مخاوف على الأمن الغذائي في لبنان بسبب الإقفال العام

إغلاق المصانع يؤدي إلى فقدان مواد أساسية

زحمة في أحد السوبرماركت قبل بدء الإغلاق العام في 11 يناير (الوكالة الوطنية)
زحمة في أحد السوبرماركت قبل بدء الإغلاق العام في 11 يناير (الوكالة الوطنية)
TT

مخاوف على الأمن الغذائي في لبنان بسبب الإقفال العام

زحمة في أحد السوبرماركت قبل بدء الإغلاق العام في 11 يناير (الوكالة الوطنية)
زحمة في أحد السوبرماركت قبل بدء الإغلاق العام في 11 يناير (الوكالة الوطنية)

حذّر عدد من النقابات من اهتزاز الأمن الغذائي في لبنان نتيجة الإجراءات المتخذة منذ الرابع عشر من الشهر الجاري التي ستمتد حتى الثامن من الشهر المقبل، والتي تقضي بالإقفال التام لمحاولة الحد من تضخم أعداد الإصابات بفيروس «كورونا» وبلوغ المستشفيات سعتها القصوى. وهذه المرة الأولى التي يتم فيها فرض إقفال السوبرماركات والمحال التي تبيع مواد غذائية وحصر عمليات البيع بخدمات التوصيل. كما هي المرة الأولى التي يعلن فيها حظر تجول طوال ساعات اليوم إلا للمدرجين بإطار المستثنين وأبرزهم العاملون في القطاع الطبي والأمن والإعلام والأفران وغيرها من القطاعات الأساسية.
وسمحت الحكومة بعمل مصانع المواد الغذائية حصراً، لكنها أقفلت المصانع الأخرى ومن بينها تلك التي تؤمن مواد التوضيب والتغليف ما يهدد بوقف الصناعات الغذائية. ووصف رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي الجميل بعض الإجراءات التي تم اتخاذها بموضوع الإقفال العام بـ«المتسرعة»، مشدداً على أن لا بلد في العالم أغلق كل القطاعات للتصدي لـ«كورونا» حرصاً على تأمين مقومات الاستمرار لمواجهة الوباء. وأشار إلى أن السماح بفتح مصانع المواد الغذائية والأدوية وإغلاق مصانع مستلزمات التغليف والتوضيب وأكياس النايلون أدى لكسر الحلقة الواجب أن تكون متكاملة لتأمين حاجات المواطن الغذائية كما حاجته للأدوية.
وقال الجميل لـ«الشرق الأوسط»: «معامل الأدوية بدأت تشتكي النقص بمواد التوضيب والتغليف كما مصانع المواد الغذائية، والمطلوب تصحيح الإجراءات المتخذة بأسرع وقت ممكن من خلال السماح للصناعات المكملة للصناعات الأساسية بالعمل، خصوصاً أن المصانع لم تكن، ولن تكون، بيئة لتكاثر حالات (كورونا)، نظراً للالتزام التام بالإجراءات الوقائية ولكونها بنهاية المطاف بيئات مغلقة»، داعياً إلى «تسهيل أعمال المصانع والمؤسسات التي تعمل بالتصدير وبخاصة تصدير الفاكهة والخضار والتي تُدخل إلى البلد 200 مليون دولار شهرياً، فهل لدينا ترف الاستغناء عن مبلغ مماثل؟».
كذلك نبّه نقيب الأفران والمخابز في لبنان علي إبراهيم من فقدان أكياس تعبئة وتوضيب الخبز، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه طلب من وزير الاقتصاد استثناء المعامل التي تصنّع أكياس النايلون لضمان توزيع الخبز، «لأنه في نهاية المطاف الأكياس كما الطحين في حال عدم توافرها لا يمكن تأمين الخبز للمواطنين».
أما عضو نقابة أصحاب المتاجر حسان عز الدين، فاعتبر أن الأمن الغذائي للبنانيين بات في خطر وقد يصبح ذلك أوضح للجميع خلال شهر أو شهر ونصف باعتبار أنه تم الإخلال بالدورة الاقتصادية المتكاملة، وتلقائياً حين يتم قطع هذه الدورة سنصل إلى خلل كبير يؤثر على الأمن الغذائي. وقال عز الدين لـ«الشرق الأوسط»: «خدمة التوصيل لا تلبي إلا 10 في المائة من الطلب ما يعني أن نصف البضاعة التي كان يتم استهلاكها لا يتم تصريفها، ما يضرب قطاعات برمتها وأبرزها الدواجن والزراعة والألبان والأجبان وغيرها». وأشار إلى أن القرار بإقفال السوبرماركات خطأ كبير سيكلفنا غالياً سواء في موضوع الأمن الغذائي، بحيث سيكون كثير من الرفوف فارغا تماما في المدى المنظور أو في موضوع دفع الكثير من المؤسسات لإقفال أبوابها بشكل دائم بعد إعلان إفلاسها. وأضاف: «لا دولة في العالم أقفلت السوبرماركات، فكيف إذا كانت دولة كلبنان تعاني أصلاً من انهيار اقتصادي حاد؟».
ووفقا للمثل القائل «مصائب قوم عند قوم فوائد»، أحيا إقفال السوبرماركات الكبرى وحصر عملها بخدمة التوصيل عمل المحال الصغيرة، فبات معظم سكان المناطق والأحياء يعتمدون بشكل أساسي على هذه المحال لتأمين حاجياتهم خلال فترة الإقفال.
ويأمل كامل البيطار، وهو مالك ميني ماركت صغيرة في منطقة الدكوانة شرق العاصمة بيروت أن يستمر إقفال السوبرماركات الكبرى طوال فترة الحجر والإقفال التام، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه السوبرماركات تتحمل المسؤولية الكبرى لجهة تضخم أعداد المصابين خاصة بعدما كان يدخل بعضها في الأيام التي سبقت سريان قرار الإقفال بين 200 و300 شخص في آن واحد. وقال: «لقد باعت المتاجر الكبرى خلال 4 أو 5 أيام ما اعتادت أن تبيعه خلال شهر ونصف الشهر، لذلك لا يحق لها رفع الصوت اليوم، خاصة أننا كأصحاب المحال الصغيرة تراجعت أعمالنا بشكل دراماتيكي خلال تلك الفترة واليوم عدنا نتنفس الصعداء».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».