حملة دهم واعتقالات في «الهول» بعد فلتان أمني واسع

13 جريمة قتل طالت سوريين وعراقيين... والشبهات تحوم حول «داعشيات» وخلايا للتنظيم

يشهد مخيم الهول في شرق سوريا تصاعداً لافتاً في جرائم القتل والفلتان الأمني (الشرق الأوسط)
يشهد مخيم الهول في شرق سوريا تصاعداً لافتاً في جرائم القتل والفلتان الأمني (الشرق الأوسط)
TT

حملة دهم واعتقالات في «الهول» بعد فلتان أمني واسع

يشهد مخيم الهول في شرق سوريا تصاعداً لافتاً في جرائم القتل والفلتان الأمني (الشرق الأوسط)
يشهد مخيم الهول في شرق سوريا تصاعداً لافتاً في جرائم القتل والفلتان الأمني (الشرق الأوسط)

في القسم الخامس الخاص باللاجئين العراقيين في مخيم الهول، شرق سوريا، نفذت الأجهزة الأمنية حملة واسعة على مدار يومي الأحد والاثنين الماضيين طالت الأقسام المجاورة، لا سيما الرابع والثالث اللذين يعجان بعشرات الآلاف من العراقيين ممن قصدوا هذا المكان بعد طرد تنظيم «داعش» المتطرف من مناطق سيطرته بسوريا في مارس (آذار) 2019.
وألقت الأجهزة الأمنية القبض على ثلاثة أشخاص في إطار تحقيقاتها في مقتل 13 نازحاً سورياً ولاجئاً عراقياً في المخيم في الفترة القليلة الماضية. وكان آخر الجرائم مقتل لاجئ عراقي عُثر على جثته مفصولة الرأس عن الجسد وكل منهما بمكان بعيد عن الآخر. ولم تتمكن سلطات المخيم بعد من تحديد دوافع الجريمة والجاني أو الجناة وراء تنفيذ عملية القتل.
ويؤوي مخيم الهول القريب من الحدود العراقية 62 ألفاً يشكل السوريون والعراقيون النسبة الكبرى منهم. كما يضم قسماً خاصاً بالنساء الأجانب المهاجرات وأطفالهن ويبلغ عددهم نحو 11 ألفاً (3177 امرأة والبقية من الأطفال). وتتحدر النساء في هذا القسم من قرابة 50 دولة غربية وعربية. ويخضع قسم المهاجرات لحراسة أمنية مشددة. كما يمنع الخروج منه والدخول إليه إلا بإذن خطي من إدارة المخيم.
وشهد المخيم عمليات قتل ومحاولات هروب جماعية، إضافة إلى إحراق خيم لنساء أقل التزاماً بقواعد التنظيم، مع تكرار حوادث طعن لاحقت لاجئين عراقيين وعناصر يُشتبه في تعاونهم مع الأجهزة الأمنية. ولعب بعض النساء المتشددات في المخيم أدواراً أمنية مهمة في «داعش» وانتسبن سابقاً إلى «جهاز الحسبة» أو ما كان يعرف بشرطة التنظيم النسائية، أو «كتائب الخنساء» القتالية والتي كانت ذراع النساء العسكرية المسلحة.
وعن هذه الجرائم، يقول علي الحسن، المتحدث باسم قوى الأمن الداخلي بالإدارة الذاتية التي تشرف على المخيم، إن «التحقيقات جارية للكشف عن المتورطين والجناة لمعرفة أسباب جريمة القتل (الأخيرة). لقد وقعت حالات قتل عديدة بحق لاجئين عراقيين وتكررت مثل هذه الحوادث وراح ضحيتها مسؤول مدني تم قتله». ولم يستبعد قيام زوجات مسلحي تنظيم «داعش» أو خلايا متعاونة تنشط داخل المخيم أو بمحيطه بتنفيذ الجرائم.
ويعزو المتحدث علي الحسن تدهور الوضع في المخيم إلى «أن مساحته كبيرة للغاية» مما يصعّب المهمات الموكلة إلى قوات الأمن فيها، مشيراً إلى أن «الهول» محاط أيضاً بأرض صحراوية وعرة «ولقد قمنا بزيادة نقاط المراقبة ومخافر الحراسة، ودورياتنا تجول ليل نهار 24 ساعة داخل المخيم وخارجه»، مضيفاً أن جهاز الأمن زاد عدد نقاط المراقبة والتفتيش وتسيير الدوريات على مخارج المخيم ومداخله.
وفي 8 من الشهر الحالي، قُتل رئيس «المجلس السوري للنازحين» وابنه بالقسم الرابع، وكان يعمل على متابعة وتيسير أمور القاطنين السوريين في المخيم. وفي الفترة نفسها فجر شخص مجهول الهوية قنبلة يدوية كانت بحوزته في القسم الثالث بعد مطارته من قبل دورية أمنية، بعد ورود معلومات تفيد بالاشتباه به في قتل عنصر من قوى الأمن. وتعرض قائد الدورية خلال المطاردة بجروح خطيرة ونقل إلى المستشفى للعلاج.
وكانت السلطات الأمنية لإدارة المخيم قد نفذت سابقاً عدة حملات تفتيش أمنية بالتنسيق مع «قوات سوريا الديمقراطية»، وبدعم من قوات التحالف الدولي، للحد من عمليات القتل والاعتداء ومحاولات الفرار، وأحصت بيانات جميع النساء والأطفال القاطنين في قسم المهاجرات، بعدما أخذت القيود والمعلومات الشخصية لكل عائلة وعدد أفرادها، ضمن مسح شامل ودقيق أجرته منتصف العام الماضي.
وما يزيد الوضع تعقيداً في المخيم رفض معظم الدول استعادة رعاياها الذين كانوا قد التحقوا بـ«داعش» وعاشوا تحت سطوته، لكن دولاً قليلة تسلمت أفراداً من عائلات مسلحي التنظيم المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية»، مثل أوزبكستان وكازاخستان وروسيا والمغرب والسودان، بينما تسلمت دول أخرى أعداداً محدودة بينها فنلندا وفرنسا والنروج والدنمارك والولايات المتحدة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم