تباين بشأن مستقبل «سوق المؤثرين» في ظل استمرار جائحة «كوفيد ـ 19»

TT

تباين بشأن مستقبل «سوق المؤثرين» في ظل استمرار جائحة «كوفيد ـ 19»

ما زالت جائحة «كوفيد - 19» تدفع الجميع إلى الحلول الرقمية في المجالات كافة، بعدما اتجهت جميع الأنشطة تقريباً من الواقع المادي إلى عالم الإنترنت خلال الموجة الأولى للفيروس. ولقد دفع استمرار أزمة الفيروس البعض لامتلاك حساب رقمي على إحدى منصات التواصل الاجتماعي؛ بل سعى البعض ليكون مؤثراً وصانعاً للمحتوى، لدرجة باتت فيها هذه المنصات «الورقة الرابحة».
هذا التطور في المشهد دفع للتساؤل بشأن مستقبل «سوق المؤثرين» في ظل استمرار الجائحة. ورجح متخصصون وخبراء في الإعلام الرقمي حدوث تغييرات في «سوق المؤثرين» من خلال تصفية الساحة والإبقاء على المبدعين والمتجددين، لافتين أن «المستقبل قد يكون للمؤثر المتخصص على حساب الشعبوي، الذي لا يقدم لمتابعيه سوى نمط حياته ومستجداتها». ويوضح الخبراء أن «الجائحة أفسحت المجال لظهور موجة مختلفة من المؤثرين، تقدم محتوى متخصصا قائما على خلفية معرفية».
العنود السويلم، وهي مؤثرة سعودية ورائدة أعمال ومنسقة أزياء ومستشارة موضة، تقول: «ليس كل ما يُقدم على منصات التواصل الاجتماعي يُصنف أن له تأثيراً، بينما المؤثر هو الشخص الذي يحرص على تقديم محتوى صادق وبطريقة مبتكرة، ليصل إلى أكبر شريحة من المستخدمين النشطين». وأضافت السويلم لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معها أن «المحتوى وأسلوب الطرح الجذاب، هو الذي سيبقى في النهاية، فهناك أشخاص شاركوا نمط حياتهم، لكنهم لم يستمروا بسبب ضعف المحتوى. في المقابل، نرى آخرين شاركوا المتابعين بخلفياتهم المعرفية والثقافية، ونجحوا بالفعل في تحقيق تأثير طويل الأجل بفضل المحتوى القيّم».
وترى السويلم أنه «سيكون هناك تغيير جوهري في سوق المؤثرين الرقمية، من خلال تصفية الساحة والإبقاء على المبدعين والمتجددين فيما سيختفي كُثر»، متابعة «نحن أمام مؤثر صانع محتوى... أي يجمع بين صفات نشطة على منصات التواصل الاجتماعي: فله تأثير على الجمهور، من خلال أسلوب ومظهر وكاريزما، لكن يجب أن يُشارِكَ المتابعين بمحتوى مصنوع... يمكن لكل صانع محتوى أن يكون مؤثراً؛ لكن ليس كل مؤثر يُصنف كصانع محتوى».
جدير بالذكر، أن العام المنقضي كان فرصة جيدة للعلامات التجارية والمؤثرين للتفاعل مع الجماهير، لذلك صارت العلامات التجارية نحو مواءمة استراتيجيتها مع أزمة «كوفيد - 19» وفتحت ميزانياتها لمنصات التواصل الاجتماعي وضخت ملايين الدولارات في هذا الفضاء الشاسع. وحسب تقرير نشرته شركة «غراند فيو ريسيرتش» Grand View Research لأبحاث السوق، ومقرها سان فرنسيسكو، خلال يناير (كانون الثاني) الجاري، ذكرت عبره أن من «المتوقع أن يصل حجم سوق المؤثرين إلى 23.52 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025. أي بمعدل نمو سنوي يبلغ 26.8 في المائة».
وهنا يعلّق محمد فتحي، خبير المحتوى الرقمي في مصر، خلال حوار مع «الشرق الأوسط» فيقول: «ينقسم المؤثرون إلى أنماط، فمنهم المشاهير، مثل كيم كارداشيان، التي يتابعها 199 مليون شخص، وهناك أنماط أخرى تستفيد منها العلامات التجارية بشكل متزايد، بما في ذلك المؤثرون الصغار، والمؤثرون في الألعاب، وكذلك المؤثر الافتراضي، وهو نمط متوقع صعوده خلال المرحلة المقبلة». ويرى فتحي أن «عدداً كبيراً من المؤثرين الذين يتابعهم الملايين، أخفقوا في امتحان (كوفيد - 19) بسبب رتابة المحتوى وربما سطحيته أحياناً - على حد وصفه، ما أفسح المجال لظهور موجة مختلفة من المؤثرين، تقدم محتوى متخصصا قائما على خلفية معرفية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «المؤشرات تلوّح بأن علاقة المؤثر (المتخصص) بمتابعيه أقوى وطويلة الأجل، لأن المتابع لم يعد يتوق ليوميات المؤثر، بقدر ما يتوق لمحتوى مفيد وممتع وشيق أو على أقل تقدير يثير البهجة، فالمحتوى أصبح هو الرهان الحقيقي». وللعلم، ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن «المؤثرة الافتراضية، ليل ميكويلا، التي يتابعها نحو 2.8 مليون متابع، تعتبر الأعلى ربحاً في هذا المجال. إذ يحقق كل منشور لها يضغط الأشخاص عليه نحو 8.500 دولار».
من ناحية متصلة، يشير خبراء الإعلام الرقمي إلى «أهمية صناعة المحتوى بغرض جذب المتابعين وخاصة مقاطع الفيديو القصيرة». وفي تقرير نشره موقع «فوربس» في يناير الجاري، أشار إلى أن «المتابعين يشاهدون مقاطع فيديو عبر الإنترنت أكثر من أي وقت مضى، سواء على «فيسبوك» أو يوتيوب، وهما من التطبيقات الأقدم في هذا المحتوى، إلى جانب تطبيق تيك توك، الذي لديه حالياً حوالي 850 مليون مستخدم نشط شهري، وخدمة إنستغرام ريلز التي أطلقت في أغسطس (آب) الماضي، لمواكبة مستجدات الجائحة». ووفق تقرير «فوربس» فإن «الفيديو المباشر ازدهر على وجه الخصوص في الأشهر الأولى من تفشي الجائحة، إذ ارتفع عدد مستخدمي (فيسبوك) الذين يشاهدون الفيديو المباشر بنسبة 50 في المائة، ما دفع المنصة إلى طرح ميزات إضافية لدعم منشئي الفيديو».
وعلى هذا يعلق محمد فتحي قائلاً: «نحن بصدد طفرة كبيرة تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يستخدم شهرياً حوالي 3.5 مليار شخص فيسبوك وإنستغرام وتويتر، أي نصف كوكب الأرض... وأكثر من ثلثي سكان العالم لديهم القدرة على الوصول إلى الإنترنت».
بالنسبة لقوة المؤثر على العلامات التجارية، هناك تقارير كثيرة تؤكد هذا الأمر، ومن ثم لشركات التسويق الرقمي، لكن أيضاً توجد حدود فاصلة بين أنماط المؤثرين وقوة كل منهم. وعن هذا الجانب يقول محمد زكريا، المؤسس البحريني والشريك لوكالة التسويق الرقمي «جي آر توك»، ومقرها البحرين، إن «هناك معايير تحدد قوة المؤثر، أهمها هو التفاعل الحقيقي مع المتابعين. أيضاً المنطقة التي يحظى بشعبية بداخلها. وبالطبع هناك أهمية كبرى لعدد المتابعين». وأردف زكريا لـ«الشرق الأوسط» أن «مدى اتساق المؤثر مع المبادئ الاجتماعية، معيار له ثقل، لا سيما أنه يؤثر على الصورة الذهنية للعلامة التجارية التي تختاره سفيراً لها». وعن تأثير أزمة (كوفيد - 19) على رموز المنصات الرقمية. يرى زكريا من واقع عمله مع عدد من المؤثرين البارزين في الشرق الأوسط، أن «أزمة الفيروس كانت سبباً في حدوث تغير ضخم ضمن سوق المؤثرين... بل كانت الجائحة بمثابة المصفاة التي غيرت مشهد صناعة العالم الرقمي ورموزه، ولا سيما في الشهور الثلاثة الأولى من التفشي، فلقد كان معظم المؤثرين في حالة ارتباك يصارعهم هاجس الاختفاء من المشهد». واستطرد «ولكن بعد انقضاء الأشهر الأولى، نجح البعض في تحييد المصلحة والعمل على بناء علاقة شخصية مع المتابعين. غير أن هذه المرحلة كتبت النهاية لكثيرين، وأبقت فقط من له موهبة، أو مرجعية معرفية عززت القاعدة الجماهيرية التي تتابعه... وهنا أهمية صناعة المحتوى أو إبراز الموهبة، أما أولئك الذين لا يعتمدون إلا على عدد المتابعين، فقد انعدمت صدقيتهم».



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».