الموضة والتجارة «أي دعاية حتى وإن كانت سلبية هي دعاية مجدية وأفضل من لا شيء». لم يقتصر حضورها في الموسم الباريسي ضيفةً فحسب، بل عارضة في عرض «كوبرني» المستلهم من عالم «ديزني». كانت هي مَن اختتمته في فستان من التافتا بإيحاءات قوطية تستحضر صورة «سندريلا».

تأثير إيجابي

3 مقاطع فقط من فيديو العرض، ولقطات من خلف الكواليس حققت 14.4 مليون مشاهدة؛ ما جعل علامة «كوبرني» تحقق 66 في المائة من إجمالي قيمة التأثير الإعلامي. كانت مشاركتها مخاطرة، لكنها أعطت ثماراً جيدة حسب تصريح الدار. تجدر الإشارة إلى أن «كوبرني» لمست تأثيرها القوي في عام 2022، عندما ظهرت في دعاية لمستحضرات التجميل الخاصة بها، وهي تحمل حقيبة من «كوبرني». ما إن نُشرت الصور، حتى زادت مبيعات الحقيبة بشكل كبير. في عرض الدار لخريف وشتاء 2023. لم تتمكن كايلي من الحضور إلى باريس، لكنها لم تغب؛ إذ نشرت صورة لها في زي من التشكيلة المعروضة، شاهدها الملايين من متابعيها، وحقَّقت ما لم يحققه العرض بالكامل من ناحية المشاهدات و«اللايكات».

كايلي جينر لدى حضورها عرض «سكاباريلي» بباريس (سكاباريلي)

وإذا كان الشك لا يزال يراود البعض على مدى تأثيرها على أساس أن علامة «كوبرني» لها شعبيتها الخاصة التي تستمدها من قدرة مصمميها على الإبداع وخلق الإثارة المسرحية أمام الضيوف، فإن تأثيرها الإيجابي على علامة «أتلين» الفرنسية الناشئة تُفند هذه الشكوك. وجودها في عرضها لربيع وصيف 2025 كان له مفعول السحر؛ حيث حققت لها ما يوازي 11.6 مليون دولار من المشاهدات واللايكات. طبعاً لا ننسى حضورها عرض «سكاباريلي» بتصميمٍ أثار انتباه العالم لغرابته وسرياليته.

رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

«كايلي» لا تقوم بأي حركة أو فعل من دون مقابل. حتى عندما تختار علامات ناشئة للتعاون مع علامتها الخاصة «كاي (Khy)»؛ فهي تؤمن بأنه لا شيء بالمجان. وهذا تحديداً ما يجعلها تتفوق على ميغان ماركل من ناحية التأثير التجاري حسب الأرقام والخوارزميات. الفضل يعود أيضاً إلى نجاحها في استقطاب شريحة مهمة من بنات جيلها تخاطبهن بلغة تُدغدغ أحلامهن. ماركل في المقابل لم تنجح لحد الآن في الخروج من جلباب لقبها كدوقة ساسكس.