دعوات في لبنان للتحقيق في «الوجهة السورية» لشحنة الأمونيوم

بعد معلومات صحافية عن علاقة رجال أعمال مقربين من نظام الأسد باستيرادها

انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
TT

دعوات في لبنان للتحقيق في «الوجهة السورية» لشحنة الأمونيوم

انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

تزايدت المؤشرات على إمكانية أن تكون شحنة «الأمونيوم» التي انفجرت في مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) الماضي، معدّة للتصدير إلى سوريا ليستفيد منها النظام في ذلك الوقت لأغراض عسكرية، وكان آخرها ما ذكرته صحيفة بريطانية عن صلة لشركة يملكها رجال أعمال سوريون مرتبطون بالنظام، باستيراد الشحنة من جورجيا.
وتثير التحقيقات المعلنة حول المسؤولية الإدارية للعارفين بطبيعة الشحنة وبقائها في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، أسئلة سياسية، تتصدرها مطالبة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، بالتحقيق في كيفية وصول الشحنة إلى بيروت، وهو ما لم يُعلن عنه في بيروت حتى الآن، وسط ترجيحات من سياسيين أن تكون الشحنة معدّة للتصدير إلى النظام السوري.
وبدأت التلميحات بفرضية أن تكون موجهة إلى النظام السوري منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فقد ذكر الرئيس المكلف سعد الحريري، في وقت سابق، أن شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي أوقفت في السنوات الماضية 80 شحنة نترات ومتفجرات كانت في طريقها إلى سوريا، من غير الكشف عن وجهتها النهائية، أو عن الجهة التي ستتسلمها في سوريا.
والأسبوع الماضي، قال جنبلاط، في حديث تلفزيوني: «إن هذه المواد أُتي بها إلى لبنان لكي تُستخدم من الطائرات والمروحيات السورية لأنه في ذلك الوقت في 2014 كانت معركة حمص لا تزال محتدمة وكانت طريق بيروت – الشام أسهل للوصول إلى سوريا». واتهم النظام السوري «بإحضار هذه المواد إلى بيروت».
وتضاعفت المؤشرات أمس، مع نشر صحيفة «الغارديان» البريطانية معلومات متعلقة ‏بشركة «سافارو - ‏Savaro limited‏» ومقرّها لندن، تعزّز الشكوك ‏في أن بيروت وليس موزمبيق كانت ‏الوجهة المقصودة لباخرة نترات ‏الأمونيوم. وتحدثت الصحيفة عن احتمال أن يكون تفجير 2750 ‏طناً من النترات في ‏مرفأ بيروت «ناتجاً عن محاولات المسؤولين السوريين ‏الحصول عليها لاستخدامها في الأسلحة».
وذكرت الصحيفة أن شركة «savaro limited‏» التي اشترت النترات عام ‏‏2013 مرتبطة بثلاثة رجال أعمال سوريين يحملون الجنسية الروسية هم: جورج حسواني ومدلل خوري وشقيقه عماد، علماً بأن الثلاثة أدانتهم جميعاً الولايات ‏المتحدة لدعمهم المجهود الحربي للنظام ‏السوري. ‏
واتهمت وزارة الخزانة الأميركية مدلل خوري بمحاولة ‏الحصول على نترات الأمونيوم قبل أشهر ‏من رسو سفينة الشحن ‏الروسية «روسوس» في العاصمة اللبنانية في منتصف الطريق خلال ‏رحلة ‏متعرّجة من جورجيا. ‏
وتحدثت المعلومات عن أن الوجهة الرسمية للشحنة هي موزمبيق، ‏ولكن تم تحويلها ‏وتفريغها في بيروت، حيث تم تخزينها بشكل غير آمن حتى الانفجار ‏الكارثي. ‏
وفي القضاء اللبناني، ينطلق التحقيق بشقّه المتعلّق بنترات الأمونيوم وكيفية إدخالها إلى مرفأ بيروت من ثلاث فرضيات، تركز الأولى على ما إذا كانت النترات استُقدمت إلى بيروت لعملٍ معيّن لم تتضح أسبابه وخلفياته بعد، والثاني إبقاء هذه المواد لسبع سنوات متواصلة من دون إخراجها من المرفأ سواء بإتلافها أو إعادة شحنها إلى بلد المنشأ، والثالثة مراكمة عشرات الصدف التي أدت إلى الانفجار المدمّر.
وتسلّم المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري، الذي يتولى جميع المراسلات والطلبات الدولية المرتبطة بانفجار المرفأ، كتاباً من الإنتربول الدولي هذا الأسبوع، أبلغه بموجبه بأنه أصدر مذكرات توقيف دولية وعممها عبر «النشرة الحمراء» على كلّ الدول الأعضاء، لتوقيف كلّ من إيغور غريشوشكين، مالك الباخرة «روسوس»، وبوريس يوري بروكوشيف، قبطان الباخرة (من التابعية الروسية)، بالإضافة إلى مذكرة مماثلة بحق جورج موريرا (برتغالي الجنسية)، وهو التاجر الذي اشترى نترات الأمونيوم من شركة «روستافي أزوت» في جورجيا المصنّعة لهذه المواد.
وجاءت مذكرات التوقيف الدولية إنفاذاً لمذكرات التوقيف الغيابية التي أصدرها المحقق العدلي القاضي فادي صوّان بحق هؤلاء الأشخاص في مطلع شهر نوفمبر الماضي.



مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
TT

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

وصلت سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخُّل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن، عقب مشاركته في متابعة انتخابات الإقليم الرئاسية، والتي أُجريت قبل أيام، وسط ترقب إثيوبي تداعيات الاقتراع، خصوصاً مع نتائج أولية تشير إلى فوز مرشح المعارضة عبد الرحمن عبد الله.

الاستدعاء الدبلوماسي الصومالي، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يُعد امتداداً لسلسلة إجراءات تبنّتها مقديشو، منذ بداية العام، عقب رفضها توقيع إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»؛ بهدف «تأكيد سيادتها وتضييق الخناق دولياً عليه»، مع توقعات بإمكانية استئناف المفاوضات للذهاب إلى حلول قد تكون سبباً في سحب البساط من تحت أقدام أديس أبابا، وخفض التصعيد بمنطقة القرن الأفريقي.

واستدعت وزارة الخارجية الصومالية السفير الدنماركي ستين أندرسن؛ على خلفية «انتهاكه سيادة وحدة البلاد»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية بالبلاد، الأحد، عن وزير الخارجية أحمد معلم فقي، عقب «توجّهه ضمن بعض السفراء لدى البلاد إلى مدينة هرجيسا للمشاركة في الانتخابات التي جرت مؤخراً دون أن يعلنوا، في خطابهم، عن الدولة التي جرى تعيينهم سفراء لها، واخترقوا البروتوكول الدبلوماسي»، مؤكداً أن «موقف الحكومة واضح تجاه الانتخابات في أرض الصومال، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من البلاد».

وحذّر وزير الخارجية الصومالي «بعض السفراء لدى البلاد بكتابة مقال يتعارض مع وحدة وسيادة البلاد عند الإعلان عن نتائج الانتخابات في أرض الصومال، والتي تعد شأناً داخلياً».

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (رويترز)

خطوط حمراء

ولم تكن تلك الخطوة الأولى ضمن الخطوط الحمراء التي رسمتها مقديشو في رفضها المساس بسيادتها، حيث وقَّع الرئيس حسن شيخ محمود قانوناً يُلغي اتفاقاً مبدئياً وقّعته إثيوبيا، في يناير (كانون الثاني) 2024، مع إقليم «أرض الصومال»، والذي تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة.

وتوجهت مقديشو إلى الجامعة العربية، وحصلت على دعم إضافي باجتماع طارئ ذهب، في يناير (كانون الثاني) 2024، إلى أن المذكرة باطلة. وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة المتوترة علاقاتها مع أديس أبابا، ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وسط قلق إثيوبي، ومدّ مصر الصومال بأسلحة ومُعدات لمواجهة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، رسمياً، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029. وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ سيادة واستقلال الصومال».

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «قرار استدعاء السفير قد يُفهم بأنه تحرك دبلوماسي، في جزء من استراتيجية الصومال لتضييق الخناق على أرض الصومال، قبل العودة إلى أي مفاوضات مرتقبة، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز موقفها في مواجهة أي محاولات لانفصال أو استقلال أرض الصومال، مما قد يؤثر على استقرار المنطقة».

