تنقّل أفراد عائلات الضحايا مفجوعين في أروقة أحد مستشفيات بغداد من سرير إلى آخر، في محاولة للتعرف على أحبائهم الذين أصيبوا في الاعتداء الذي حصد أكبر عدد من القتلى، منذ 3 سنوات، في العاصمة العراقية.
في مستشفى الشيخ زايد، تجمعت العائلات على بعد أقل من 3 كيلومترات من ساحة الطيران حيث فجر انتحاريان نفسيهما في الصباح، وقد نقلت 6 جثث و13 جريحاً يصارعون الموت، إلى المكان.
ووقع الاعتداء في موقع لتجمع عمال مياومين وسوق للملابس المستعملة في ساحة مزدحمة وسط العاصمة التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة.
وقام انتحاري أول بتفجير نفسه في سوق البالة، «بعد أن ادعى أنه مريض فتجمع الناس حوله»، حسب وزارة الداخلية، التي أوضحت أن الانتحاري الثاني فجر نفسه «بعد تجمع الناس لنقل الضحايا الذين أصيبوا في التفجير الأول».
وأغلب الضحايا الذين سقطوا هم من الباعة الذي يحاولون كسب لقمة العيش في بلد يمر بأسوأ أزمة اقتصادية، على خلفية انخفاض أسعار النفط والتراجع الحاد في قيمة العملة. وقال عباس سامي (25 عاماً) الذي كان يبحث عن شقيقه: «أخي متزوج وله طفلان وخرج هذا الصباح ليحضر شيئاً لإطعامهما. ماذا سيحدث لأبنائه الآن؟». وتسلم المستشفى ضحايا لم يتم التعرف عليهم بسبب شدة إصابتهم. وقال مازن السعدي الذي نجا بأعجوبة من الانفجار، وكان مع صديقه: «ابتعد بضعة أمتار عني. كنا سوياً لحظة التفجير. بعد لحظات اختفى، ولم أره». وبعد بعض الوقت، عثر على جثته في المستشفى. ومع تحديد الحكومة موعداً لانتخابات مبكرة، يخشى هذا الرجل «عودة التفجيرات».
وتحول الخلافات السياسية دون البتّ في اقتراح تأجيل أو إلغاء الانتخابات المبكرة. وقال السعدي لوكالة الصحافة الفرنسية: «عادت الصراعات السياسية... يعود بنا الزمن إلى الوراء». وتوقع البغداديون انتهاء زمن التفجيرات التي كان ينفذها انتحاريون في الماضي، وتخللها من قبل تفجير 15 سيارة مفخخة في يوم واحد، وهجمات أسفرت عن سقوط 300 قتيل. فمنذ 2017 تاريخ إعلان الانتصار على «تنظيم داعش» حصل نوع من الاستقرار. لكن الخوف والقلق عادا ليخيما على الجميع اليوم، ويذكرا بتجارب الماضي.
وقال أبو زينب، الذي توفي شقيقه في مستشفى الشيخ زايد: «كيف تسلل الدواعش إلى قلب بغداد؟ ألم تعلن الحكومة النصر على (داعش)؟».
ولم تتبنَ أي جهة الاعتداء، لكن أسلوبه يذكر باعتداءات «تنظيم داعش». واعترف مسؤول استخباراتي، رفض الكشف عن اسمه، بحدوث خرق. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «كنا في حالة تأهب لاحتفالات نهاية العام، وتوقعنا وقوع هجمات، وفي النهاية لم يحدث شيء. خذلنا حذرنا».
وكغيره ككثير من العراقيين، حمّل أبو زينب المسؤولية للفساد الذي ينخر في كل المؤسسات، بما فيها تلك التي يفترض أن تضمن أمن الجميع. وقال: «ما دام الفساد ينخر المؤسسات الأمنية، لن يعود الأمن، وأصبح العراقي حطب نار الصراعات بين السياسيين».
وقال البعض إنهم جالوا على كثير من المستشفيات الأخرى، من دون أن يجدوا أحباءهم. وقال عباس سامي: «لم نرتح طويلاً، وعادت التفجيرات الآن، مع تردي الوضع الاقتصادي». وأضاف بحسرة: «بات من المستحيل العيش في هذا البلد».
رحلة بين المستشفيات بحثاً عن الضحايا
رحلة بين المستشفيات بحثاً عن الضحايا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة