الأسد لمجلة «فورين أفيرز»: ليكون الحوار مثمرا يجب أن يجري مع الجماعات المسلحة

عشية اجتماعات موسكو التشاورية بين المعارضة والنظام

مقاتلو الجيش السوري الحر في درعا المحطة جنوب سوريا يتحصنون بأكياس رملية (رويترز)
مقاتلو الجيش السوري الحر في درعا المحطة جنوب سوريا يتحصنون بأكياس رملية (رويترز)
TT

الأسد لمجلة «فورين أفيرز»: ليكون الحوار مثمرا يجب أن يجري مع الجماعات المسلحة

مقاتلو الجيش السوري الحر في درعا المحطة جنوب سوريا يتحصنون بأكياس رملية (رويترز)
مقاتلو الجيش السوري الحر في درعا المحطة جنوب سوريا يتحصنون بأكياس رملية (رويترز)

في الوقت الذي بدأت فيه موسكو تحضيراتها لمؤتمر تشاوري يجمع معارضين سوريين مع ممثلين عن النظام السوري في موسكو الأربعاء القادم، وجه الرئيس السوري بشار الأسد انتقادات للقوى المعارضة مشككا بقوة تمثيلها على الأرض، وقال ينبغي أن يكون للمعارضة التي سنتفاوض معها «قواعد شعبية» و«نفوذ على الأرض»، لافتا إلى أن الجماعات المسلحة أعلنت مرارا أن المعارضة السياسية لا تمثلها ولا نفوذ لها عليها. وأكد الأسد أن «الحوار كي يكون مثمرا» يجب أن يجري بين الحكومة وهذه الجماعات المسلحة».
كما أكد على ضرورة التفريق بين «معارضة وطنية» وأخرى معارضة «دمى» وقال: «عندما يجري نقاش ينبغي أن يتم الفصل بين المعارضة الوطنية وبين شخصيات لا تعدو كونها دمى. ليس كل حوار مثمرا».
كلام الأسد جاء في مقابلة مع مجلة «فورين أفيرز» الأميركية نشرت نصه كاملا وكالة الأنباء الرسمية «سانا» عشية توجه الوفد الرسمي السوري إلى موسكو. وستجري المحادثات الأولية في موسكو بين جماعات المعارضة أولا في ظل غياب الائتلاف الوطني. ومن المتوقع ألا ينضم ممثلو الحكومة السورية إليها إلا يوم الأربعاء وهو اليوم قبل الأخير للمؤتمر.
وردا على سؤال بشأن محادثات موسكو، قال الأسد لمجلة «فورين أفيرز»: «ما سيجري في موسكو ليس مفاوضات للتوصل إلى حل.. بل إنه تحضير للمؤتمر» مع تأكيده على أن «أي حرب في أي مكان من العالم وكل حرب حدثت في الماضي تنتهي بحل سياسي، لأن الحرب نفسها ليست الحل». ولنجاح الحل برأيه يجب تحقيق مسألتين. الأولى: أن لا يكون الحوار «فقط بين الحكومة والمعارضة.. بل بين جميع الأحزاب والكيانات السورية»، والمسألة الثانية «العودة إلى الشعب من خلال استفتاء، لأن ذلك سيتعلق بالدستور وبتغيير النظام السياسي وأي شيء آخر، وبالتالي الشعب السوري هو من يقرر ذلك».
وعن طريقة التوصل إلى اتفاق بين الأطراف في سوريا، أكد الأسد على ضرورة التعامل مع ما أسماهم «المسلحين» بشكل مباشر، مستدركا أن هناك نوعين منهم، «الغالبية العظمى من أتباع القاعدة.. وينتظم هؤلاء في (داعش وجبهة النصرة).. وهناك فصائل مشابهة تنتمي إلى القاعدة لكنها أصغر حجما. وهناك ما وصفها أوباما بالمعارضة الوهمية.. أي المعارضة المعتدلة.. وهي ليست فعليا معارضة بل مجموعات مسلحة.. ومعظم هؤلاء أيضا إما انضموا إلى القاعدة أو انضموا إلى الجيش السوري مؤخرا». مضيفا أنه «خلال الأسبوع الماضي ترك عدد كبير من هؤلاء تلك المجموعات وعادوا إلى الجيش السوري». وعبر عن اعتقاده بعدم استعداد تنظيم القاعدة ومن هي مثلها للتفاوض، لذا رأى أن «عمليات المصالحة التي بدأناها والتي سيتابعها دي ميستورا تشكل الحل العملي على الأرض»، داعيا إلى «تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2170 الذي يتعلق بالامتناع عن دعم وتمويل وتسليح داعش والذي صدر قبل عدة أشهر». وقال الأسد إن «هذا القرار واضح لجهة منع أي جهة من دعم تلك الفصائل عسكريا أو ماليا أو لوجيستيا».
وفي رده على سؤال عما يمكن أن يقدمه نظام الأسد لبناء الثقة مع المعارضة لدعم عملية التفاوض، كإطلاق سراح المعتقلين تساءل الأسد «ما جدوى بناء الثقة مع أشخاص ليس لهم أي نفوذ؟» وأضاف: «ما العلاقة بين تلك المعارضة والسجناء؟ ليست هناك أية علاقة.. وهؤلاء ليسوا سجناءهم على أي حال»، مشيرا إلى وجود أمر ملموس واقعي يتمثل في المصالحات التي يجريها النظام على الأرض. وأضاف في هذا السياق: «هم يسلمون سلاحهم ونحن نمنحهم العفو.. فيعودون إلى حياتهم الطبيعية.. هذا مثال حقيقي يؤدي إلى بناء الثقة».
وحول تقسيم سوريا، قال الأسد: «إذا نظرت إلى الخارطة العسكرية الآن.. ترى أن الجيش السوري موجود في كل زاوية. في الشمال والجنوب والشرق والغرب وما بين هذه الزوايا. ولو لم نكن نؤمن كحكومة، بسوريا موحدة وبأنها يمكن أن تعود إلى وضعها السابق، لما كنا أرسلنا الجيش إلى كل تلك الجهات.. ولو لم نكن مؤمنين بذلك كشعب لكنت رأيت سوريا مقسمة وشعبها منقسما إلى غيتوات منعزلة على أساس عرقي أو طائفي أو ديني.. وطالما لم نصل إلى ذلك الوضع والناس يعيشون مع بعضهم البعض والجيش موجود في كل مكان.. فذلك يعني أننا جميعا نؤمن بأنه ينبغي أن تعود سوريا إلى ما كانت عليه.. وأنه ليس لدينا أي خيار آخر.. ولأنها إذا لم تعد إلى ما كانت عليه فإن ذلك سيؤثر في جميع البلدان المحيطة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم