أكثر من نصف اللبنانيين فقراء... ودخل المياوم 6 دولارات في اليوم

TT

أكثر من نصف اللبنانيين فقراء... ودخل المياوم 6 دولارات في اليوم

«لم يكن ينقصنا إلا (كورونا)»... عبارة تلخص حال المياومين أو أولئك الذين يؤمنون قوتهم يوماً بيوم؛ فهذه الفئة هي الأكثر تضرراً من وباء «كورونا» وما فرضه من إقفالات تامة أو جزئية حرمتهم من القليل الذي كانوا يجنونه.
ويصف رئيس «الاتحاد العمالي العام»، بشارة الأسمر، المياومين بـ«(الفئة غير المرئية)؛ فلا أحد يلتفت إلى الأضرار التي أصابتهم جرّاء (كورونا)، وقبلها بسبب الأزمة الاقتصادية»، لافتاً في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن «عدد المياومين نحو 120 ألف شخص، وهنا نتحدث عن المياوم بتعريفه؛ أي الذي يستعان به في مؤسسات الدولة، وليس كل عامل يرتبط ما يجنيه بذهابه إلى العمل اليومي، كأصحاب المهن الحرة، مثل سائقي التاكسي أو الميكانيكي، وإلا ارتفع العدد ليصل إلى ما يشكل نسبة كبيرة جداً من القوى العاملة في لبنان».
ويشير الأسمر إلى أن ما يجنيه معظم المياومين لا يتجاوز 50 ألف ليرة؛ أي 33 دولاراً على سعر الصرف الرسمي، و6 دولارات على سعر السوق السوداء، «مما يجعلهم أساساً من الفئات الأكثر فقراً في المجتمع، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية، فضلاً عن أنهم لا يستفيدون من التقديمات الاجتماعية والرعاية الصحية وتعويضات نهاية الخدمة، مما يجعلهم فئة ضعيفة من الواجب حمايتها».
لم تدخل هذه الفئة في خطط الحكومة المتعلّقة بمكافحة وباء «كورونا»؛ إذ لم تحدَّد لها مساعدات خاصة، ولكن بعض أفرادها استفاد من «البرنامج الوطني للتكافل الاجتماعي» الذي وضعته وزارة الشؤون الاجتماعية في شهر أبريل (نيسان) الماضي، والذي كان بإشراف رئاسة الحكومة، وانتهى بتوزيع 400 ألف ليرة عبر الجيش اللبناني على 200 أسرة محتاجة انطلاقاً من بيانات تقدّمت بها وزارات عدّة؛ بينها وزارة الشؤون الاجتماعيّة.
وفي ظل الإقفال الذي بدأ الخميس الماضي، أعطى وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال، غازي وزني، الأسبوع الماضي توجيهاته بدفع 75 مليار دولار سلفة خزينة لـ«الهيئة العليا للإغاثة»، تنفيذاً للخطة الاجتماعية الهادفة لمساعدة الأسر التي ترزح تحت أوضاع معيشية حادة بسبب الإجراءات المتخذة لمواجهة «كورونا»، والتي يفترض أن تستفيد منها نحو 250 ألف أسرة، بمبلغ 400 ألف ليرة سيوزعها الجيش.
ويعدّ هذا المبلغ أقل من الحد الأدنى للأجور المحدّد بـ675 ألفاً، فضلاً عن أن قيمته الشرائية انخفضت 80 في المائة بسبب انهيار العملة الوطنيّة وارتفاع نسبة التضخم، كما أن تحديد 200 عائلة فقط على أنها أسر محتاجة هو عدد قليل؛ حيث العدد الإجمالي للفقراء من اللبنانيين أصبح يفوق 2.7 مليون شخص، حسب خط الفقر الأعلى (أي عدد الذين يعيشون على أقل من 14 دولاراً في اليوم) حسب دراسة أعدتها «لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (إسكوا)». وأشارت الدراسة إلى تضاعف نسبة الفقراء في لبنان لتصل إلى 55 في المائة عام 2020 بعدما كانت 28 في المائة خلال 2019، وارتفاع نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع من 8 إلى 23 في المائة خلال الفترة نفسها.
وكانت موافقة البنك الدولي على قرض بقيمة 246 مليون دولار للبنان شكّلت أملاً في دعم الفئات المحتاجة، فرغم أنه لن يتم تخصيص أي مبالغ منها بشكل مباشر للمتضررين اقتصادياً من وباء «كورونا» حسبما يوضح ممثل وزارة الشؤون الاجتماعية في المفاوضات مع البنك الدولي عاصم أبو علي، فإنها ستدعم 150 ألف أسرة من الأسر الأكثر فقراً، بالإضافة إلى دعم نحو 87 ألف تلميذ في التعليم الرسمي حتى يتمكنوا من إكمال دراستهم.
ويشير أبو علي في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنه في «برنامج الأسر الأكثر فقراً» في وزارة الشؤون الاجتماعية، «لا يوجد تصنيف للمهن؛ فالمعيار هو الفقر، لذلك لا يمكن معرفة نسبة المياومين المستفيدين منه»، موضحاً أن «جزءاً من القرض الدولي سيخصص للخدمات الاجتماعية، مثل تدريب وتمكين الأسر الأكثر فقراً».



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.