«انتحاريا الطيران» يوقظان كوابيس بغداد

استيقظت العاصمة العراقية بغداد، أمس، على وقع تفجير انتحاري مزدوج مفاجئ، أيقظ أسوأ كوابيس البلاد التي شهدت هدوءاً نسبياً لسنوات وجدد المخاوف من عودة العنف. وأعلنت السلطات سقوط 32 قتيلاً على الأقل وأكثر من 110 جرحى.
ورغم أن أي جهة لم تتبن الهجوم، فإن الطريقة التي تمت بها عملية الهجوم وشرحها المسؤولون الأمنيون في وزارتي الدفاع والداخلية تحمل بصمات تنظيم «داعش»، إذ ادعى الانتحاري الأول أنه مريض فتجمع الناس حوله لمساعدته، ففجر نفسه فيهم. وحين تجمع الناس بأعداد أكبر لينتشلوا الضحايا، فجر الانتحاري الثاني نفسه فيهم.
التفجير الذي استهدف ساحة الطيران الأكثر اكتظاظاً بالمارة والمتسوقين وعمال اليومية، هي ذاتها الساحة التي كانت لها حصة الأسد من الضحايا أيام التفجيرات الضخمة التي كانت تشهدها بغداد والتي كانت أحياناً تشمل تفجيرات عدة في اليوم الواحد.
ورغم استمرار العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم «داعش» في مناطق مختلفة من العراق، لا سيما في غرب البلاد، فضلا عن قيامه قبل نحو ثلاثة أيام بتفجير محطات طاقة كهربائية بالقرب من منطقة جرف الصخر شمالي محافظة بابل (100 كلم جنوب بغداد)، فإن الأسلوب الذي اتبع في تفجير أمس لم يكن متوقعاً حدوثه، خصوصاً بعد سريان الهدوء الأمني في العاصمة لنحو 5 سنوات.
وزار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي موقع الهجوم، وأمر بإجراء تغييرات في المفاصل الأمنية التابعة لقيادة عمليات بغداد، كما دعا الأجهزة المسؤولة إلى تكثيف الجهد الاستخباراتي. وعقد اجتماعاً أمنياً موسعاً ضم وزراء الدفاع والداخلية والأمن الوطني وقيادة عمليات بغداد ورؤساء الأجهزة لمناقشة تداعيات الاعتداء.
وأكد الكاظمي أن «الاستهداف الإرهابي للمدنيين من أبناء شعبنا، يؤكد أن معركتنا ضد الإرهاب مستمرة وطويلة الأمد، وأنه لا تراجع ولا تهاون في محاربته والنيل من بقاياه في كل شبر من أرض العراق».
وأضاف خلال الاجتماع الذي عقد في مقر قيادة عمليات بغداد: «لقد وضعنا كل إمكانات الدولة وجهود قطاعاتنا الأمنية والاستخبارية، في حالة استنفار قصوى، للاقتصاص من المخططين لهذا الهجوم الجبان وكل داعم لهم، وسنقوم بواجبنا لتصحيح أي حالة تهاون أو تراخٍ أو ضعف في صفوف القوات الأمنية التي أحبطت خلال الأشهر الماضية المئات من العمليات الإرهابية المماثلة».
وشدد على «عدم السماح بتشتت الجهد الاستخباري أو تعدد مصادر القرار في القوى الأمنية والعمل على تنفيذ تغييرات أمنية بحسب ما تقتضيه الضرورات الميدانية، وأن هذه التغييرات لن تخضع للضغوطات والإرادات السياسية». وأكد أن «هذا ليس وقت المزايدات السياسية، بل وقت توحد العراقيين ورص الصفوف وشد أزر جيشنا الباسل وقواتنا الأمنية بمختلف صنوفها، لحماية استحقاقات شعبنا الوطنية وفي مقدمتها سعيه إلى انتخابات نزيهة وعادلة».
وقال الرئيس العراقي برهم صالح عبر حسابه على «تويتر»: «الانفجاران الإرهابيان ضد المواطنين الآمنين في بغداد، وفي هذا التوقيت، يؤكدان سعي الجماعات الظلامية لاستهداف الاستحقاقات الوطنية الكبيرة وتطلعات شعبنا في مستقبل يسوده السلام. نقف بحزم ضد هذه المحاولات المارقة لزعزعة استقرار بلدنا».
وطالبت المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق، أمس، الأجهزة الأمنية بالقيام بواجباتها في حماية الأرواح والممتلكات ومعاقبة المقصرين من منتسبيها. وحملت الأجهزة الأمنية مسؤولية الخرق والانتكاسة الأمنية التي حصلت، محذرة من تكرارها لما فيها من انعكاسات سلبية على حياة وأمن المواطنين. وقال أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين الدكتور حسين علاوي لـ«الشرق الأوسط» إن «تنظيم داعش هو من يقف خلف هذه العملية الإرهابية»، معتبراً أنه «أراد بعمليته هذه في ساحة الطيران ببغداد إرسال ثلاث رسائل تتعلق بأنشطته الإرهابية التي لم تتوقف وإن اختلفت الأساليب والصيغ».
وأضاف أن «داعش يريد استثمار التشاحن السياسي في البلاد والفوضى التي تولدت نتيجة التسابق على ما هو سياسي بحيث أصبح متقدماً على كل ما عداه من قضايا تمس الناس والمجتمع، إذ يراد لذلك أن يكون تحدياً لحكومة الكاظمي».
وأشار علاوي إلى أن «هذا التنظيم الإرهابي يريد أن يعلن أنه لا يزال يمثل خطراً أمنياً عالمياً، وبالتالي فإنه يتعين على الإدارة الأميركية الجديدة التعامل معه ضمن مسار التهديدات المستمرة في الأمن العالمي». أما الرسالة الثالثة فهي «إنهاء تكتيك السبات في ظل كورونا وعودة الأنشطة الإرهابية في العراق استثماراً للمناخ المساعد».
ورأى أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية الدكتور فاضل البدراني في الاعتداء «رسالة تحذير للطبقة السياسية من أن جماعات العنف تتربص بالعراق في أي وقت وفي مختلف الأماكن، فيما هذه القوى الحزبية تتعالى على الشعب والحكومة، بل وتتعامل بترف اقتصادي وفساد مالي وإداري». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه التفجيرات يجب أن تكون درساً للعراقيين بضرورة معالجة الأخطاء وأيضاً رسالة للعالم بأهمية الوقوف بجانب العراق ومعالجة أوضاعه لكيلا يعود العنف له بعد غياب دام أربع سنوات».