ويَعد المحلل الصومالي «قرار استدعاء سفير الدنمارك أيضاً خطوة تُظهر رغبة الحكومة في الحفاظ على سيادتها، ورفض أي تدخلات خارجية»، لافتاً إلى أن «تحرك بعض السفراء قد يُفسَّر بأنه في إطار ضغوط على الحكومة الصومالية لإحداث تغييرات معينة، أو قد يكون مجرد مراقبة روتينية للانتخابات والأوضاع السياسية، أو محاولة لتوسيع النفوذ الخارجي في منطقة تُعد ذات أهمية استراتيجية».

في المقابل، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، أن «تحركات السفراء الغربيين، احتفاء بالممارسة الديمقراطية التي تجري هناك لعدة دورات، وليست للتأثير على مقديشو»، موضحة أن «الدولة الغربية التي لديها تأثير كبير هي الولايات المتحدة، من خلال حلفها التاريخي مع إثيوبيا وتعاونهما في مكافحة الإرهاب».

أمل في استئناف المفاوضات

ورغم تلك الإجراءات فإن الصومال لم تقطع شعرة معاوية في التوصل لحلول. وأعرب وزير الخارجية أحمد معلم فقي، في كلمته، عن «أمله في استئناف المفاوضات مع إدارة أرض الصومال»، مؤكداً أن «الحكومة عازمة على إيجاد الحلول للشؤون الداخلية»، دون توضيح ماهية تلك الحلول.

وجاءت تلك الآمال الصومالية الرسمية، قبل أيام من إعلان نتائج الانتخابات في أرض الصومال المقررة في 21 نوفمبر الحالي، والتي تنافس فيها 3 مرشحين؛ بينهم الرئيس الحالي للإقليم موسى بيحي عبدي، والمعارض عبد الرحمن عبد الله، ومرشح حزب «العدالة والتنمية» فيصل ورابي، وجميعهم داعمون لمذكرة التفاهم، وتختلف رؤيتهم حول كيفية إدارة الأزمة مع الصومال. وتشير نتائج أولية إلى «تقدم كبير» للمعارض عبد الرحمن عبد الله، وفق وسائل إعلام صومالية.

وفي المقابل، استمرت إثيوبيا على موقفها الداعم لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهنأته وزارة الخارجية الإثيوبية، الجمعة، على «النجاح في إجراء انتخابات سلمية وديمقراطية تعكس نضج الحكم». وسبقها، الخميس، تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية نبيات غيتاتشو أن «أديس أبابا ستواصل عملياتها الحاسمة لإضعاف حركة (الشباب الإرهابية)؛ بهدف ضمان عدم تشكيلها تهديداً للأمن القومي الإثيوبي»؛ في إشارة لعدم الخروج من مقديشو.

ولا يعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية عبد المنعم أبو إدريس أن «يكون لنتيجة الانتخابات في أرض الصومال تأثير على علاقة مقديشو مع الإقليم، خاصة أن المرشح عبد الرحمن عبد الله لم يُظهر معارضة لمذكرة التفاهم مع إثيوبيا». ويستدرك: «لكن يمكن أن تعود المفاوضات بين مقديشو وأرض الصومال في حال كان هناك طرح لشكل فيدرالي يعطي الأقاليم المختلفة في الصومال الكبير قدراً من الاستقلالية».

ويعتقد المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري أن «تقارب مقديشو مع أرض الصومال قد يثير قلق أديس أبابا، وإذا كانت هناك رغبة في تعزيز العلاقات بين مقديشو وأرض الصومال، فقد تسعى إثيوبيا إلى عرقلة هذا المسار، ومن المحتمل أن تتدخل لإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة، خاصةً في إطار مذكرة التفاهم القائمة».

ويؤكد أن «أي حل محتمل في هذه الأزمة سيكون له تأثير كبير على الأوضاع في القرن الأفريقي، واستقرار مقديشو وأرض الصومال، ويمكن أن يُفضي إلى تعزيز التعاون الإقليمي، بينما أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة».