ثلاثة أفلام جديدة تشاهدها في راحة البيت تجنباً للمخاطر

بينما تنتظر هوليوود «معجزة» من بايدن

مشهد من فيلم {خارج الشريط}
مشهد من فيلم {خارج الشريط}
TT

ثلاثة أفلام جديدة تشاهدها في راحة البيت تجنباً للمخاطر

مشهد من فيلم {خارج الشريط}
مشهد من فيلم {خارج الشريط}

أحدث خطاب الرئيس جو بايدن قبل يومين بمناسبة توليه رئاسة الولايات المتحدة الأميركية حالة قبول واسعة أمكن تسجيلها من خلال تعليقات وسائل الإعلام المختلفة، خصوصاً محطات التلفزيون التي نقلت الحفل المرتقب.
في هوليوود ذاتها، فإن الارتياح لوصول بايدن سالماً إلى كرسي البيت الأبيض واضح ليس فقط لأن مدينة لوس أنجيليس (وولاية كاليفورنيا بأسرها) معقل مهمّ للديمقراطيين فقط، بل لأن سياسة ترمب (حسب المحللين) أدت إلى حذر التمويل الخارجي من الدخول على خط المشاركة في الإنتاجات الأميركية. هذا لجانب أن التوتر الذي ساد العلاقات الأميركية - الصينية أدّى إلى تراجع خطط استكمال استحواذ السوق الصينية التي كانت، لعام مضى، في المرتبة الثالثة من حيث أهميتها بالنسبة للسوق الخارجية للفيلم الأميركي ثم باتت الثانية بعدما أغلقت العديد من صالات العالم أبوابها.
تتطلع هوليوود إلى خطّة نوعية للقضاء على الوباء لكي تستعيد صالات السينما نشاطها السابق ولكي تجذب الأفلام ذلك العدد الضخم من الزبائن كل يوم. هدف ما كان يمكن تسجيله منذ أن انتشر الوباء، ولم تنجح معالجة ترمب لأزمة الوباء في نشر الثقة بالمستقبل.

وباء بعد 16 سنة
شركات الأفلام في هوليوود على ثقة من أن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه قبل انتشار الوباء، وحالما يتم تأمين اللقاح في عموم أميركا. وبعض هذه الثقة تعود إلى أن فيلم «ووندر وومَن 84» سجل قرابة 36 مليون دولار في نحو شهر. صحيح أنه رقم متواضع قياساً بالمعتاد لمثل هذه الإنتاجات، إلا أنه أفضل بكثير من أفلام سابقة تم التضحية بها لاختبار استعداد المشاهدين. وحقيقة أن فيلماً أقل تكلفة وإبهاراً مثل «ذا ماركسمان» استطاع إزاحة «ووندر وومَن 84» عن سدّة «التوب تن» أوعز لكثيرين أن الأمور آيلة للتحسن.
على ذلك، لا يزال القسم الأكبر من المشاهدين متحلقين حول العروض المنزلية التي توفرها شركات عدة مثل أمازون وهولو ونتفلكس وديزني بلس وسواها. وفي حين كان على المرء متابعة برمجة الأفلام في صالات السينما لاختيار ما يريد مشاهدته، أدى الوباء لقبوله بمتابعة برمجة هذه الشركات كبديل.
على هذا الأساس، لا يمكن دحض الواقع المستجد حالياً، خصوصا أن الشركات لم تعد تدفع إلى الأمام بمشاريع صغيرة أو متواضعة فقط، بل تترجم اهتمامها بالجمهور المنزلي عبر تمويل مشاريع بميزانيات موازية لميزانيات شركات الأفلام.
بناء على ذلك، شهد الشهر الحالي استمراراً في وتيرة تأمين الإنتاجات المموّلة من قِبل هذه الشركات الطارئة، وسيشهد المزيد منه خلال الأسابيع المقبلة. في الحقيقة لن يخف هذا الزخم إلا مع نهاية انتشار الوباء الحالي.
أحد هذه الإنتاجات يتعامل مع موضوع الوباء… ليس وباء «كورونا» لكن ما هو قريب منه. وليس في هذه الأيام بل في سنوات قليلة قادمة.
هو فيلم لمايكل هولستروم (صاحب Escape Plan مع سلفستر ستالون وأرنولد شوارتزنيغر، سنة 2013) بعنوان «خارج الشريط» (Outside the Wire) باشرت «نتفلكس» بعرضه قبل أسبوعين تقع أحداثه على مسافة 15 سنة من اليوم، لكن مقومات موضوعه متوفرة في معطيات اليوم. يدور حول حرب أهلية كبيرة تقع في دول البلقان، وتدخل روسي في أوكرانيا انقلب عليها عندما أخذ قائد القوّة الأوكرانية الموالية للروس بالاستقلال بقراراته، والاستيلاء على صواريخ نووية تهدد الولايات المتحدة.
بطلا الفيلم (دامسون إدريس وأنطوني ماكي) لديهما مهمّة أخرى لجانب مواجهة المنشقين وسواهم من المحاربين الأشداء، وهي إيصال اللقاح للمحتاجين من الناس بعد انتشار واسع لوباء الكوليرا.
هناك القليل من التجديد في هذا الهيكل القديم للحكاية. مثلاً أحد بطلي الفيلم (وكلاهما من البشرة السوداء) أندرويد والآخر من البشر. الأول لديه الكلمة الأعلى لكن الثاني متمرد بالطبيعة. ينسج الفيلم بينهما علاقة متوترة يزيدها إلى كل ذلك التوتر الفعلي منه والمصطنع. كل شيء هنا ضوضائي التنفيذ والحوار أقرب إلى صريخ دائم في محاولة مستميتة من المخرج ليفرض ذلك التوتّر فرضاً عوض أن ينسجه بالنبش داخل شخصيّتيه.
البشر على نوعين
أفضل منه «النمر الأبيض» لرامين بحراني الذي سبق له وأن أخرج أفلاماً أميركية مستقلة عالجت مواضيع اجتماعية وشبه سياسية مثل «99 منزلاً» (2014) و«رجل يدفع عربة» (2005) ونسخة أميركية من «فهرنهايت 451» (2018).
كما في «99 منزلاً» تحتوي أجندة بحراني في «النمر الأبيض» (نتفلكس أيضاً) على بند يعادي «السيستم». في ذلك الفيلم هو ما يحدث لأصحاب منازل يتأخرون في دفع أقساطها بسبب البطالة والوضع الاقتصادي فتنبري مؤسسة تأمين على تنفيذ عملية السطو على تلك المنازل وتهجير أصحابها منها.
في «النمر الأبيض» استهداف نظام آخر. تم تصويره في الهند لأنه يروي حكاية هندية بالكامل تقع أحداثها داخل الهند وبطلها بلرام (أدارش غوراڤ) يدرك أن هناك نوعين من البشر: نوع سيّد ونوع خادم وهو، بكونه من النوع الثاني، يحاول أن يجيد عمله لعله يستطيع مستقبلاً التحوّل إلى النوع الأول. كان نشأ صبياً قامت عائلته بسحبه من المدرسة القروية التي كانت يتعلّم فيها ودفعت به إلى صاحب مزرعة يستثمر في مزروعات سواه لكي يحقق ثروته. هناك عاش بلرام في دعة حتى أصبح شاباً فترك الخدمة وتوجه إلى المدينة.
بعد حين هو سائق السيارة الخاصّة والرجل الساعي لتحقيق طموحات مادية بصرف النظر عن الأساليب التي سيلجأ إليها. هذا إلى أن تقع حادثة يدرك فيها أن الزوجين سيقدّمانه قرباناً للسلطات درءاً لخطر يحيط بهما.
‫تدلف شركة «أمازون» بدورها إلى الفيلم ذي القيمة. في «ليلة واحدة في ميامي» لرجينا كينغ دراما مُوجهة مباشرة إلى العروض المنزلية تدور حول لقاء بين أربعة أفرو - أميركيين من نجوم الزمن الغابر هم الداعي الثوري مالكولم أكس (كينغزلي بن - أدير) والملاكم محمد علي (إيلي غوري) والممثل جيم براون (ألديس هودج) والمغني سام كوك (لسلي أودوم جونيور). الفيلم يقدّم شخصيات حقيقية تدور في رحى متغيّرات نفسية. هذا يتضح مع شخصية محمد علي الذي كان لا يزال محتفظاً، حتى ذلك الحين، باسمه الذي وُلد به، كاسيوس كلاي، ومالكولم إكس الذي ترعرع في ظل الداعية أليجا محمد لكنه ينشد الانفصال عنه. ‬
تقع جل الأحداث في ليلة واحدة (إثر فوز محمد علي على صوني ليستون)، وتحتوي على سجال طويل من الحوار الدال على موقع كل من هؤلاء وموقفه من القضايا الاجتماعية. الممثلة رجينا كينغ في أول فيلم لها كمخرجة تعرف تماماً ما تريد وتحققه. تحوز على ثروة من الأبعاد من خلال اختلاف رغبات كل واحد من هؤلاء (سام كوك مثلاً يعيش عالم الزهو بثرائه إذ كان من نجوم الغناء في زمنه). يناشده مالكولم إكس ربط نجاحه بما هو أهم: الانفصال عن التبعية البيضاء التي تدير شؤون حياته كإنسان وكموهبة.
إذا ما أضفنا إلى هذا المنوال أفلاما تعرضها شركات أخرى، مثل «ديزني بلس» و«هولو» و«HBO Plus» فإن الناتج هجوم غير مسبوق على الجمهور الملتزم بقوانين التباعد الاجتماعي.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.