تُخيّم على مبنى الكابيتول أجواء متشنّجة يظللها الخوف والقلق بعد عملية اقتحام المبنى التاريخي في السادس من يناير (كانون الثاني).
وقد أدت هذه الأجواء والتخوف من أي خروقات أمنية محتملة إلى التأثير على جدول أعمال الكونغرس، وتأجيل جلسة المصادقة على مرشحة الرئيس المنتخب جو بايدن لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز. فالجلسة التي كانت مقررة ظهر يوم الجمعة أجلت إلى الأسبوع المقبل، بحسب بيان صادر عن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ. وذكر البيان بوضوح أنه «ورغم الظروف الاستثنائية في الكابيتول، فإن اللجنة تعمل جاهدة لعقد جلسة المصادقة على هذا التعيين بسرعة، وسنحرص على أن يتمكن أعضاء اللجنة من مساءلة المرشحة في جلسات مفتوحة ومغلقة».
ويعكس هذا البيان وتأجيل جلسة مهمة من هذا النوع أجواء الكونغرس المتوترة، في وقت أصبح فيه عدد الحرس الوطني المنتشر داخل أروقة الكونغرس أكبر بكثير من عدد المشرعين في المجلسين. مشهد غير اعتيادي، في ظروف استثنائية حكمتها سياسة الأمر الواقع وضرورة التعاطي مع التهديدات المحدقة بالمشرعين الذين تعرضوا لتهديدات مباشرة من مناصري الرئيس الأميركي دونالد ترمب. فقد أعرب بعض هؤلاء المناصرين عن نيتهم قتل نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، فيما أتى البعض منهم إلى المبنى وبحوزتهم قيود بلاستيكية استعداداً لاحتجاز رهائن من المشرعين. فيما أظهرت وثائق قدمها المدعون إلى المحاكم بأن بعض المقتحمين حملوا لائحة بأسماء المشرعين «السيئين»، والمشرعين الجيدين كالسيناتور تيد كروز مثلاً، الذي عارض المصادقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية في الكونغرس.
واعتبر مدعون أميركيون أن أنصار الرئيس ترمب كانوا يسعون إلى «القبض على مسؤولين واغتيالهم» أثناء الهجوم على مبنى الكابيتول، وفق ما جاء في وثائق قضائية. ويطلب ملف قدّمته وزارة العدل إلى محكمة أن تبقي قيد الحجز جايكوب تشانسلي، وهو من أتباع الحركة التي تتبنى نظرية المؤامرة «كيو أنون» التُقطت له صورة وهو عاري الصدر بزي شامان وعلى رأسه قرنان أثناء أعمال الشغب في مكتب نائب الرئيس الأميركي مايك بنس. وكتب المدعون أن هناك «أدلة دامغة، من بينها أقوال تشانسلي وأفعاله في الكابيتول، تُظهر أن هدف مثيري الشغب في الكابيتول كان القبض على مسؤولين من الإدارة الأميركية واغتيالهم».
وفي ظل هذه المعلومات التي قدمتها الأجهزة الأمنية لأعضاء الكونغرس، عززت القوى الأمنية والحرس الوطني من وجودهم داخل المبنى للتصدي لأي خطر خارجي. لكن بعض المشرعين تساءل: ماذا عن الأخطار الداخلية من قبل مشرعين آخرين؟
- خطر «من الداخل»
وبالفعل، فقد بدأ بعض الديمقراطيين بالإعراب علناً عن هذه المخاوف في ظل وجود بعض الوجوه الجديدة في مجلس النواب، وصلت إلى الكونغرس بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني). من بين هذه الوجوه بعض الداعمين لتنظيم «كيو أنون» المعروف بنظريات المؤامرة، والبعض الآخر من مناصري حمل السلاح داخل الكونغرس. ويقول النائب الديمقراطي جون باير: «الأجواء في الكونغرس سامّة، هناك تخوف من أن يكون بعض زملائنا يحملون سلاحاً، فمنهم من يؤمن بنظريات المؤامرة وكيو أنون ودوائر التحرش بالأطفال الشيطانية... هل نحن بأمان منهم؟».
ورددت النائبة التقدمية أوليفيا أوكاسيو كورتيز هذه المخاوف، فقالت في خطاب على إنستغرام: «لقد كان هناك مناصرون لـ(كيو أنون) والعنصريين البيض، وبصراحة هناك عنصريون بيض في الكونغرس، شعرت في لحظة الاقتحام أنهم قد يكشفون عن مكاني ويسمحون باختطافي وإيذائي».
ويتحدث المشرعون هنا عن النائبة الجمهورية لورين بوبرت، التي نشرت تغريدتين خلال الهجوم كشفت عن مكان وجود مشرعين ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. فقالت: «نحن محتجزون في قاعة مجلس النواب»، ثم: «رئيسة مجلس النواب أخرجت من القاعة».
ودافعت بوبرت عن نفسها، فقالت إنها كانت تنقل الصورة التي نقلتها شاشات التلفزيون، ويجيب عليها منتقدوها بالقول إن الكاميرات لم تظهر بيلوسي وهي تخرج من القاعة.
وفي ظل هذا التجاذب والاتهامات المتبادلة، يظهر تشكيك بعض المشرعين بتواطؤ بعض زملائهم مع المقتحمين. وتفاقم الوضع مع تبادل هذه الاتهامات بشكل علني على «تويتر»، إذ غرّد النائب الديمقراطي إريك سوالويل متحدثاً مع بوبرت، فقال: «لقد حرّضتِ على الهجوم. ومزحتِ عن إطلاق النار في خطابك في مجلس النواب. وغردتِ عن موقع رئيسة مجلس النواب. ومات شرطي».
اتهامات عنيفة ومباشرة، يحاول من خلالها هؤلاء المشرعون طرح فكرة طرد نواب مثل بوبرت من المجلس، «بسبب التحريض على العنف» على حد قولهم.
- أجهزة تفتيش النواب
لكن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي اعتمدت في الوقت الحالي سياسة مختلفة، فقررت وضع أجهزة تفتيش يدخل منها النواب قبل وصولهم إلى قاعة المجلس. وهو إجراء استثنائي وصادم يدل على غياب الثقة التامة في بعض المشرعين.
لكن هذا الإجراء لم يمنع نوابا مثل بوبرت من رفض الالتزام به. فتحدثت النائبة الجمهورية عن الأمر، وقررت عدم الانصياع لأوامر بيلوسي التي ردت بإصدار تعميم يغرّم كل من لا يلتزم بالإجراءات الأمنية بمبلغ 5 آلاف دولار لأول خرق، وصولاً إلى 25 ألف دولار.
وكانت بوبرت قد أعلنت في السابق أنها ستحمل مسدسها في الكونغرس. أضف إلى ذلك تأكيد النائب الجمهوري ماديسون كوثورن أنه كان يحمل مسدساً خلال اقتحام الكابيتول.
- طلب التحقيق بجولات «استطلاعية»
طلب عدد من الديمقراطيين في رسالة إلى شرطة الكابيتول التحقيق في استضافة بعض النواب لجولات لمناصريهم في مبنى الكابيتول، قبل يوم من الاعتداء. ووصفت النائبة الديمقراطية، مايكي شيريل، هذه الجولات بـ«الجولات الاستكشافية» قبل تنفيذ الهجوم. وقالت شيريل التي خدمت في البحرية سابقاً، في مقابلة لها مع شبكة «إم. إس. إن. بي. سي»، إن «مجرد التفكير بأن أحد زملائي قد ساعد وسهل لهذا الاعتداء هو أمر مخيف، ومن المستحيل أن نسمح لهؤلاء بالبقاء في الكونغرس إذا كان هذا صحيحاً».
وتنص الرسالة التي وقع عليها 34 نائباً، لمدير شرطة الكابيتول، على أن «مقتحمي الكابيتول كانت لديهم معرفة مفصلة ونادرة لتصميم المبنى. كما أن الجولات التي أجراها بعض النواب لمجموعات في الخامس من يناير تعد خرقاً مقلقاً وواضحاً للإجراءات التي تحد من هذه الجولات منذ مارس (آذار)، بسبب احترازات كورونا».
وكان الكونغرس منع الجولات السياحية في المبنى بسبب إجراءات كورونا الوقائية، لكن شرطة الكابيتول عادة ما تغض الطرف إذا ما قرر عضو في الكونغرس اصطحاب بعض الأشخاص في جولات خاصة. ولا توجد حتى الساعة أي أدلة تدعم ادعاءات شيريل وزملائها، لكن التحقيقات جارية في هذا الإطار.
مهاجمو الكونغرس سعوا إلى «القبض على مسؤولين واغتيالهم»
دعوات للتحقيق في «جولات استكشافية» قبل يوم من الهجوم
مهاجمو الكونغرس سعوا إلى «القبض على مسؤولين واغتيالهم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة