عمدة باريس تلاحق «فوكس نيوز» وتقول إن مدينتها ليست بغداد

القناة الأميركية زعمت وجود مناطق ممنوعة على غير المسلمين في العاصمة الفرنسية

ان هيدالغو
ان هيدالغو
TT

عمدة باريس تلاحق «فوكس نيوز» وتقول إن مدينتها ليست بغداد

ان هيدالغو
ان هيدالغو

لم يُكشف بعد عن القرار الذي توصلت إليه رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، بخصوص الشكوى القضائية التي كان في نيتها التقدم بها ضد قناة «فوكس نيوز» الإخبارية؛ فالعمدة الاشتراكية قالت إنها في طور المشاورات مع خبراء قانونيين حول المكان الأنسب لملاحقة القناة الأميركية. وقد استبقت وسائل الإعلام الفرنسية الأمر، ودخلت على الخط لتقديم المشورة وحساب احتمالات الربح والخسارة.
هيدالغو، أول امرأة تفوز بمنصب عمدة باريس، كانت قد أعلنت، لدى استضافتها في برنامج الصحافية كريستيان أمانبور في «سي إن إن»، الأربعاء الماضي، إنها قررت التقدم بشكوى أمام القضاء ضد قناة «فوكس نيوز» بتهمة بث أخبار خاطئة تعد مهينة للعاصمة الفرنسية. وجاءت تلك المعلومات ضمن تقرير للقناة حول الحضور الإسلامي في أوروبا، لا سيما في فرنسا وبريطانيا.
وفي تصريحات لاحقة لوسائل إعلام فرنسية، قالت هيدالغو: «إن باريس ليست بغداد»، ونفت مزاعم القناة الإخبارية الأميركية المعروفة بمواقفها اليمينية التي زعمت أن العاصمة الفرنسية باتت خطرة، مثل العاصمة العراقية أو الأفغانية. وفي تقرير لها، عرضت القناة خارطة للعاصمة الفرنسية تتخللها بقع كبيرة قاتمة، وصفتها بأنها «مناطق بلا قانون» و«أحياء ممنوعة على غير المسلمين». وتشمل هذه الأحياء شوارع كثيرة معروفة من باريس، بعضها سياحي مثل «مونمارتر» و«بلفيل» ومنطقة «بير لاشيز» وساحة «لاريبوبليك». وفي تقريرها، ذكرت «فوكس نيوز» أن سكان تلك المناطق في باريس معروفون بكونهم من الخطرين، وهم يتنقلون في الشوارع مرتدين ثيابا تحمل صور أسامة بن لادن. وأضافت أنها «أحياء تستعصي على قوات الشرطة، الأمر الذي يجعل من فرنسا منطقة من مناطق النزاع على غرار العراق وأفغانستان».
وبحسب مصادر بلدية باريس، فإن العمدة طلبت استشارات قانونية مفصلة حول إمكانية ملاحقة وسيلة إعلامية أميركية بتهمة بث معلومات مغلوطة تشكل تشهيرا بالعاصمة الفرنسية، وتضر بسمعتها ومكانتها. ولكي تكون خطوتها أكثر تأثيرا فإنها منحت للقناة المنافسة «سي إن إن» السبق في الإعلان عن نيتها التقدم بشكوى قضائية ضد «فوكس نيوز». فهل ستقام الدعوى أمام قاض فرنسي في باريس أم قاض أميركي في نيويورك؟
في حال تقدمت العمدة بشكواها في باريس، فإنها ستوفر الكثير من نفقات التنقل وأتعاب المحاماة. ويمكن لمحامٍ فرنسي متخصص في قضايا النشر، مثل إيمانويل بييرا، أن يترافع مجانا في القضية، حسب عادته، مقابل الدعاية التي توفرها له التغطية الإعلامية المتوقعة للحدث. لكن القانون الفرنسي لن يحكم لرئيسة البلدية بأكثر من مبلغ يتراوح بين 10 آلاف و15 ألف يورو، في حال كسبت الدعوى. وهي دعوى ليست مضمونة، حتى ولو أثبتت المدعية أن القناة بثت معلومات مخالفة للواقع، ذلك أن القانون لا يحمل «فوكس نيوز» المسؤولية المدنية. وفيما يخص جنحة «القذف والتشهير»، فإن من حق الأفراد المتضررين وحدهم أن يتقدموا بالشكوى باعتبارهم ضحايا، لا عاصمة بأسرها. كما يمكن لمحامي القناة التلفزيونية أن يطعن في أهلية المحكمة للنظر في قضية «معلومات خاطئة تتسبب في الإخلال بالسلام المدني»، لأن هذه التهمة من اختصاص المدعي العام للجمهورية، ومن صلاحياته.
ومما يزيد من تعقيد القضية أنها الأولى من نوعها. وليس في تاريخ القضاء الفرنسي سابقة من هذا النوع يمكن الرجوع إليها والاستنارة بالحكم الصادر فيها. وفي تصريح لصحيفة «مترو»، قال كريستوفر مسنوح، المحامي المتخصص في القانون الدولي الخاص والمرخص بالدفاع أمام المحاكم الفرنسية والأميركية، إن كون «فوكس نيوز» وسيلة إعلام أميركية موجهة بشكل أساسي للمشاهد في الولايات المتحدة، فإنه من المنطقي أن تجري المحاكمة أمام قاضٍ أميركي. لكن تحرك رئيسة بلدية باريس لن يكون ميسرا، لأن القانون الأميركي ينظر لمفهوم حرية التعبير من زاوية واسعة جدا، وبالتالي فإنه لا مجال لإدانة القناة. كما سيكون من الصعب جدا إثبات الأضرار التي سببها التقرير على الحركة السياحية في فرنسا، وهي نقطة ارتكاز الدعوى الفرنسية.

من الناحية المالية، وهو أمر مهم في ظروف الأزمة الاقتصادية والتقشف المطلوب من الدوائر الرسمية في فرنسا، فإن إجراء المحاكمة في نيويورك يعني أن يحسب حساب تكاليف مكتب المحاماة. وبحسب تقديرات الخبراء فإنها تتراوح بين 400 ألف و500 ألف يورو. وفي حال كسبت باريس الدعوى وخسرت «فوكس نيوز»، فإن التعويض لن يقل عن مليون ونصف المليون يورو.. لكن احتمال الفوز يبقى غير مضمون.
رغم المحاذير، تبدو بلدية باريس مقتنعة بقرارها، وبأنها اتخذت الخطوة الصحيحة، وستترجمها إلى خطوات عملية خلال الأيام القليلة المقبلة. وهي تعتمد، بشكل خاص، على المادة الثالثة في الدستور الأميركي، التي تسمح بـ«مقاضاة جنح بث معلومات غير صحيحة». ولم يثن آن هيدالغو عن قرارها الاعتذار الذي تقدمت به «فوكس نيوز» بعد الضجة التي تسبب بها بث التقرير، فقد جاء على لسان إحدى مذيعات القناة أن هناك مناطق في المدن الكبرى تكثر فيها معدلات الجريمة، ومنها ما هو موجود في الولايات المتحدة، حيث يلتزم رجال الشرطة والسياح بالحذر. وأضافت: «نأسف شديد الأسف عن هذا الخطأ، ونتقدم بالاعتذار للذين أزعجهم تقريرنا، كالفرنسيين والإنجليز».



رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.