بتول ووحيد... «عصفورا حب» جمعهما المطبخ والسكّر

بتول رشيد وزوجها وحيد بدران شريكها وتوأم روحها وعشقها للسكر والحلويات أشبه بعصفوري حب في مطبخ صغير بدأ فيه حلم حياتهما في تأسيس عمل مشترك تفجر فيه بتول ولعها بابتكار الحلوى الفريدة من نوعها في مطبخ مركزي يوزع الحلويات إلى العديد من المطاعم والمقاهي المعروفة في لندن.
لفتتني صفحة Batooli’s على تطبيق إنستغرام، وبعد أن تلقيت دعوة من بتول لتذوق حلوياتها، زرت مطبخها الواقع في منطقة «أكتون» الصناعية، التي تعتبر ركن المطابخ العربية التي تعتمد بغالبيتها على أسلوب الجملة وليس المفرق، والحضور الشرق أوسطي كبير فيها لأنها تضم أهم المخابز العربية التي تزود المتاجر الكبرى في لندن بالخبز اللبناني وغيره.
بتول أردنية من أصول فلسطينية، طاهية وخريجة جامعة اليرموك، حائزة على شهادة في علم الآثار مولعة بتاريخ الطعام والفن، بعد انتقالها للعيش في لندن انضمت في يناير (كانون الثاني) عام 2014 إلى برنامج «The Prince’s Trust» الذي يشرف عليه الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا وهدفه تشجيع المواهب وتنميتها ووضعها على السكة الصحيحة.
وبدأت بتول العمل بجهد لتحقيق حلمها الذي يتمثل في عمل خاص بها تظهر فيه مهاراتها في تحضير الحلوى بعدما وجدت أن هناك حاجة في السوق البريطانية لأنواع جديدة من الحلوى.
في عام 2017 التقت بوحيد وهو سوري الجنسية، وبدأت قصة الحب التي توجت بالزواج والعمل معاً، فالحب جعل وحيد يتخلى عن عمله في قطاع حقوق الإنسان ليحقق حلم بتول، واليوم يعملان معاً، يخططان سوياً لمستقبل واعد وأحلام عديدة على رأسها امتلاك مقهى خاص بهما يقدم أصنافاً من الحلوى الفريدة من نوعها، على أمل أن يكبر الحلم ويملكان سلسلة من المطاعم التي تحمل علامة «بتوليز».
يعمل وحيد وبتول بمبدأ يعرف في أوروبا بالـDark Kitchen أو Central Kitchen وهذا النوع من المطابخ يكون مركزاً لتصنيع الطعام وابتكار لوائح خاصة بكل مطعم وتنفيذها وتوصيلها إليه ليتم بيعها بالمفرق، وهذا الأسلوب متبع بشكل كبير في أوروبا وفي لندن تحديداً لعدة أسباب، أهمها تقليص المدفوعات، فرواتب طهاة الحلوى تكون عالية في الكثير من الأحيان، فهذه الطريقة تكون الأفضل.
بدأ الحديث العفوي مع وحيد الذي يتولى مهمة تنظيم العمل والأوراق الرسمية والحسابات وتوصيل الحلوى إلى المطاعم، بالإضافة إلى إبداعه في تحضير الآيس كريم، أما بتول فمهمتها الحلوى التي تتراوح ما بين الشرقي والغربي ولكن بنفس جديد ورشيق وحيوي يعكس سنها الصغيرة، فهي شابة في مقتبل العمل، بشوشة، وتعشق عملها وطموحة جداً، شاء القدر بأن ترتبط برجل يحبها ويحب عملها ويساعدها في كل خطوة.
عملت بتول منذ وصولها إلى لندن في عدة مطاعم شهيرة إلى جانب أهم الطهاة واكتسبت منهم خبرات كثيرة، فتعلمت الكثير في مطعم «لانيما»، و«ذا كونوت» و«هاني إند كو» و«كونديتور إند كوك»، ومقهى «كاتاليست» وعملت أيضاً طاهية حلوى في ناديي تشيلسي وتويكنغهام لكرة القدم.
سؤالي الأول كان: «ألا تشعران بالممل لأنكما تمضيان جميع أوقاتكما معاً؟»، جاوب وحيد بسرعة قائلاً: «بتول تختلق الأعذار لتكون معي، لدرجة أنها تحضر الحلوى في الصباح الباكر ليكون لديها الوقت لمرافقتي في مشوار التوصيل إلى المقاهي والمطاعم في حافلتنا الصغيرة»، فضحكت بتول وقالت: «هذا الكلام صحيح، أنا أحب كل لحظة أقضيها مع وحيد، فنحن نتعاون في جميع الأمور وأول هدية أهداني إياها لمطبخي كانت هذه الماكينة الصغيرة لصنع الآيس كريم، وبعدها استطعنا معاً شراء ماكينة إيطالية للمحترفين تعتبر الأفضل من نوعها».
التناغم والتنظيم في المطبخ الصغير المؤلف من طابقين والذي تفوح من كل زاوية فيه رائحة جميلة واضح جداً، وأكثر ما شدني في المكان وجود ورقة على الباب من الداخل، رسمت عليها أشكال غريبة وكلمات مشرذمة ومتفرقة، قالت لي بتول إن هذه الورقة تجسد بداية الحلم، لأن هذه الطلاسم هي رؤيتهما للحلم الذي بدأ وآخذ بالتوسع بعدما أصبح لديهما عدد كبير للمقاهي التي تعتمد على حلويات «بتوليز».
والآن حان وقت تذوق تلك القطع الصغيرة المنمقة والملونة من صنع بتول، بدأنا بـ«البراونيز» المحشوة بالحلاوة الطحينية، وأخرى بنكهة الـRed Velvet ونوع فيغن بنكهة الشوكولاته، بالإضافة إلى البسبوسة على طريقة بتول، وكيك مغلف بصلصة التوت الطبيعية وكيك الفستق الحلبي الذي لا يقاوم ويقدم في مطعم «بيت الزيتون» اللبناني الواقع بمنطقة «أكتون» بلندن. النكهات لا يمكن وصفها بكلمات، فهي بالفعل مميزة لا سيما حلوى الفستق، وأهم ما يميزها هو استخدام السكر بشكل متوازن، كما أن الصلصات مصنوعة من مواد خالية من الألوان والنكهات الصناعية مثل صلصة التوت أو الفستق وغيرها.
ألحت بتول بأن نجرب الآيس كريم الذي يبتكره وحيد بنكهات عديدة مثل الشوكولاته والفستق والمهلبية والماستيكان وزهر البرتقال، وتلك هي النكهات التي تسجل أعلى نسبة بيع في المطبخ. لم أكن متحمسة في بداية الأمر لأني لست من أنصار هذا النوع من الحلوى، فأصرت على إعطائي ثلاثة أنواع منها: الشوكولاته، والماتشا واللايتشي، أنا لا أبالغ في وصف تلك الأصناف بالغير عادية، بالفعل ومن دون أي مبالغة بوظة الشوكولاته رائعة المذاق لأنها تشبه الشوكولاته الذائبة وسكرها بكمية كافية، أما اللايتشي فهي خالية من النكهات الاصطناعية فتشعر وكأنك تأكل هذه الفاكهة حبة حبة بحرارة منخفضة، لمحبي الماتشا التي تدخل حالياً في العديد من المشروبات والأطباق، فقد تكون لذيذة لمحبيها لأن مذاقها لا يستهوي الجميع ولكنها لذيذة بالطريقة التي يحضرها وحيد.
وعن الآيس كريم، قال وحيد إنه بصدد إبرام اتفاقيات مع عدد من كبريات السوبر ماركت في بريطانيا لبيعها فيها في حاويات تحمل اسم «بتوليز» وهناك مخطط بأن تصبح العلامة متوفرة في جميع أرجاء أوروبا.
وعن صنف الحلوى المفضل لدى وحيد، قال إنه يعشق نكهة الشوكولاته والكوكيز والكريمة، أما بتول فهي تفضل نكهات العسل والخزامى والشوكولاته البيضاء والبرتقال والزعتر.
وحيد يعتني بجميع التفاصيل الإدارية والتسويقية لكي يسهل على نصفه الآخر المسائل مما يجعل بتول تركز على ابتكار وصفات جديدة وتنفيذها، ولهذا الأمر قرر وحيد أن يتولى عملية تصوير الحلويات بنفسه بدلاً من دفع مبالغ طائلة لمصور طعام محترف، فاشترى «فود ستوديو»، وهي عبارة عن علبة متوسطة الحجم تضع بداخلها الطبق تحت ضوء ناصع يساعدك على التقاط أجمل الصور بخلفية جميلة وإنارة مناسبة، مستخدماً هاتفه الجوال بكاميرا عالية الدقة.
وتقوم بتول إلى جانب تخصصها في تحضير الحلوى، بطهي المأكولات الشرقية لمناسبات خاصة تتولى فيها الـ«كايترينغ» الكامل وتعتمد في أطباقها المالحة على الابتكار والإبداع أيضاً إن كان من حيث تصميم الشكل أو النكهة.
وفي ختام اللقاء كان لا بد من ذكر الجائحة وتأثيرها على عمل بتول ووحيد، وكان الجواب بأن «فيروس كورونا أثر على عملهما سلبا بسبب إقفال عدد كبير من المطاعم أبوابها، كما أن هناك نسبة كبيرة من المقاهي التي أقفلت أبوابها بشكل نهائي، ولكن من المهم أن نبقى صامدين ونتابع عملنا في البحث عن عملاء جدد».