يعتقد الأهل عامة أنّ أولادهم لا يصغون إلى ما يقولونه لهم في حوارات يومية يجرونها معهم. وبفعل انتقادات واسعة يوجهها الأبناء لذويهم تطبعها عبارة «أنتم دقة قديمة» تتوتر العلاقة بين الطرفين. ولكن ما قام به الصديقان فيليب وفانا بخصوص عادات وتقاليد حفظاها تقلب هذه المعادلة. فهما يؤكدان من خلال صفحة رقمية استحدثاها على تطبيق «إنستغرام» بعنوان «ليبانيز نيش» أنّهما تأثرا بوالديهما وبعادات وتقاليد لبنانية تعينهما في بعدهما عن أرض الوطن. ومن خلال هذه الصفحة يستعيدان ذكريات لبنانية، ويبرهنان على طريقتهما، عن حبّ وحنين كبيرين يشعران به تجاه الأهل ولبنان.
يعرض فيليب وفانا في تجربتهما الرقمية هذه أسلوب عيش لا يصح إلا في لبنان، يتناولانها بتفاصيلها الصغيرة ناقلين لحظات حياة يومية لها أدواتها وديكوراتها وعناوينها. وهي مجتمعة تؤلّف أساسيات قصة مواطن لبناني مع خدمة الـ«دليفري» وحفلات الزفاف والـ«مشاوير» في شارع الحمرا أيام العز. كما تلقي الضوء على إيقاع حياة الأهل في غرفة الجلوس أو في المطبخ وحتى عندما يقصدون الدكان في الحي. وتطول لائحة الموضوعات التي يعرّفون بها ضمن منشورات مصورة تحمل عناوين خاصة. ومن «نزال تك الديجونتير» و«في أكل بالبيت؟» و«عند التيتا» و«منقوشة زعتر» و«مار مخايل» وغيرها من عناوين نتعرف عن كثب على مدى تعلق هذا الجيل من الشباب ببلده.
وتعلّق فانا في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هي تفاصيل حياة لن يفهمها أو يتعرف إليها سوى اللبناني. إنّها بمثابة لغة خاصة. فإذا قلت أمام أحدهم (نزال تك الديجونتير) فهو بالتأكيد لن يستوعب معناها. وفي هذه الحال اللبناني يتماهى معها ويتذكر اللحظات التي يعيشها حين تنقطع الكهرباء، ويبتسم لاشعورياً».
في هذه المنشورات نتوقف عند كل صورة تتضمنها ونبتسم عندما نشاهد الكرسي البلاستيكي وهرم عصير «بونجوس» وراديو كاسيت وورقة الألف ليرة ومنقوشة، نكتشف أنّ موضوع المنشور يتعلّق بترويقة اللبناني من أحد أفران الحي الذي يسكنه.
فيليب زميل فانا منذ أيام الجامعة يقول لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما نجلس معاً فانا وأنا في قعدة بيتوتية ونمثل اسكتشاً حوارياً عن موضوع يراودنا كالأحاديث التي تدور في صالون نسائي مثلاً. وتبدأ الكلمات والعبارات تخرج، الواحدة تلو الأخرى لتؤلف كامل مجريات المنشور الذي ننوي عرضه على الصفحة».
أحياناً يستوحي فيليب موضوعاً من خلال مكالمة هاتفية مع والده. ويعلّق: «في إحدى المرات قال لي والدي إنّه ينوي (تفويل) (ملء) خزان سيارته بمادة الفيول خوفاً من انقطاعه. فانطلقت من هذه العبارة إلى موضوع هواجس يعيشها اللبناني في يومياته منذ عشرات السنين».
يحاول فيليب وفانا تقديم منشوراتهما مستخدمين العبارات الأجنبية مكتوبة باللبنانية. «إنّها تنقل صورة حقيقية عن حواراتنا ذات الخلطة الفرنسية والإنجليزية والعربية معاً. فنكتبها على هذا المنوال كي ترن على مسمع قارئها».
بداية كان كل من فيليب وفانا ينزعجان وينتقدان كل ما يتعلق بأسلوب الحياة اليومية في لبنان. «وعندما هاجرنا إلى باريس تبدّلنا وصرنا نبحث عن أي شيء يربطنا بوطننا. نبحث عن أغنية أو عبارة أو فكرة لنعيش اللحظة مع أننا كنا نتجاهلها ونحن في لبنان. حتى إننا صرنا نمضي ساعات ونحن نتحدث عن أعياد ميلادنا في الماضي، وقالب الـ(بروفيتيرول) الذي كان يزين مائدة العيد قبل غيره من الأطباق» تقول فانا في سياق حديثها.
تجارب شخصية عاشاها ابنا الـ25 ربيعاً يترجمانها في صور وعبارات عبر مناشير يومية وأسبوعية تلون صفحتهما «ليبانيز نيش». لماذا استخدام كلمة «نيش» (خصوصية) في اسم الصفحة؟ يرد فيليب موضحاً: «لأن ما ننشره كمدونين هو خاص باللبنانيين وما يتداولونه في قاموسهم اليومي».
وعن طريقة تحضير منشوراتهما يشرح فيليب: «نضع الفكرة ومن ثمّة نبحث عن صور فوتوغرافية لها عبر محرّك غوغل وأحيانا نستعين بصور التقطناها ولا نزال نحتفظ بها. هناك دائماً الكلمة المفتاح التي تعنون المنشور وما أن يقرأها متابعنا حتى يتوقع المضمون. فهناك حنين كبير للبنان أيام العز يتملكنا ومن خلال هذه المنشورات نسلّط الضوء عليه كي نمحي الفكرة السلبية السائدة عنه اليوم».
انطلق فانا وفيليب بهذه الصفحة منذ نحو شهر وهناك حالياً أكثر من 5000 شخص يتابعهما ويترك تعليقه حول المناشير. وتقول فانا: «لقد تفاجأنا بهذا الكم الهائل من الناس المتعطش لاستعادة ذكريات عن لبنان أيام زمان. فهؤلاء يمدونا بالقوة للاستمرار ومرات يزودونا بأفكار جديدة نتناولها في المستقبل».
«ليبانيز نيش»... عادات وتقاليد «عالبال» ضمن تجربة رقمية
ترسم البسمة على شفاه اللبنانيين في أيامهم القاتمة
«ليبانيز نيش»... عادات وتقاليد «عالبال» ضمن تجربة رقمية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة