هل تؤمّن اللقاحات تحصيناً كاملاً ضد انتقال «كورونا»؟

هل تؤمّن اللقاحات تحصيناً كاملاً ضد انتقال «كورونا»؟
TT

هل تؤمّن اللقاحات تحصيناً كاملاً ضد انتقال «كورونا»؟

هل تؤمّن اللقاحات تحصيناً كاملاً ضد انتقال «كورونا»؟

أصبح لقاح فيروس كورونا حديث الساعة في كل دول العالم، حيث يأمل مسؤولو الصحة العامة أن يحصل أكثر من نصف سكان العالم على واحد من اللقاحات التي تم طرحها؛ لكي يتم تحقيق المناعة المجتمعية ووقف انتشار الفيروس.
ولا يعرف العلماء حتى الآن ما إذا كان بإمكان الأشخاص الملقحين نشر «كوفيد - 19»، على الرغم من أن اللقاحات قد ثبت أنها تحمي المتلقين من الإصابة بالمرض. فلم تحدد الأبحاث بعد، ما إذا كانت اللقاحات تمنع الفيروس من التكاثر تماماً.
من المعروف أن اللقاحات تحفز الجسم على صنع نوع الأجسام المضادة المسمى IgG في الجسم، ولكن لا يعرف إن كانت تؤدي أيضاً إلى تحفيز النوع الآخر من الأجسام المضادة المسمى IgA المعروفة بوجودها في الأسطح المخاطية المواجهة للسطوح الخارجية مثل الأنف والحنجرة، حيث يمكن أن تكون أكثر أهمية في منع انتقال العدوى. لذلك؛ يجب على من تلقى اللقاح أن يظلوا يقظين بشأن حماية الآخرين.
ويظل السبب الأهم في التطعيم باللقاحات هو منع الأفراد المعرّضين من الإصابة بالمرض. أما السبب الآخر من المنظور العلمي؛ فهو مناعي يتطرق إلى كيفية توليد اللقاح للأجسام المضادة في الجسم والتي لم تتم دراستها بعد؛ إذ لا يزال العلماء حريصين على استكشافها، وقد يستغرق ذلك الأمر سنوات طويلة.
دور اللقاح
عادة ما تعمل اللقاحات عن طريق تحفيز الجهاز المناعي لصنع أجسام مضادة قبل ظهور العدوى، حيث يمكن للأجسام المضادة بعد ذلك مهاجمة الفيروس الحقيقي عندما يدخل الجسم قبل أن يتمكن من التكاثر بما يكفي لتوليد العدوى. لكن اللقاحات لا تستطيع أن تجعل الجسم ينتج أجساماً مضادة تماماً مثل ما هو الحال في الأوضاع الطبيعية.
وبحسب ما نعرفه حتى الآن، كما يوضح ماثيو وودروف، عالم المناعة في جامعة إيموري في أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية، فإن لقاحات «كوفيد - 19» تجعل الجسم ينتج فئة من الأجسام المضادة تسمى الغلوبولين المناعي G أو الأجسام المضادةIgG ؛ إذ إنها تتفاعل بسرعة مع جميع أنواع الكائنات الغريبة في الجسم، كما أنها تشكل غالبية الأجسام المضادة في الجسم. وعادة ما تكون موجودة في العضلات والدم، وليست في مواجهة مع السطوح الخارجية.
لكن، ولأجل منع انتقال فيروس «كوفيد - 19»، فإن النوع الآخر من الأجسام المضادة هو الأكثر أهمية لمواجهة الاجسام الغريبة في السطوح الخارجية، مثل الأنف والفم والرئتين والأمعاء. ويعرف هذا النوع بالغلوبولين المناعي A أو الأجسام المضادة IgA. ومن غير المعروف بعد إلى أي مدى تقوم اللقاحات بتحفيز هذ النوع من الاجسام المضادة.
والغلُوبولين المَناعِي (immunoglobulin) هو بروتين يتواجد في الدم والسوائل الجسدية الأخرى في الفقاريات ويستخدم من قبل جهاز المناعة للتعرف على الأجسام الغريبة وتحييدها مثل البكتيريا والفيروسات. والغلوبولين المناعي من نوع (IgG) وهو النوع الأكثر شيوعاً من الأجسام المضادة الموجودة في الدم في البشر ويمثل نحو 75 في المائة من الأجسام المضادة. أما الغلوبولين المناعي من نوع (IgA) فهو جسم مضاد يلعب دوراً مهماً في الوظيفة المناعية للأغشية المخاطية
ويقول الباحثون الأميركيون، إن الأشخاص الذين يمرضون ثم يتعافون من «كوفيد – 19» ينتجون الكثير من الاجسام المضادة IgA المتخصصة؛ ولكونها تتواجد بكثرة في سطوح الجهاز التنفسي للمتعافين فيمكننا أن نتوقع بشكل كبير أن الأشخاص الذين تعافوا من «كوفيد – 19» لن ينشروا الفيروس بعد ذلك. ومن المؤكد أن ذلك يعتمد على كمية الفيروس الذي تعرض له الشخص. ويظل من غير المعروف إن كان الأشخاص الذين لديهم اجسام مضادة نوع IgGحصلوا عليها من اللقاح، سوف يوقفون الفيروس في القنوات التنفسية بالطريقة نفسها.
«مناعة مخاطية»
يقول مايكل راسل، من جامعة بوفالو الأميركية، وهو أحد الباحثين المشاركين في تحليل نُشر في مجلة Frontiers in Immunology في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، إن جهاز المناعة المخاطي هو أكبر مكون للمناعة، لكنه لم يكن محوراً للكثير من الأبحاث حول «كوفيد – 19» حتى الآن. ونظراً لأن الجهاز التنفسي العلوي، بما في ذلك الأنف واللوزتان واللحمية (الزوائد الأنفية) هي النقاط الأولية للإصابة بفيروس «كوفيد » فقد قال الباحثون، فإن الاستجابات المناعية التي يتم تشغيلها هناك ذات أهمية خاصة، حيث يعتقدون أن المعدل المرتفع للانتقال من دون أعراض لـ«كوفيد – 19» هو سبب آخر لأهمية المناعة المخاطية. وأضافوا أن الاستجابات المناعية المخاطية قد تختلف باختلاف الفئات العمرية والسكان.
وأشار العلماء إلى أن التركيز على المناعة المخاطية قد يجعل من الممكن أيضاً تطوير نوع من اللقاح مثل لقاح للأنف يمكن أن يكون أسهل في التخزين والنقل والإدارة. وأوضح راسل، أن «الميزة المحتملة للقاح المخاطي هي أنه يجب أن يحفز الاستجابات المناعية بما في ذلك الأجسام المضادة IgA في المسالك المخاطية، وخاصة في هذه الحالة الجهاز التنفسي العلوي، حيث يكون الفيروس التاجي أول اتصال». وأضاف «بعد كل شيء، فإن جهاز المناعة المخاطي هو إلى حد بعيد أكبر مكون في جهاز المناعة بأكمله وقد تطور لحماية الأسطح المخاطية حيث تنشا الغالبية العظمى من العدوى».
انحسار الفيروس
من غير المحتمل أن تكشف الأبحاث المناعية وحدها كيف يمكن للقاحات منع انتقال فيروس «كوفيد – 19»، لكن هناك طريقة أخرى لمعرفة ما إذا كان اللقاح يمكن أن يمنع شخصاً من نقل الفيروس للآخرين أو ما هو معروف «الانتشار المجتمعي»؛ نظراً لأن المزيد والمزيد من الأشخاص يحصلون على جرعتين من لقاح «كوفيد – 19»، والانتظار أسبوعين كاملين أو أكثر بعد الجرعة الثانية لتحقيق أقصى قدر من المناعة؛ إذ يمكن لمسؤولي الصحة العامة معرفة مدى سرعة انخفاض عدد الحالات.
ورغم ذلك، قد لا يكون مؤشراً مثالياً على تباطؤ انتشار الفيروس، بل هناك العديد من المتغيرات الأخرى التي يمكن أن تبطئ انتقال العدوى، بما في ذلك إجراءات الإغلاق، حيث سيستغرق الأمر المزيد من الوقت لمعرفة ما إذا كان الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح سيكون لهم دور في العدوى مستقبلاً أم لا. وهذا هو السبب في أنه من الأهمية بمكان أنه حتى بعد تلقي جرعتين من لقاح «كوفيد – 19» لا بد من ارتداء الأشخاص أقنعة الوجه الواقية وممارسة التباعد الجسدي وغسل اليدين عندما يلامسون الأشخاص غير الملقحين كلما أمكن ذلك.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً