لا إشارات إيجابية لتشكيل الحكومة اللبنانية

TT

لا إشارات إيجابية لتشكيل الحكومة اللبنانية

قال مصدر مقرّب من رؤساء الحكومة السابقين إن الأولوية يجب أن تُعطى للإسراع بتشكيل حكومة مهمة من مستقلين واختصاصيين من غير الحزبيين، وكشف أنهم توافقوا في اجتماعهم ليل أول من أمس، على أن تتكثف الضغوط باتجاه رئيس الجمهورية ميشال عون لإزالة العراقيل التي يضعها والتي ما زالت تؤخر ولادتها، رغم أن البلد يرزح تحت ضغط الانهيار الشامل، ولم يعد يحتمل إقحامه في مغامرات بدلاً من أن يفتح الباب على مصراعيه للانتقال به من مرحلة التأزّم إلى مرحلة تبشّر بالانفراج.
ولفت المصدر إلى أن رئيس الجمهورية يرفض حتى الساعة التجاوب مع المحاولات الرامية لإنقاذ البلد من الأزمات الصحية والاقتصادية والمالية التي يتخبّط فيها كأنه لم يعد لديه من هموم سوى الالتفات إلى وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لإعادة تعويمه سياسياً، واستغرب إصرار مصادر مقربة من بعبدا على الترويج من حين لآخر لمعلومات تنفي تدخّله في عملية تشكيل الحكومة، وتسأل: ألا يعلم عون بأن لا شيء يمشي من دون العودة إليه لأخذ موافقته، وهذا ما يحصل مع عدد من زواره الذين يطلب منهم بعد مقابلته بضرورة مراجعة باسيل لأنه هو من يملك الضوء الأخضر الذي يجيز له حرية التصرُّف.
وأكد أن الفريق السياسي المحيط بعون ينطق بلسان باسيل، وسأل: لم يحرّك هذا الفريق ساكناً عندما نعى تشكيل حكومة مهمة وطالب بحكومة سياسية قادرة على أن تتخذ مواقف من التطبيع الجاري في المنطقة وترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والاستراتيجية الدفاعية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وسلاح «حزب الله»، مع أن معظم هذه البنود ليست مُدرجة على جدول أعمال حكومة مهمة.
واعتبر المصدر المقرّب من رؤساء الحكومة السابقين بأن عون يعطي الأولوية لإنقاذ باسيل وتعويمه بدلاً من أن يحصرها لإعادة الاعتبار لشخصه أولاً، لعله يتمكن في الثلث الأخير من ولايته الرئاسية من تحقيق ما كان تعهّد به ولو متأخراً بعد أن أخفق في الثلثين الأولين من ولايته في إنجاز بعض ما التزم به في خطاب القسم، وعزا السبب إلى أن عون بات على قناعة بأن باسيل في حاجة إلى جرعة سياسية للإبقاء عليه في المعادلة بعد انتهاء ولايته الرئاسية.
وسأل المصدر عون ما إذا كان مضطراً للدفاع باستمرار عن باسيل وتسخير بعض الدوائر في بعبدا للنطق باسمه والدفاع عنه بدلاً من أن يبادر إلى ترميم علاقاته بالقوى السياسية التي اشتبك مع معظمها بلا أي مبرر سوى أنها على خلاف مع صهره، خصوصاً أنه لم يسبق لأسلافه من الرؤساء أن أقحموا أنفسهم في اشتباكات سياسية مجانية حتى في فترات اندلاع الحرب الأهلية في لبنان.
واتهم عون بأنه يأخذ البلد إلى الفراغ، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يعد من شريك له إذا استثنينا تحالفه مع «حزب الله» سوى المضي في تعطيل المؤسسات الدستورية بدلاً من أن يعطي الأولوية لانتظامها، وهذا ما ينسحب أيضاً على تدمير علاقات لبنان بعدد من الدول العربية في مقابل إلحاقه بمحور الممانعة.
ورداً على سؤال، أوضح المصدر أن الحريري - كما أعلم زملاءه في نادي رؤساء الحكومة - باقٍ على موقفه، وأن لا مجال للتراجع عن رؤيته لتشكيل الحكومة انسجاماً مع تبنّيه للمبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان وألا بديل عنها، وبالتالي فمن يعترض عليها ويقاومها فهو يخطط عن سابق تصوّر وتصميم لتمديد الأزمة التي خلّفت الكوارث والنكبات الناجمة عن الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت.
ونقل المصدر عن الحريري قوله إنه صامد على موقفه ولن يتزحزح عنه ولن يرضخ لحملات التهويل والابتزاز، وإن مشكلة تأخير تشكيل الحكومة ليست معه فحسب، وإنما مع اللبنانيين والمجتمع الدولي الذي أتاح لنا فرصة إعادة لبنان إلى خريطة الاهتمام الدولي.
كما نُقل عنه ارتياحه للجهود التي يقوم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي من خلال مبادرته التي ما زالت تتصدّر عظاته كل يوم أحد، وأيضاً ارتياحه إلى موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يدعوه باستمرار إلى عدم اعتذاره عن تأليف الحكومة، إضافة إلى ارتياحه لتحسُّن العلاقة وباستمرار مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.
وبالنسبة إلى ما يتردد عن معاودة الوساطات بين عون والحريري، أكد المصدر أن لا شيء على هذا الصعيد، وأن رئيس الجمهورية لم يعطِ مجالاً للمحاولة التي قام بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وبالتالي انتهت عند حدود الجولة التي قام بها رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب على الرؤساء الثلاثة والتي كان له دور في الإعداد لها.
وعلى صعيد الرئيس بري، فإنه لم يبادر إلى تشغيل محركاته باتجاه بعبدا وبيت الوسط، مع أنه لم يسبق له أن بقي صامتاً بلا حراك إبان اشتداد الأزمات في السابق، بخلاف اليوم، ربما لاعتقاده بأن مبادرته ستصطدم بتصلُّب عون وتمسكه بشروطه، فيما لم يطلق «حزب الله» أي إشارة تمهّد لقيامه بوساطة، وإن كان يذكّر على الدوام في بياناته الأسبوعية الصادرة عن كتلته النيابية «الوفاء للمقاومة» بالإسراع بتشكيل الحكومة من دون أن يتقدّم بأفكار وسطية لفض النزاع القائم بين عون والحريري، وهذا ما أكده مصدر مقرب من رؤساء الحكومات، عازياً السبب إلى أن مواقف الحزب من عون معروفة وليس في وارد التخلي عنه وحشره في الزاوية.
وبكلام آخر، فإن «حزب الله» لا يزال يطلق إشارات إعلامية حول رغبته بالتدخل ربما لإرضاء محازبيه الذين يسألون عن دوره، لأن وضعهم العام أسوة بالآخرين لم يعد يطاق.
لذلك، فإن الحزب وإن كان يدخل في مهادنة متبادلة مع الحريري فإنه لن يبدّل، حتى إشعار آخر، في موقفه من عون وباسيل لغياب البديل المسيحي الذي يوفّر له الغطاء السياسي، إضافة إلى أنه يتفهّم بعيداً عن الأضواء مطالبة باسيل بتشكيل حكومة سياسية للإطاحة بحكومة مهمة، باعتبار أن المرحلة في لبنان معطوفة على المتغيرات في المنطقة مع وصول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض، علماً بأن أمينه العام حسن نصر الله كان لمح في أكثر من مناسبة إلى ضرورة تفهم انعدام الثقة بين الأطراف التي لا يمكن تبديدها بلا توفير الضمانات لهم.
وعليه، فإن الحزب وإن كان ينأى بنفسه عن الدخول في سجال مع الحريري حرصاً منه على قطع الطريق أمام عودة الاحتقان السنّي - الشيعي، فإنه لا يعترض ضمناً على شروط حليفه عون ومن خلاله باسيل، لأنهما ينوبان عنه في توفير الحماية لظهيره الداعم له أي إيران، التي ليست في وارد الإفراج عن ولادة الحكومة قبل أن تستكشف نيات بايدن في تعاطيه مع ملف العلاقات الأميركية - الإيرانية التي بلغت مرحلة من التأزُّم طوال الفترة التي أمضاها سلفه الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».