يستعد وزير الخارجية الأميركية الجديد أنتوني بلينكن لتسلم مهامه الأسبوع المقبل على الأرجح، ليباشر على الفور تنسيق الجهود في محاولة لتطبيق وعود الرئيس جو بايدن بإعادة الولايات المتحدة إلى مكانتها القيادية في العالم، عبر فريق سيعمل على جبهات دبلوماسية عديدة، ليس فقط لإصلاح الأضرار التي لحقت بالعلاقات مع بعض الحلفاء التقليديين، بل أيضاً لمواجهة التحديات والتهديدات الماثلة على جبهات عدة؛ ومنها التوترات التي تصاعدت خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب مع كل من الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران.
ورغم أن المصادقة على تعيينه لا تواجه اعتراضات رئيسية من أعضاء مجلس الشيوخ، لم يتضح بعد موعد حصول ذلك.
وسيشرع بلينكن على الفور في تنفيذ خطة الإدارة الجديدة لاستعادة العلاقات المتوازنة مع الحلفاء القدامى للولايات المتحدة في محيطها، لا سيما كندا والمكسيك، وعبر الأطلسي وفي الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وسيكون ذلك بمثابة تطبيق لرسالة بايدن إلى الحلفاء، وكذلك ضمناً إلى الخصوم، إذ قال: «لمن هم خارج حدودنا: جرى إخضاع أميركا لاختبار، وعُدْنا أقوى من أجلها. سنصلح تحالفاتنا وننخرط مع العالم مرة أخرى».
لكن عملية الانخراط التي سيقودها وزير الخارجية الجديد لم تُكشف تفاصيلها على الفور. وبصرف النظر عما قاله بلينكن خلال جلسة الاستماع أمام أعضاء مجلس الشيوخ، حين كرر تعهد الولايات المتحدة صون تحالفها القديم مع السعودية، مشدداً على أن بلاده ستقوم «بما يجب للمساعدة في الدفاع عن السعودية ضد العدوان الموجه ضدها، بما في ذلك من اليمن»، سيواصل وزير الخارجية مساعي بدأت خلال عهد وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، ولكن يتوقّع أن تكون بمقاربة جديدة من أجل إنهاء الحرب بين الأطراف اليمنية ودعم الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الأمم المتحدة لإعادة الأطراف المعنية إلى طاولة الحوار السياسي بعد التخلي عن الحلول العسكرية.
المقاربة مع إيران
وربط بلينكن المقاربة الجديدة باحتمالات عودة الإدارة الأميركية، ولكن من دون استعجال، إلى خطة العمل المشتركة الشاملة، أي الاتفاق النووي، مع إيران. ولكن إذا عادت طهران إلى «الامتثال» لواجباتها، فضلاً عن «معالجة قضايا أخرى»، كما قالت الناطقة باسم البيت الأبيض جينيفر ساكي للصحافيين، في إشارة إلى أمرين ملحين بالنسبة إلى الإدارة الجديدة؛ وهما وقف إيران تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ووقف إمدادات الأسلحة للجماعات المتطرفة في كل من اليمن ولبنان وسوريا والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وهذه واحدة من الأمور بالغة الأهمية أيضاً بالنسبة إلى إسرائيل، التي أعلن بلينكن أن الولايات المتحدة ستحافظ على حلفها الوثيق معها، مؤكداً في الوقت ذاته أن السفارة الأميركية ستبقى في القدس، ولكنه وعد بـ«إعادة ضبط» السياسة التقليدية لبلاده للضغط من أجل تنفيذ مبدأ «حل الدولتين»، معترفاً بأن «التحدي بالطبع هو كيفية المضي قدماً» في هذه العملية.
وكذلك ترفض إسرائيل «العودة التلقائية» للولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. بينما بدأت الأصوات ترتفع رفضاً لتسريبات عن احتمال أن تقدم إدارة بايدن على تعيين روبرت مالي، الذي كان عضواً في مجلس الأمن القومي خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما وشارك في المحادثات التي أدت إلى خطة العمل المشتركة لعام 2015، كمبعوث جديد لإيران. وفي رد على التسريبات، وجهت مجموعة من الرهائن الأميركيين السابقين والسجناء السياسيين الإيرانيين وصحافيين وناشطين إيرانيين أميركيين، رسالة إلى المسؤولين في الإدارة الجديدة يرفضون فيها اختيار روبرت مالي مبعوثاً إلى إيران، مذكرين بأن «هذا الاختيار يتعارض مع تعهد بايدن إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان».
روسيا والصين
ومع دخوله الجديد إلى مبنى الوزارة، سيتعرف بلينكن على حجم المشاكل التي ورثها من العهد السابق. ومع ذلك بدت ملامح ما يواجهه تظهر في قضايا رئيسية آنية، إذ أكد على سبيل المثال أن الولايات المتحدة لن تبقى مكتوفة حيال الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له على أيدي عملاء لجهاز المخابرات الخارجية في روسيا، وأنها سترد عليه في «التوقيت المناسب». وكذلك انتقد بلينكن قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيد اعتقال زعيم المعارضة أليكسي نافالني، معتبراً أن التحدي الذي تمثله روسيا «ملح». ولم تحل الإجراءات المرتقبة دون إعلان المسؤولين في الإدارة الجديدة رغبتهم في التمديد خمس سنوات إضافية لمعاهدة «ستارت الجديدة» التي تنص على عدم نشر أكثر من 1550 من الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة وروسيا، لأن ذلك «يصب في مصلحة الأمن القومي» الأميركي، علماً بأن مفعول المعاهدة ينتهي في 5 فبراير (شباط) المقبل.
وفي الوقت ذاته، تشكل الصين «أكبر تحدٍ» للولايات المتحدة باعتراف بلينكن الذي أشار إلى تصاعد التوترات معها بدرجة كبيرة خلال عهد ترمب الذي فرض في الأيام الأخيرة من ولايته سلسلة إجراءات عقابية ردت عليها الحكومة الصينية فوراً بمعاقبة مسؤولين أميركيين. وحتى بتوقيع بايدن قرار العودة إلى اتفاق باريس للمناخ، رأى بلينكن أن ذلك سيحشد الدعم الحيوي من الحلفاء، ما يوفر «مصدر قوة لنا في التعامل مع الصين».
وفي أفغانستان، حيث يستمر سحب القوات الأميركية، بناء على اتفاق الإدارة السابقة مع حركة «طالبان»، لم يجرِ إطلاع بلينكن مسبقاً على التفاصيل الكاملة المتعلقة بالاتفاق. بيد أنه قال إن «علينا أن ننظر بعناية فيما جرى التفاوض عليه بالفعل (...) لنفهم بشكل كامل ما الالتزامات التي تعهدتها طالبان أو التي لم تتعهدها» مع الإدارة السابقة، علماً بأن بعض الجمهوريين وكذلك الديمقراطيين يعارضون الصفقة بين الولايات المتحدة و«طالبان»، لأنها «تعرض الأفغان للخطر»، ويريدون من بايدن إنهاءها.