«حزب الله» يبحث في الموروث «الشيعي» عما يعزز العقيدة القتالية لعناصره

أكثر من ألف مقاتل قضى نحبه و3000 مصاب من مقاتلي الحزب في سوريا

أقارب القيادي في حزب الله محمد عيسى الذي قتل بالغارة الإسرائيلية في مدينة القنيطرة السورية أثناء تشييع جثمانه في بلدة عربصاليم جنوب لبنان (ويترز)
أقارب القيادي في حزب الله محمد عيسى الذي قتل بالغارة الإسرائيلية في مدينة القنيطرة السورية أثناء تشييع جثمانه في بلدة عربصاليم جنوب لبنان (ويترز)
TT

«حزب الله» يبحث في الموروث «الشيعي» عما يعزز العقيدة القتالية لعناصره

أقارب القيادي في حزب الله محمد عيسى الذي قتل بالغارة الإسرائيلية في مدينة القنيطرة السورية أثناء تشييع جثمانه في بلدة عربصاليم جنوب لبنان (ويترز)
أقارب القيادي في حزب الله محمد عيسى الذي قتل بالغارة الإسرائيلية في مدينة القنيطرة السورية أثناء تشييع جثمانه في بلدة عربصاليم جنوب لبنان (ويترز)

جاءت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على منطقة القنيطرة السورية التي استهدفت موكبا لـ«حزب الله» وأدت إلى مقتل 7 أشخاص من بينهم (جهاد 26 عاما) نجل القيادي الراحل في التنظيم عماد مغنيه، الذي قضى أيضا بتفجير غامض في دمشق عام 2008 نُسب بدوره إلى إسرائيل، لتسلط من جديد الضوء على مفهوم العقيدة القتالية لدى «حزب الله»، المفهوم الذي استطاع الحزب توظيفه في الحرب الأهلية السورية التي أخذت منحى طائفيا.
فعلى الموقع الإلكتروني لمحطة المنار التلفزيونية التابعة لـ«حزب الله»، كانت صور الضحايا الـ7 الذين قُتلوا في العملية الإسرائيلية تسبقهم عبارة «قوافل الضحايا تصنع النصر».
يشير نيكولاس بلاندفورد الخبير في شؤون «حزب الله» وصاحب كتاب «Warriors of God Hezbollah’s 30 year struggle with Israel» في حديثه إلى «الشرق الأوسط» تعليقا على الحادثة إلى أن «الغارة التي أدت إلى مقتل مغنية، والأهم منه القيادي الميداني محمد عيسى، المعروف بـ(أبو عيسى)، والقيادي الميداني الإيراني أبو علي طباطبائي هي اغتيال مستهدف، بالتالي سيكون على (حزب الله) أن يجد ردا موازيا من حيث حجم الخسارة التي تكبدها كي لا يُعد ضعيفا».
ويرى المحلل أن أمام الحزب عدة سيناريوهات، منها تحييد الأراضي اللبنانية، واللجوء إلى رد غير مباشر عبر منطقة شبعا أو الجولان من خلال قصف أهداف معينة أو اعتماد أساليب أمنية أخرى، غير أن الضربة الموجعة التي وجهتها إسرائيل ستجبر الحزب «على انتقاء أهداف نوعية يرى أنها تتناسب مع الخسارة التي تلقاها، مثل توجيه صاروخ على باخرة إسرائيلية مثلا».
وفي السياق نفسه، يقول قاسم قصير المختص بشؤون «حزب الله» في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إن الحزب «سيحتفظ بحق الرد على العدو الإسرائيلي في الزمان والمكان والأسلوب المناسب لتوجيه ما يعده انتقاما لشهدائه، وذلك مرتبط بعوامل كثيرة».
إلى جانب التداعيات التي قد تخلفها العملية الإسرائيلية على كلّ من لبنان وإسرائيل، والرد المحتمل من «حزب الله»، فإن مقتل 6 عناصر من الحزب فضلا عن الجنرال الإيراني يجعلنا نتوقف عند ثقافة الشهادة المرسخة لدى «حزب الله». وهي الثقافة التي شكلت عامل قوة في القتال ضد إسرائيل، والتي عاد الحزب اليوم ليوظفها في حربه الطائفية في الأراضي السورية.
يشرح بلانفورد أن فكرة الجهاد أساسية في عقيدة «حزب الله»، الذي يفصل ما بين الجهاد الدفاعي والجهاد الهجومي؛ «فالحزب اعتمد الجهاد الدفاعي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقد صرح نصر الله بأن على المقاومة محاربة (التكفيريين) في سوريا قبل أن يأتوا إلى لبنان، والغاية من الحرب في سوريا هي الدفاع عن مصالح الشيعة، وكذلك الدفاع عن (بشار الأسد) الذي هو جزء من المقاومة»، على حد وصفه، وهي الدعاية التي تجاوبت معها القاعدة الشعبية للحزب.
وبالنسبة لكثير من مقاتلي «حزب الله»، يُعد الصراع المجاور ضربة وقائية موجهة لعدو كان يرغب في تصدير الصراع السوري إلى لبنان، ويشيرون في هذا السياق إلى الطبيعة الآيديولوجية للمعركة في سوريا، حيث يعدون القتال هناك معركة وجودية ضد «تكفيريين» مدعومين وممولين من دول أجنبية.
وبحسب الموقع الإلكتروني لـ«حزب الله» فإن «غاية الجهاد هي الشهادة، شهادة الفرد والمجتمع، شهادة المجتمع تكمن في صيرورته حجة على المجتمعات الأخرى، بما يحمله من قيم ويمثله من مضامين، بحيث يحتج الله سبحانه وتعالى على الأمم الأخرى يوم القيامة. الشهيد عندما يصل إلى هذا المقام تُكتب له الحياة الأبدية السرمدية التي لا موت فيها أبدا، وهذا بسبب أنه اختار الموت بإرادته واختياره، وهو يتميّز بذلك عن باقي الموجودات والبشر».
ففي الضاحية الجنوبية، منازل الشهداء معروفة جيدا، ويجري سنويا تنظيم احتفالات تخليدا لذكراهم. كما يأخذ الحزب على عاتقه الاهتمام بأسرهم من خلال منظمة «مؤسسة الشهيد» التي تلبي احتياجاتهم المالية، وكذلك تهتم بتعليم أطفالهم «وترسل عائلات الشهداء لزيارة العتبات المقدسة في إيران أو العراق، وتجتمع العائلات مع السيد حسن ويعاملون باحترام وتكريم فائقين»، وفق قصير.
هذا التمجيد لمفهوم الشهادة أعطى الحزب رصيدا استطاع أن يستغله لتبرير وفيات مقاتليه المتزايدة في سوريا. إن الاستشهاد والتضحية بالنفس فكرتان راسختان في الثقافة الشيعية، ويتم تجسيدهما سنويا في ذكرى عاشوراء. وقد تبنى «حزب الله» مفهوم الشهادة والمعاناة التي يمكن ردها إلى استشهاد الإمام الحسين، ورَبَطهما بحربه في سوريا. هذا وقد تم في الآونة الأخيرة تداول مرويات شعبية وسط الجماهير الشيعية حول الحرب الدائرة في بلاد الشام وارتباطها «بكتاب الجفر». إن «كتاب الجفر» هو عبارة عن مجموعة من الأحداث الرمزية القديمة التي تنبئ بأحداث مستقبلية ستقع قبل «يوم الحكم». وعليه ربط كثير من الشيعة الصراع في سوريا بما ورد في الكتاب، وبظهور المهدي الذي ينبئ بنهاية العالم. ومستندين على كتاب الجفر، صنف مقاتلو الحزب الحرب السورية على أنها مقدمة لظهور المهدي، وأن المعركة هي جزء من الحرب السنية - الشيعية التي يعود عمرها إلى 1400 سنة، والتي نشأت حول خليفة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
يبدو أن حزب الله قد نجح في استخدام هذه المعتقدات لتبرير وجوده المطول في سوريا والمكلف على صعيد قاعدته الشعبية في لبنان.
وعلى سبيل المثال، يرى مقاتلو حزب الله أن المصالح السلفية والمصالح الإسرائيلية تتلاقى في الحرب السورية، وقد اعتمدوا هذه الحجة في خطابهم لتفسير انخراطهم في الصراع المجاور، معتبرين أن سبب دخولهم إلى سوريا هو لحماية إخوانهم والدفاع عن لبنان ودينهم من المتآمرين الأجانب الذي يمثلون في هذه الحالة السلفيين الممولين من دول أجنبية.
من الواضح أن البعد الديني يحظى بأفضلية على الاعتبارات الأخرى في هذا الصراع. ففي حديث سابق مع محرر هذه السطور يؤكد «أبو علي»، أحد القياديين الميدانيين لحزب الله، الذي سبق أن قاتل في بلدة القصير أنه «حصل على تكليف شرعي للقتال عبر الحدود من رجال الدين في حزب الله».
ويضيف قائلا: «حاول المجتمع الدولي في الماضي مرات كثيرة تدمير الحزب، كما حصل مثلا عام 1996 في حرب عناقيد الغضب ضد إسرائيل، واليوم يستهدفون حزب الله من خلال شنهم الحرب على سوريا. بالتالي فإن خيار عدم القتال ليس متاحا. نحن بحاجة للحفاظ على كرامتنا ومعتقداتنا الدينية. نحن نواجه في سوريا الأعداء الذين نقاتلهم عندما نشتبك في حرب مع إسرائيل».
ويعتقد المقاتلون أن حزبهم تمكن من مواجهة العدوان الإسرائيلي بسبب ثقافة التضحية وقوة التحمل، وهو يعتمد الأسلوب نفسه في الحرب السورية. يقول أبو علي: «إذا متُّ في سوريا فسأذهب إلى الجنة. الكل أراد القتال عندما هاجمت المعارضة الموقع الديني للسيدة زينب. وهل هناك طريقة لتأمين مكان في الجنة أفضل من الموت هناك؟».
لكن بحسب رجل الدين الشيخ محمد حاج حسن رئيس التيار الشيعي الحر، وهو أحد الأحزاب المعارضة لحزب الله: «يخضع الجهاد في الإسلام إلى شروط قاسية، مثل الدفاع عن الدين والنفس والعرض. لكن الحرب في سوريا غير مشروعة دينيا، إنها سياسية».
إذ تؤكد مصادر مقربة من الحزب إلى الشرق الأوسط أن أكثر من 1000 مقاتل قضى في سوريا، ونحو 3000 منهم أصيبوا بجروح كبيرة تسبب معوقات.
إلا أن «حزب الله سيتمكن من تحمل هذه الخسائر، إن كان لديه (كما يزعم) 20000 مقاتل مدرب، علما بأنه لا يزال يجند الشباب، حتى وإن لم يكونوا بنفس فعالية سابقيهم»، وفق بلانفورد الذي يشير إلى أن الحزب كان حريصا للغاية في طريقة نشر مقاتليه، متفاديا تكبد خسائر كبيرة. «فالقاعدة الشعبية الشيعية قادرة على الاستيعاب إن وقعت الخسائر البشرية تدريجيا، وهو أمر مرتبط بالتفاني والتضحية الراسختين في الشخصية والمعتقدات الشيعية».
ولكن إذا كانت الأزمة مستمرة في سوريا، هل سيكون عدد وفيات مقاتلي الحزب نقطة تحول بالنسبة له ولقاعدته الشعبية؟ بلانفورد يعتقد أن «معظم أبناء الطائفة الشيعية يتشاركون رؤية خطاب نصر الله، لكن البعض أيضا ما زال يتساءل إلى متى سينجر حزب الله في مستنقع الحرب السورية؟»، على حد قوله.

* باحثة زائرة في معهد رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.