ترحيب أممي «حار» بقرارات بايدن حيال «المناخ» و{الصحة العالمية»

غوتيريش يتطلع لدور الولايات المتحدة «القيادي» ويشيد بـ«الخطوات الإيجابية» نحو اللاجئين

الرئيس ونائبته وأسرتاهما حضروا صلاة «افتراضية» من البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب)
الرئيس ونائبته وأسرتاهما حضروا صلاة «افتراضية» من البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب)
TT

ترحيب أممي «حار» بقرارات بايدن حيال «المناخ» و{الصحة العالمية»

الرئيس ونائبته وأسرتاهما حضروا صلاة «افتراضية» من البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب)
الرئيس ونائبته وأسرتاهما حضروا صلاة «افتراضية» من البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب)

رحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «بحرارة» بالخطوات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فور توليه الحكم لإعادة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ، معبراً عن تطلعه إلى دورها القيادي لتسريع الجهود العالمية نحو الوصول إلى صفر انبعاث لغازات الاحتباس الحراري. وأشاد أيضاً بالتراجع عن الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، و«الخطوات الإيجابية» الأخرى في قضايا الهجرة واللاجئين.
وأقر اتفاق باريس للمناخ في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2015 من كل الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة. ويتضمن تعهداً للعمل من أجل خفض الانبعاثات، والحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى أقل من 1.5 درجة مئوية بدل 3.2 درجات مئوية متوقعة خلال العقود المقبلة. وكانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب أخطرت الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بانسحابها من الاتفاق.
باعتبار الأمم المتحدة هي الجهة الوديعة لاتفاق باريس للمناخ، تسلم الأمين العام للأمم المتحدة الرسالة الأميركية المؤرخة في 20 يناير (كانون الثاني) 2021، ثم وزّع مكتبه بلاغاً يفيد بأن العضوية الأميركية ستصير نافذة - وفقاً للمادة 21 (3) من الاتفاق - بعد 30 يوماً من تاريخ الانضمام، أي في 19 فبراير (شباط) 2021.
وعلى أثر تلقيه الرسالة، قال الأمين العام في بيان: «أرحّب بحرارة بخطوات الرئيس بايدن لإعادة الدخول إلى اتفاق باريس للتغيّر المناخي، والانضمام إلى التحالف المتنامي من الحكومات والمدن والدول والشركات والناس الذين يتخذون إجراءات طموحة لمواجهة أزمة المناخ». وإذ ذكّر بمقررات قمة الطموح المناخي التي انعقدت العام الماضي، أشار إلى البلدان التي تنتج نصف التلوث الكربوني العالمي «التزمت الحياد الكربوني»، ملاحظاً أن التزام بايدن «يرفع هذه النسبة إلى الثلثين. ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل لنعبره». وأضاف أنه «يتطلع إلى قيادة الولايات المتحدة في الإسراع بالجهود العالمية نحو الوصول إلى الصفر في انبعاث غازات الاحتباس الحراري، بما في ذلك عبر تقديم مساهمة جديدة محددة وطنياً بأهداف طموحة لعام 2030 وتمويل المناخ» قبل مؤتمر الأطراف في اتفاق الأمم المتحدة الإطاري المعني بتغير المناخ، المعروف باسم «كوب 26»، في غلاسكو لاحقاً هذا العام. وعبر عن التزامه العمل عن قرب مع الرئيس بايدن والزعماء الآخرين للتغلب على حال الطوارئ المناخية والتعافي بشكل أفضل من «كوفيد - 19».
- الأمن الصحي العالمي
كذلك، كتب الرئيس بايدن للأمين العام يعلن أن رسالته «تشكل تراجعاً» من الحكومة الأميركية عن رسالة الرئيس السابق دونالد ترمب في 6 يوليو (تموز) 2020، والتي أبلغ فيها أن بلاده تعتزم الانسحاب من منظمة الصحة العالمية بحلول 6 يوليو 2021. وأكد بايدن أن «الولايات المتحدة تنوي البقاء عضوا في منظمة الصحة العالمية»، التي «تضطلع بدور حاسم في الحرب العالمية على جائحة كوفيد - 19 القاتلة، بالإضافة إلى تهديدات أخرى لا حصر لها للصحة والأمن الصحي العالميين». وشدد أيضاً على أن بلاده ستكون «مشاركاً كاملاً ورائداً عالمياً في مواجهة تهديدات كهذه، ودفع الصحة والأمن الصحي العالميين».
ورحّب غوتيريش بما أورده بايدن في رسالته. وقال في بيان منفصل إن تقديم الدعم لمنظمة الصحة العالمية «مهمّ للغاية في جهود العالم لتحسين الاستجابة المنسقة لجائحة كوفيد - 19»، مضيفاً أن «الوقت حان للاتحاد ولعمل المجتمع الدولي معا بروح التضامن لوقف انتشار الفيروس وآثاره المدمرة». وذكر بأن «اللقاحات أداة مهمة في المعركة ضد كوفيد - 19»، معتبراً أن انضمام الولايات المتحدة لعملية «كوفاكس» الأممية المعنية بالإتاحة العادلة للقاحات «سيعطي زخماً لجهود ضمان حصول كل الدول على اللقاحات بشكل عادل».
- الهجرة واللاجئون
وفي بيان منفصل أيضاً، رحب الأمين العام بـ«الخطوات الإيجابية» التي أعلنها بايدن فيما يتعلق بالهجرة واللاجئين. وقال إنه «يتطلّع إلى العمل مع الإدارة الأميركية الجديدة لتعزيز التعاون المتعدد الأطراف في هذه المجالات»، آملاً في أن «يرى الولايات المتحدة تنضم إلى الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنتظمة». وإذ أشار إلى أن الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لتلبية حاجات المهاجرين واللاجئين «كان قوياً وثابتاً»، أكد أن «هذه الشراكة مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى» من أجل «تقديم المساعدة والحماية والحلول المستدامة لنزوح عدد قياسي من الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من ديارهم نتيجة للصراع أو العنف أو الكوارث، أو الذين يهاجرون أملاً في إيجاد حياة أفضل لأنفسهم ولذويهم».
كذلك، هنأ المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي القيادة الأميركية الجديدة. وأفاد في بيان بأن بايدن «لطالما كان مدافعاً قوياً عن اللاجئين»، مذكراً بأنه «قطع التزامات مهمة لاستعادة البرنامج الأميركي لإعادة توطين اللاجئين وضمان أن تكون حقوق الإنسان والقيم الإنسانية في قلب نظام اللجوء الأميركي». وقال إن مفوضية اللاجئين «تمتعت بدعم قوي وثابت من الحكومة الأميركية وشعبها لأكثر من 70 عاماً»، مضيفاً أن الدعم والشراكة «لا يقلان أهمية عن أي وقت مضى»، وهما ملحان الآن «لتوفير الحماية والمساعدة لأكثر من 80 مليون شخص حول العالم ممن أجبروا على الفرار من ديارهم». وأكد أنه يتطلع إلى «تعميق الشراكة القوية والموثوقة» مع الولايات المتحدة، والعمل مع الإدارة الجديدة والكونغرس «لمواجهة العديد من تحديات النزوح القسري في كل أنحاء العالم».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