أعداد المتأثرين نفسياً من «كورونا» تتجاوز بكثير المتضررين جسدياً

اختصاصي نفسي لـ «الشرق الأوسط» : أغلبية السلوكيات التي تعلمناها ستصبح نمط حياة

TT

أعداد المتأثرين نفسياً من «كورونا» تتجاوز بكثير المتضررين جسدياً

لا تقتصر تداعيات وآثار فيروس «كورونا» على الإنسان على العوارض الجسدية التي يعاني منها عند الإصابة وبعدها، والتي قد تؤدي في حالات معينة إلى الموت، إنما تتخطاها لتطال وضعه النفسي والعقلي نتيجة العزلة التي يعيشها خلال الحجر، وخوفه المفرط من تدهور حالته فجأة.
ويؤكد الدكتور وائل سلامة، الأستاذ الجامعي الاختصاصي في الأمراض النفسية والعقلية، أن عدداً كبيراً من مرضى «كورونا» يعانون، بالإضافة للعوارض الجسدية، من عوارض واضطرابات نفسية، لافتاً إلى أن الحالات تختلف وفق الإحصاءات العالمية بين بلد وآخر تبعاً لعوامل تربوية وبيئية، لكن أكثرية الدراسات تشير إلى أن ما لا يقل عن 20 في المائة من المصابين يعانون بفترة من الفترات، ببداية الإصابة أو خلال فترة الحجر أو بعد الإصابة، من عوارض نفسية، في وقت تتحدث فيه دراسات أخرى عن نسبة تتراوح بين 70 و75 في المائة.
ويوضح سلامة أن الاضطرابات ناتجة عن الخوف المفرط من الفيروس، ومن المجهول، وعدم استقرار وضع المريض الصحي، بحيث تتغلب عليه أفكار الموت، وإمكانية عدم الاستجابة للعلاجات والأدوية المتوفرة، مشيراً إلى أن أغلبية الحالات أظهرت اضطرابات قلقية لا اضطرابات اكتئابية. ويضيف: «الآثار النفسية لا توازي الآثار الجسدية، فالمعاناة أكبر بكثير على مستوى نفسي. كما أن نسبة الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية نتيجة إصابتهم بـ(كورونا) تتجاوز بكثير من يعانون من عوارض جسدية حادة، بحسب ما تؤكده كل الدراسات».
أما الاضطرابات النفسية التي يعاني منها مريض «كورونا»، فتتراوح بين الأرق وصعوبة النوم، والاستيقاظ المتكرر خلال الليل، إضافة للعوارض القلقية والوسواس القهري. ويشير سلامة إلى أن الشخص الذي كان يعاني سابقاً من اضطرابات نفسية هو معرض أكثر لاضطرابات جديدة نتيجة «كورونا»، إضافة للأشخاص الذين لا يحظون بدعم اجتماعي خلال فترة الحجر التي تستمر لأسبوعين. فإذا لم يكن هناك للمريض تواصل مع أهل أو أصدقاء، وشعر أنه متروك، فذلك لا شك يؤثر عليه سلباً من الناحية النفسية. كما أن الشخص الذي يعاني من مشكلات صحية مزمنة، ويدرك أن هذه الأمراض تضعه بخطورة تدهور وضعه نتيجة كورونا، فذلك يزيد الأرق والارتباك لديه والخوف، وبالتالي الاضطرابات النفسية.
ولا تقتصر الاضطرابات النفسية على مرحلة الحجر والمرض، إذ يوضح سلامة أن هناك اضطرابات نفسية تكتشف بعد الشفاء، وأبرزها الوسواس الصحي، بحيث يبقى الشخص قلقاً على صحته، فكلما ظهرت عليه عوارض معينة في وقت لاحق، سواء أكانت مرتبطة بكورونا أم لا، يشعر بالخوف، إضافة للوسواس القهري الذي قد لا يكون مرتبطاً حصراً بالصحة، إنما مثلاً بالتنظيف والغسل المتكرر والترتيب. ويضيف: «كذلك هناك عوارض أخرى، كالأرق لعدة أسابيع بعد الشفاء، وهي تزول ولا تستمر طويلاً، بعكس الوسواس الصحي والقهري. من هنا، نشدد على أهمية المتابعة مع طبيب نفسي حتى بعد الشفاء».
ويتحدث سلامة عن مجموعة خيارات لتفادي الاضطرابات النفسية، أبرزها التواصل مع الآخرين، كي لا يشعر المريض أنه بعزلة تامة، ما يخفف من الاضطرابات القلقية التي قد تتطور لديه. كما أن التعبير يعد أساسياً في هذه المرحلة، وإن لم يكن هناك طبيب نفسي يتابع حالته، فالتعبير مهم سواء عن المخاوف أو عن العوارض، لافتاً إلى أنه بعد الشفاء، في حال شعر المصاب خلال الفترة الممتدة من شهرين إلى 4 أشهر بعوارض قلقية أو اضطرابات اكتئابية، فمن الضروري استشارة طبيب نفسي.
ويشدد سلامة على أهمية أن يقدم المحيطون بالمريض الدعم النفسي اللازم له، من خلال تركه يعبر بحرية، فإذا كان مثلاً يشعر بأن المرض تغلب عليه نوعاً ما، وأنه يضعف، ليس مستحباً أن يقول له أفراد العائلة والأصدقاء: «أنت أقوى، ونحن نعرف قدرتك على التحمل»، لأنه عندها سيشعر المريض بأنه أضعف، بل يجب عندها أن يقولوا له: «هذا طبيعي في حالتك، نتيجة كمية الضغط النفسي والمعاناة التي تعيشها»، فلا يحاولوا أن يبسطوا مشكلاته ومعاناته.
ويشير سلامة إلى أن الآثار النفسية لا تقتصر على المريض، بل وبشكل أساسي أيضاً على الجسم الطبي والتمريضي الذي يعاني من الإرهاق التام، خاصة أنه ليس كل الأطباء والممرضين مدربين ومخولين بالعمل مع مرضى كورونا، فهناك أطباء يشعرون، خاصة في أول فترة من عملهم مع المصابين بالفيروس، أنهم غير أكفاء أو مرتاحين للتعامل مع هذه الحالات.
ويضيف: «الفريق الطبي أرهق، سواء في الطوارئ أو العناية الفائقة أو بأقسام كورونا. وفي الفترة الأخيرة، تم الاستنجاد بأطباء من اختصاصات مختلفة للحد من استنزاف الطاقة النفسية للأطباء والممرضين الذي يعانون أيضاً من ضغوط كبيرة من أهالي المرضى، ومن الكم الهائل من الاتصالات الهاتفية التي تصلهم، ما يجعلهم في حالة قلق وارتباك وعصبية دائمة».
ويعد سلامة أنه بات محسوما أن «العالم بعد كورونا لن يكون كما قبله. فالتباعد الاجتماعي وهالة الهلع المعممة بين الأشخاص حولت الناس لأشخاص باردين عاطفياً، بعيدين بعضهم عن بعض»، شارحاً أن «نسبة التواصل والتعبير بين الأشخاص تراجعت كثيراً نتيجة عدم التواصل الجسدي، فللمس عن طريق مسك اليد والعناق أهمية كبيرة، لكن التباعد الاجتماعي أدى لتباعد تعاطفي وتعبيري»، خاتماً بأن «هناك مقولة عن أن الإنسان يحتاج 21 يوماً ليتعلم سلوكاً معيناً، و90 يوماً ليتعلم نمط حياة جديداً، لذلك فإن أغلبية السلوكيات التي تعلمناها خلال أزمة «كورونا» ستصبح نمط حياة جديداً حتى بعد انتهاء الأزمة. ومن الصعب جداً أن نتوقع أن يعود الناس كما كانوا، إن كان من حيث طريقة التعبير عن الحب والمشاعر والأحاسيس، أو كيفية إلقاء التحية، وغيرها من السلوكيات المجتمعية».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».