«مقبرة نجها» تكشف حقيقة حصيلة ضحايا الوباء في دمشق ومحيطها

«الشرق الأوسط» استطلعت القسم المخصص لدفنهم

مقبرة «نجها» تزدحم بوفيات «كورونا» (رويترز)
مقبرة «نجها» تزدحم بوفيات «كورونا» (رويترز)
TT
20

«مقبرة نجها» تكشف حقيقة حصيلة ضحايا الوباء في دمشق ومحيطها

مقبرة «نجها» تزدحم بوفيات «كورونا» (رويترز)
مقبرة «نجها» تزدحم بوفيات «كورونا» (رويترز)

يُظهر المشهد في «المقبرة الجنوبية الجديدة» أو ما تُعرف بــ«مقبرة نجها» في ريف دمشق الجنوبي، أن عدد ضحايا «كوفيد - 19» في العاصمة السورية وريفها، أكبر بكثير من الأرقام المعلنة رسمياً.
وباتت «المقبرة الجنوبية الجديدة»، مقصداً رئيسياً لدفن الموتى، بعد أن ضاقت مقابر دمشق وريفها ولم يعد فيها متسع لدفن الجثث، مع تزايد أعداد قتلى الحرب، وما خلّفته من ارتفاع في نسبة الوفيات، وتخصيص الحكومة قسماً خاصاً في «مقبرة نجها» لدفن ضحايا «كوفيد - 19».
وأُطلق على المقبرة، هذه التسمية نسبةً إلى قرية «نجها» الواقعة بريف دمشق الجنوبي الغربي على بُعد نحو 13 كلم جنوب العاصمة وتتبع إدارياً لناحية ببيلا. وقد أُقيمت المقبرة منذ سنوات ما قبل الحرب في القسم الشمالي الشرقي من القرية بعيداً عن المناطق المأهولة، وإلى الشمال من «مقبرة الشهداء» التي أنشأتها الحكومة في ذات القرية بعد حرب عام 1973 لدفن القتلى الذين قضوا خلالها.
على المدخل الرئيسي للمقبرة، ذات المساحة الشاسعة، والواقعة ما بين بلدتي «ببيلا» و«السيدة زينب» وقرية «العادلية»، وُضعت لافتة كبيرة كُتب عليها «المقبرة الجنوبية الجديدة». ويلاحظ مع الدخول إليها، أنها مقسّمة إلى أكثر من 13 قسماً، يفصل بين كل منها طريق عرضه نحو متر واحد جرى رصفه بحجارة أرصفة لمرور الزوار، وبين كل عدة أقسام، طريق عرضه نحو 3 أمتار، يسمح بدخول السيارات.
وفي سنوات ما قبل الحرب التي ستُتم عامها العاشر في مارس (آذار) المقبل، كان القليل من أهالي دمشق يدفنون موتاهم فيها نظراً لبُعدها عن دمشق، وتوفر القبور في العاصمة بتلك الفترة. ولكن امتلاء معظم مقابر العاصمة، بسبب تزايد أعداد قتلى الحرب، وارتفاع نسبة الوفيات بسببها، وغلاء ثمن القبور فيها (ثمن القبر ما بين 7 و10 ملايين ليرة سورية) إنْ وُجدت، باتت غالبية الناس في دمشق ومحيطها الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر، يتجهون إلى «المقبرة الجنوبية الجديدة» في «نجها» لدفن موتاهم فيها، نظراً لوجود متسع فيها ورخص تكاليف الدفن هناك (تكلفة الدفن تقدر بما يقارب 80 ألف ليرة سورية).
ومع تزايد انتشار «كوفيد - 19» وأعداد ضحاياه منذ مارس 2020 تزايدت عمليات الدفن في المقبرة. وفي القسم المخصص لدفن ضحايا «كوفيد - 19» في جنوب المقبرة، يلاحَظ أن المساحة المخصصة له أكبر من مساحات بقية الأقسام، وأن تخصيصه جرى منذ يوليو (تموز) الماضي، وتُظهر تواريخ الدفن وأرقام القبور أن ذروة عمليات الدفن كانت في يوليو وأغسطس (آب) العام الماضي، ووصلت أعداد القبور إلى نحو 400 قبر حتى أكتوبر (تشرين الأول) الذي يلاحَظ بعده تراجع عمليات الدفن في هذا القسم.
وبينما تم تخصيص جزء في شرق القسم لدفن ضحايا «كوفيد - 19» من أتباع الديانة المسيحية، حيث جرى دفن عدة أشخاص بعد امتلاء المقابر المسيحية في العاصمة وريفها، أظهرت شواهد القبور في القسم المخصص لدفن الضحايا من المسلمين دفن ضحايا من أتباع المذهب الشيعي فيه.
وسبق لعبد الرحيم بدير الذي يُصدر شهادات الوفاة في «نجها»، أن صرّح في أكتوبر الماضي، بأن المقبرة تشهد عادةً نحو 40 من عمليات الدفن يومياً، ولفت إلى أن العدد تضاعف ثلاث مرات في معظم يوليو كما شهد أغسطس قفزة. ويعزو مصدر عليم في عمليات الدفن لـ«الشرق الأوسط»، تراجع عمليات الدفن في «المقبرة الجنوبية الجديدة» في نجها، إلى قرار الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، السماح بدفن وفيات «كوفيد - 19» في مقابر عائلاتهم ضمن مدينة دمشق، بعد أن كانت محصورة في مقبرة نجها.
ويفيد بيان رسمي، صدر الاثنين الماضي، بأن حصيلة الوفيات المسجلة بفيروس «كوفيد - 19» على مستوى مناطق سيطرة الحكومة وصلت إلى 841 حالة وفاة، لكنّ أعداد قبور ضحايا الفيروس في «مقبرة نجها» تشير إلى أن عدد الوفيات بالفيروس أكبر من ذلك بكثير، كون الضحايا الذين دُفنوا فيها من ضحايا دمشق ومحيطها فقط.
كما يفيد البيان بأن عدد حالات الإصابة المسجلة وصلت إلى 13132 حالة، وعدد حالات الشفاء من الإصابات المسجلة وصلت إلى 6624 حالة.
ومناطق سيطرة الحكومة السورية معرّضة بشكل كبير لتفشي الجائحة في ظل الدمار الذي أصاب المنظومة الصحية نتيجة للحرب المستمرة منذ نحو عشرة أعوام والافتقار إلى المعدات اللازمة للكشف عن الفيروس، فضلاً عن الملايين الذين باتوا معرّضين للإصابة بالعدوى بسبب الفقر والتشريد.
ورغم ذلك لم تعلن السلطات إلا عن عدد ضئيل من الحالات مقارنةً بما سجّلته الدول المجاورة، التي يعاني بعضها ارتفاعاً كبيراً في الإصابات. ولم تعترض منظمة الصحة العالمية في الشهور الأولى من الجائحة على الإحصاءات الحكومية، لكنها قالت في الآونة الأخيرة إن إمكانيات الفحص المحدودة في سوريا أخفت حجم الأزمة خصوصاً حول العاصمة.


مقالات ذات صلة

اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في البرازيل

صحتك الفيروس اكتُشف في الخفافيش بمدينة فورتاليزا شمال شرقي البرازيل (رويترز)

اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في البرازيل

أعلن عدد من الباحثين عن اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في البرازيل، يتشابه مع فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) القاتل.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)
الولايات المتحدة​ سيدة تقوم باختبار «كوفيد» في الفلبين (أ.ب)

بعد 5 سنوات من الجائحة... «كورونا» أصبح مرضاً متوطناً

بعد 5 سنوات من بدء جائحة «كورونا»، أصبح «كوفيد-19» الآن أقرب إلى المرض المتوطن، وفقاً لخبراء الصحة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم ألمانيا تطلب من علماء التحقق من الأدلة التي قدمها جهاز الاستخبارات بشأن نشأة فيروس كورونا في مختبر صيني (أ.ب)

علماء ألمان يتحققون من أدلة استخباراتية حول نشأة فيروس كورونا في مختبر صيني

كشفت تقارير إعلامية أن ديوان المستشارية الألمانية طلب من علماء التحقق من الأدلة التي قدمها جهاز الاستخبارات بشأن نشأة فيروس كورونا بمختبر بمدينة ووهان الصينية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
علوم 400 مليون شخص مصابون بـ«كوفيد طويل الأمد» في العالم

400 مليون شخص مصابون بـ«كوفيد طويل الأمد» في العالم

عدواه أدت إلى تغييرات دائمة وغير مرئية في أجزاء مختلفة من الجسم.

داني بلوم (نيويورك) أليس كالاهان (نيويورك)
آسيا قوات أمنية تقف خارج معهد ووهان لأبحاث الفيروسات بالصين (رويترز)

يرتبط بـ«كورونا»... مختبر ووهان الصيني يخطط لتجارب «مشؤومة» جديدة على الخفافيش

حذر خبراء من أن العلماء الصينيين يخططون لإجراء تجارب «مشؤومة» مماثلة لتلك التي ربطها البعض بتفشي جائحة «كوفيد - 19».

«الشرق الأوسط» (بكين)

ضربات ترمب تستهدف مخابئ الحوثيين المحصّنة في صعدة وحجة

مقاتلة أميركية تتأهب للإقلاع من على متن حاملة طائرات في طريقها لضرب الحوثيين (رويترز)
مقاتلة أميركية تتأهب للإقلاع من على متن حاملة طائرات في طريقها لضرب الحوثيين (رويترز)
TT
20

ضربات ترمب تستهدف مخابئ الحوثيين المحصّنة في صعدة وحجة

مقاتلة أميركية تتأهب للإقلاع من على متن حاملة طائرات في طريقها لضرب الحوثيين (رويترز)
مقاتلة أميركية تتأهب للإقلاع من على متن حاملة طائرات في طريقها لضرب الحوثيين (رويترز)

ركّزت الضربات الأميركية التي أمر بها الرئيس ترمب في يومها الخامس على مخابئ الحوثيين وتحصيناتهم في معقلهم الرئيسي بصعدة شمال اليمن، مع امتداد الضربات إلى مواقع في محافظة حجة المجاورة، فيما فتح استئناف الجماعة هجماتها باتجاه إسرائيل المجال لضربات انتقامية متوقعة من قبل الأخيرة على غرار الضربات السابقة.

وإذ هدد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في أحدث خطبه، مساء الثلاثاء، بالتصعيد إلى أعلى مستوياته ضد أميركا وإسرائيل تحت مزاعم مساندة الفلسطينيين في غزة، تبنى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع مهاجمة حاملة الطائرات «هاري ترومان» للمرة الرابعة خلال 72 ساعة.

وفي حين بثت القيادة المركزية الأميركية مشاهد لطائراتها في أثناء تدمير المسيّرات الحوثية، كانت واشنطن أكدت أن حملتها ضد الجماعة ستستمر أياماً وحتى أسابيع بهدف إرغام الجماعة على وقف هجماتها ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي.

وغداة إطلاق الجماعة صاروخاً باليستياً فرط صوتي باتجاه إسرائيل، اعترفت وسائل إعلامها بتلقي العديد من الغارات في صعدة استهدفت مواقع في مديرية الصفراء بعد يوم من استهداف مواقع في مديرية مجز.

وتعتقد مصادر يمنية أن تركيز الضربات على معقل الحوثيين يأتي بهدف تدمير المواقع المحصنة في الجبال والكهوف التي حولتها الجماعة إلى قواعد لتخزين الأسلحة خلال السنوات الماضية، إضافة إلى اتخاذها مخابئ من الاستهداف الجوي.

واعترف الإعلام الحوثي بأن الغارات استهدفت منطقة العصايد في مديرية الصفراء بصعدة، كما استهدفت منطقة بحيص بمديرية ميدي في حجة، غداة غارات ضربت منطقة طخية في مديرية مجز بمحافظة صعدة، وأخرى ضربت الحديدة وصنعاء.

وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء إن جماعته هاجمت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وعدداً من القطع الحربية في البحر الأحمر بعدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيّرة.

وادعى سريع أن الهجوم جاء بعد رصد «تحركات عسكرية معادية في البحر الأحمر استعداداً لشن هجوم جوي واسع»، مشيراً إلى أن استهداف حاملة الطائرات الأميركية هو الرابع خلال 72 ساعة.

وتوعد المتحدث سريع بأنه سيتم «تصعيد العمليات العسكرية» ضد إسرائيل ما لم يتوقف الهجوم على غزة ويرفع الحصار عنها، وذلك بعد ساعات من إعلان زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بأن جماعته «ستستأنف التصعيد في أعلى مستوياته» ضد إسرائيل وأميركا.

صواريخ ومسيّرات وهمية نصبها الحوثيون في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
صواريخ ومسيّرات وهمية نصبها الحوثيون في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

وكان ترمب أمر السبت الماضي بإطلاق حملة ضد الحوثيين، وتوعدهم بـ«القوة المميتة» لإرغامهم على وقف تهديد الملاحة، بعد أن هددت الجماعة باستئناف الهجمات على خلفية منع إسرائيل المساعدات عن غزة، وذلك قبل أن يعود نتنياهو للحرب مجدداً على القطاع.

وحمّل الرئيس الأميركي إيران المسؤولية عن هجمات الحوثيين البحرية ضد السفن والأصول الأميركية في البحر الأحمر، في حين قالت وزارة دفاعه إن العمليات لن تتوقف حتى يتوقف الحوثيون عن هجماتهم.

توقع انتقام إسرائيلي

مع استئناف الجماعة الحوثية هجماتها باتجاه إسرائيل على الرغم من عدم فاعليتها على مستوى التأثير القتالي، يتخوف اليمنيون من عودة تل أبيب إلى ضرباتها الانتقامية ضد المنشآت الحيوية الخاضعة للجماعة، كما حدث خلال خمس موجات سابقة ابتداء من يونيو (حزيران) الماضي.

ومنذ دخول الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس حيز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي كانت الجماعة أعلنت التوقف عن هجماتها البحرية وباتجاه إسرائيل، قبل أن تقفز مجدداً للانخراط في الصراع مع تعثر المرحلة الثانية من الهدنة.

آثار ضربات أميركية استهدفت مصنعاً للحديد في منطقة خاضعة للحوثيين شمال الحديدة (أ.ف.ب)
آثار ضربات أميركية استهدفت مصنعاً للحديد في منطقة خاضعة للحوثيين شمال الحديدة (أ.ف.ب)

وتبنى المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، مساء الثلاثاء، إطلاق جماعته صاروخاً باليستياً من طراز «فلسطين 2» في اتجاه قاعدة نيفاتيم في صحراء النقب بجنوب إسرائيل، في أول هجوم منذ عودة الغارات الإسرائيلية على غزة.

وبحسب ما نقلته «رويترز» أُطلقت صفارات الإنذار مساء الثلاثاء في مدن عدة بجنوب إسرائيل، فيما أفاد الجيش الإسرائيلي بأنها فُعّلت إثر إطلاق مقذوف من اليمن. ودوّت الصفارات؛ خصوصاً في بئر سبع وكثير من قرى النقب، وفق الدفاع المدني الإسرائيلي.

ويزعم الحوثيون أن تصعيدهم البحري والإقليمي هو من أجْل مناصرة الفلسطينيين في غزة، وتبنوا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 وحتى هدنة غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» مهاجمة 211 سفينة.

وأطلقت الجماعة خلال 14 شهراً نحو مائتي صاروخ وطائرة مُسيَّرة باتجاه إسرائيل، دون أن تكون لها نتائج عسكرية مؤثرة، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

ترمب يتابع من منتجعه بدء الحملة التي أطلقها ضد الحوثيين السبت الماضي (رويترز)
ترمب يتابع من منتجعه بدء الحملة التي أطلقها ضد الحوثيين السبت الماضي (رويترز)

وشنت إسرائيل خمس موجات من ضرباتها الجوية ابتداء من 20 يونيو الماضي رداً على الهجمات الحوثية مستهدفة بنية تحتية بما في ذلك ميناءا الحديدة ورأس عيسى على البحر الأحمر، وخزانات الوقود ومطار صنعاء، وكان آخر هذه الغارات في 10 يناير الماضي.

وأدت هجمات الحوثيين البحرية إلى غرق سفينتين، وقرصنة السفينة «غالاكسي ليدر»، ومقتل 4 بحارة، في حين استقبلوا نحو ألف غارة أميركية وبريطانية منذ 12 يناير 2024 وحتى سريان الهدنة في غزة، دون أن يؤدي ذلك إلى وقف هجماتهم التي تقول واشنطن إنها مدعومة من إيران.