الفياض يرفض قرار واشنطن إدراج نائبه على لائحة العقوبات

الكاظمي يزور «هيئة الحشد الشعبي» للتضامن رمزياً

فالح الفياض (رويترز)
فالح الفياض (رويترز)
TT

الفياض يرفض قرار واشنطن إدراج نائبه على لائحة العقوبات

فالح الفياض (رويترز)
فالح الفياض (رويترز)

في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مضت وزارة الخزانة الأميركية بعيداً في إدراج مزيد من الشخصيات العراقية على لائحة العقوبات، تحت تهم تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان (بالنسبة لفالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي) أو الإرهاب (بالنسبة لأبي فدك رئيس أركان الهيئة). ويعد أبو فدك، واسمه عبد العزيز المحمداوي ولقبه الآخر «الخال»، بمثابة الرجل الثاني القوي في «هيئة الحشد الشعبي»، بعد أبو مهدي المهندس الذي قتل العام الماضي في مثل هذا الشهر في حادثة المطار مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني.
الجديد في أمر فرض العقوبات لا يتعلق فقط بكونها تأتي في الأيام الأخيرة لترمب، بل لانتقال نظام العقوبات من قادة الفصائل إلى شخصيات عراقية رسمية، وهو ما بات يشكل إحراجاً للحكومة العراقية. وكان قد قام بعدة عمليات ضد قادة فصائل مسلحة موالية لإيران في العراق، مثل ضرب مقراتها أو قتل عدد من قيادييها أو فرض عقوبات على عدد كبير منهم، بالإضافة إلى اغتيال من يعد الأب الروحي للحشد، وهو أبو مهدي المهندس.
وفي حين صدر موقف رسمي عن وزارة الخارجية العراقية بشأن فرض العقوبات على الفياض، فإن الحكومة العراقية لم تعلن موقفاً رسمياً من فرض العقوبات على أبي فدك. لكن رئيس الهيئة فالح الفياض أصدر بياناً رفض فيه العقوبات، فيما قام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بزيارة إلى مقر الهيئة للترضية.
وأعلن الفياض، في بيانه، أن إدراج المحمداوي على لائحة العقوبات الأميركية «يعد انتهاكاً لسيادة العراق». وأضاف أن «الولايات المتحدة تنصب نفسها وصياً على العالم. وجرياً على عادتها في انتهاك سيادة الدول وامتهان كرامة الشعوب، أدرجت مؤخراً المحمداوي على ما يسمى (لائحة العقوبات)، منتهكة بذلك سيادة العراق».
وأوضح أن «(الحشد الشعبي) هو جزء من المؤسسة العسكرية العراقية الرسمية، يأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، ويخضع بشكل كامل لجميع السياقات والقوانين».
وكانت الخزانة الأميركية، وفي تبرير لإدراجها أبو فدك، قد قالت إن «المحمداوي هو الأمين العام السابق لكتائب (حزب الله العراقي)، وهي منظمة إرهابية مصنفة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ومدعومة من إيران».
ومن جانبه، زار الكاظمي مقر «هيئة الحشد الشعبي»، أول من أمس، بعد الإعلان عن إدراج المحمداوي. والتقى خلال الزيارة كلاً من الفياض والمحمداوي، وعدداً من قيادات «الحشد». وهو ما عده المراقبون بمثابة رسالة تضامن مع المدرجين من قادة «الحشد» على لائحة العقوبات. ولم يصدر بيان من قبل مكتب الكاظمي بشأن موقفه من العقوبات الأميركية، غير أن بياناً مقتضباً أشار إلى أن الكاظمي قد عقد اجتماعاً في مقر «الحشد» مع الفياض وقياداته، دون ذكر أي تفاصيل.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين رئيس مركز «أكد» للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية، الدكتور حسين علاوي، أن «العقوبات التي أعلنتها وزارة الخزانة الأميركية هي بمثابة تحد للأشخاص الذين يصنفون من قبلها، وفقاً لقانون ماغنيتسكي الذي يرتبط بانتهاك حقوق الإنسان، بحسب القوانين الأميركية النافذة التي لها تداعيات على دخول الشخصيات إلى الولايات المتحدة».
ويضيف علاوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه العقوبات مرتبطة بآثار احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019 الشبابية في العراق وملف حقوق الإنسان». وبخصوص ما يمكن أن يترتب من تبعات على مثل هذه العقوبات على العراق والأشخاص المصنفين، يقول علاوي إن «التبعات سياسية أكثر مما هي عقوبات قانونية، وهي تعطي إشارة إلى المسار السياسي الذي قد يجعل الموضوع يتفاقم أو يسير بشكل طبيعي»، موضحاً أن «دلالات الموضوع سياسية بامتياز، منها ما يرتبط بالوضع السياسي في ما قبل احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول)، وما حصل بعدها، ومنها ما يرتبط بالصراع الأميركي – الإيراني. وبالتالي، فإن المستقبل السياسي لهذه الشخصيات سيكون حبيس حركة الاستخدام السياسي للقانون ولائحة العقوبات من قبل الجانب الأميركي، ومدى استجابة الدولة العراقية في المسار السياسي والمالي والفني والإداري».
وحول ما إذا كان الأمر مرتبطاً بنهاية فترة ترمب، يقول علاوي إن «الموضوع لا يرتبط بنهاية إدارة ترمب، وإنما هو سياق أميركي وافق عليه القضاء، وفقاً للوائح المقدمة من قبل وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الخزانة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.