موسكو تعزز «ترسانتها» في الحرب الإعلامية مع الغرب

عبر توسيع النشاط الموجه إلى الخارج والتضييق على «المنصات المعادية»

موسكو تعزز «ترسانتها» في الحرب الإعلامية مع الغرب
TT

موسكو تعزز «ترسانتها» في الحرب الإعلامية مع الغرب

موسكو تعزز «ترسانتها» في الحرب الإعلامية مع الغرب

لم تكن موسكو بحاجة إلى مشاهد اقتحام الكونغرس الأميركي لتتوج حملتها الإعلامية القوية ضد «الديمقراطية الغربية التي سقطت في الامتحان»، في إطار تمجيد مظاهر «انتهاء هيمنة الأنجلوسكسونية»... فضلا عن الكثير من العناوين الرنانة المماثلة، التي حفلت بها وسائل الإعلام والمنصات الرقمية الروسية على مدى الأسابيع الأخيرة. إذ يكاد متابع وسائل الإعلام الروسية يظن أن الحدث الأميركي داخلي بامتياز، فالتغطيات لم تقتصر على نقل المعلومة أو الخبر، مع إضافة بعض «البهارات» التي تعد بـ«انتهاء أميركا التي عرفناها» بقدر ما كانت موجهة لعقد مقارنات، وتوجيه تحذيرات من «دعاة الليبرالية والديمقراطية» الروس، مفادها أن «هذا ما كانوا يحاولون دفعنا إليه».
لذلك لم يكن غريباً أن تظهر عناوين لافتة حملت قدرا كبيرا من التشفي، ومن الاستعجال في توجيه الرسائل التي تستغل الحدث، مثلما فعلت واحدة من كبريات وسائل الإعلام الروسية عندما وضعت عنوانا مثيرا لملف تغطياتها للحدث: «الأميركيون هبوا ضد النظام» في استخدام مقصود، تم تحريفه قليلا لشعار «الربيع العربي» المعروف. لكن هذا المزاج الإعلامي كان متوقعاً في روسيا، التي تخوض خلال السنوات الأخيرة «حرباً إعلامية» واسعة النطاق، تشكل واحدة من تجليات الشكل الجديد لـ«الحرب الباردة».
وفي مقابل الاتهامات الغربية المتواصلة لروسيا بتوجيه حملات إعلامية مكثفة تستهدف التأثير على مزاج الناخبين في بلدان أوروبية أو في الولايات المتحدة، بالتوازي مع شن «جيش إلكتروني روسي» هجمات سايبرانية لا تتوقف خلال السنوات الأخيرة، فإن موسكو تشكو بدورها من أنها تتعرض للحرب الإعلامية الغربية التي تهدف إلى تشويه سمعتها.
ومنذ عام 2016 تصاعدت المواجهة الإعلامية بقوة بين روسيا والغرب، على خلفية اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الأميركية. وفي خريف عام 2017 طالبت وزارة العدل الأميركية مكتبي قناة «آر تي» (روسيا اليوم) ووكالة «سبوتنيك» في الولايات المتحدة بالتسجيل رسمياً بصفة «عملاء أجانب» بموجب القوانين الأميركية. وجاء هذا الطلب على خلفية الحديث عن علاقة بين قناة «آر تي» والجنرال مايكل فلين المستشار السابق للرئيس دونالد ترمب لشؤون الأمن القومي، فضلاً عن تقرير للاستخبارات الأميركية اتهم القناة بأنها «وسيلة الدعاية الرئيسية الدولية للكرملين». أيضاً اتهمت وزارة العدل الأميركية وسائل الإعلام الروسية ببث أخبار كاذبة بهدف التدخل في السياسة الأميركية الداخلية.
وفي مايو (أيار) عام 2017 اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شبكة «آر تي» ووكالة «سبوتنيك» بأنهما «نشرتا أكاذيب تخص شخصي وحملتي الانتخابية، ولم تتصرفا كوسائل إعلامية بل كوسائل دعائية وتأثير سياسي، لذلك تم منعهما من الدخول إلى مقري الانتخابي». وفي بريطانيا، كذلك، اتهمت مؤسسة تنظيم الإعلام «أوفكوم» قناة «آر تي» بخرق قواعد الحياد في العديد من البرامج التي بثت بعد تسميم الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا.
في المقابل، اتهمت مرغريتا سيمونيان، رئيس تحرير شبكة «آر تي»، الولايات المتحدة بأنها «تمارس الكذب إعلامياً». وردت السلطات الروسية بتعديلات أقرها البرلمان على قانون الإعلام، تتيح لوزارة العدل الروسية تسجيل أي وسيلة إعلامية تتلقى التمويل الخارجي على قائمة «العملاء الأجانب» الروسية.

إعلام موجه إلى الخارج

بالتأكيد فإن تنامي دور الإعلام الروسي الموجه إلى الخارج خلال السنوات الأخيرة، عكس توجهاً روسياً لاستخدام كل الوسائل الممكنة في المواجهة المفتوحة مع الغرب. وظهر ذلك بوضوح منذ العام 2016 في مقالة لافتة نشرها الصحافي الروسي البارز فيتالي تريتيكوف على موقع وكالة أنباء «نوفوستي» قال فيها: «إننا نقف أمام استحقاق تحديد المهمات الرئيسة. وأهمها هو مواجهة الحرب الإعلامية والعمل لتعزيز وجود الرؤية الروسية في الخارج. في هذه المعركة أمامنا خيار واحد فقط هو الانتصار».
لكن موسكو في سياق خوضها هذه «الحرب» لم تقصر جهدها على تبني قوانين تحد من حرية تحرك وسائل الإعلام الأجنبية، في إطار التدابير الجوابية على القيود التي فرضت في أوروبا والولايات المتحدة على بعض وسائل الإعلام. بل نراها انتقلت إلى مواجهة محاولات التأثير الداخلية على بعض وسائل الإعلام المستقلة التي باتت متهمة «بالعمالة للغرب»، في سياق السعي إلى التضييق على قدرتها على التأثير داخل روسيا أو خارجها.
وفي هذا الصدد، قال السيناتور أليكسي بوشكوف إن ما يحدث هو «حرب باردة تدور رحاها ضد روسيا في مجال المعلومات». وأشار إلى أن «بعض وسائل الإعلام العاملة في روسيا جار تمويلها من موازنات حكومية في الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى، غير أنه لا يصار إلى تمييزها على «تويتر» بعلامة «منشور حكومي». في حين أن هذا الإجراء ينطبق فقط على وسائل الإعلام الحكومية الروسية، ما يعني أنه يعكس درجة استخدام المعايير المزدوجة في الغرب».
تزامنت هذه الدعوة، مع إعلان هيئة الرقابة الروسية على المصنفات أن «فيسبوك» و«تويتر» و«غوغل» تضع قيوداً على الوصول إلى مواد حوالي 20 وسيلة إعلامية روسية، بما في ذلك مؤسسات كبرى مثل «نوفوستي» و«سبوتنيك» و«القناة الحكومية الأولى». وفي المجموع، وفقًا لمصادر حكومية، جرى إدراج حوالي 200 منصة باللغة الروسية على القائمة السوداء في الخارج خلال السنوات الأخيرة.
دفع هذا إلى اتساع نطاق المطالبة بوضع آليات جديدة لتعزيز قدرات روسيا في «حرب المعلومات»، بما في ذلك إنشاء منصات إلكترونية خاصة بروسيا للاستغناء تدريجياً عن خدمات المحركات ومقدمي الخدمات الأجانب. ولقد عكست هذه الدعوات مخاوف روسية من زيادة تأثير قدرات مؤسسات كبرى مثل «تويتر» و«غوغل» على اتخاذ إجراءات عقابية ضد روسيا، أو ضد المؤسسات أو الشخصيات الحكومية الروسية، لا سيما بعدما أغلق «تويتر» أخيراً حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. وحول هذا الشأن، قال مقدم البرامج التلفزيونية الروسي فلاديمير سولوفيوف إن «التطورات تظهر أن روسيا بحاجة ماسة إلى منصات الإنترنت الخاصة بها، وإلا فإننا سنشهد خلال الانتخابات المقبلة لمجلس الدوما (مجلس النواب) هجمات إعلامية متصاعدة. وستشن «تويتر» و«فيسبوك» وشبكات اجتماعية أخرى هجمات على أولئك الذين يعلنون مواقف مناهضة لسياسات الولايات المتحدة».
وشدد سولوفيوف على أن روسيا «بحاجة إلى استخلاص النتائج مما يحدث في الولايات المتحدة». واستشهد بمثال الصين، التي تعتبر «أكثر أمناً بكثير في هذا المجال»، مشدداً أن على روسيا إنشاء برنامجها المستقل الخاص بها. وتزامن هذا مع تزايد الدعوات في روسيا أخيرا إلى فرض قيود على محركات بحث غربية مثل «غوغل»، ووسائل تواصل كبرى مثل «تويتر» و«يوتيوب».

«شبكة «آر تي»... وتأثيرها

على صعيد متصل، مع أن شبكة «سبوتنيك» الإخبارية التابعة لمؤسسة «نوفوستي» وقناة «آر تي» شكلتا رأس الحربة في الحرب الإعلامية الروسية في الخارج، فإن ثمة مؤسسات روسية عديدة تنظم حملات «البروباغندا» الروسية القوية لدى الغرب. أبرز هذه المؤسسات شبكة «روسكي مير» (العالم الروسي) و«وكالة التعاون الروسي» التابعة لوزارة الخارجية الروسية، وهما تنشطان بالدرجة الأولى في أوساط الناطقين بالروسية (في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق) وفي المناطق التي تشهد حضورا كثيفا للجاليات الناطقة بالروسية في الغرب. إلا أن الاهتمام الغربي لم ينصب عليها بعد، لكونها لا تسعى إلى مخاطبة المتلقي الغربي، بخلاف قنوات «آر تي» التلفزيونية ووكالة أنباء «سبوتنيك».
راهناً، تضم شبكة «آر تي» ثماني قنوات إخبارية ووثائقية، وبوابات معلومات ومنصات رقمية بلغات مختلفة عبر الإنترنت. وهي تمتلك أيضاً، وكالة «رابتلي» التي تقدم محتوى حصريًا للقنوات التلفزيونية حول العالم. وتبث قنوات «آر تي» الإخبارية من موسكو على مدار الساعة باللغات الإنجليزية والعربية والإسبانية. وهذا، فضلا عن قناة «آر تي دي» الوثائقية، التي تبث باللغتين الروسية والإنجليزية. في حين تبث قناة «آر تي أميركا» من مكاتبها في واشنطن، وهي المتهم الرئيس بالعمل على ترويج معلومات «تضليلية» بهدف التأثير على مزاج الناخب الأميركي. وللعلم، في بريطانيا وفرنسا تقدم هذه الشبكة أيضاً بثاً باللغتين الإنجليزية والفرنسية هو أساساً موجه إلى هذين البلدين.
«آر تي»، التي تحصل على تمويل مباشر من الكرملين، تقول إن لدى 700 مليون مشاهد في أكثر من 100 دولة القدرة على متابعة تغطيات قنواتها. ووفقاً لنتائج استطلاع الرأي حول موضوع الاستهلاك الإخباري أجرته شركة «ايبسوس» - الرائدة في مجال الأبحاث الاجتماعية - يشاهد بث القناة أسبوعياً نحو 100 مليون مشاهد في 47 بلداً. وفي الولايات المتحدة وحدها، يصل عدد مشاهديها أسبوعياً إلى 11 مليون مشاهد، بينما في أوروبا لديها 43 مليون مشاهد. ثم إن «آر تي» تسعى للتأثير في بلدان أميركا اللاتينية حيث يصل عدد جمهورها إلى 18 مليون.
كذلك، تحتل قناة «آر تي» المرتبة الأولى بين القنوات التلفزيونية الإخبارية غير «الأنجلوسكسونية» من حيث الجمهور عبر الإنترنت، إذ تجاوزت الزيارات الشهرية لمواقع مجموعة «آر تي» الإلكترونية أكثر من 175 مليون، وفقاً لمعطيات القناة التي تحتل نسختها العربية مكانة متميزة بين المواقع التلفزيونية الناطقة بالعربية من حيث عدد الزيارات.
أما فيما يخص شبكة «سبوتنيك» فهي حالياً اضخم وسائل الإعلام الروسية الموجهة إلى الخارج. وكانت «سبوتنيك» قد بدأت نشاطها نهاية العام 2014، وهي تضم حاليا شبكة واسعة تقدم محتوى إعلامياً بـ32 لغة أبرزها الروسية والإنجليزية والعربية والإسبانية والصينية والألمانية والفرنسية.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.