عون يخطط لسحب التكليف من الحريري رغم العوائق الدستورية

بعدما أخفق في تطويقه مسيحياً

TT

عون يخطط لسحب التكليف من الحريري رغم العوائق الدستورية

كشف قطب سياسي أن التيار السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أعد خطة لتطويق الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، لدفعه للاعتذار عن تأليفها، وقال بأن تسريب «الفيديو» الذي اتهم فيه عون الحريري بالكذب، جاء في سياق استفزاز الأخير لدفعه لرد فعل غاضب يؤدي إلى إقفال الباب في وجه المحاولات الرامية لإعادة التواصل بينهما لإنقاذ مشاورات التأليف بعد أن اصطدمت بحائط مسدود؛ لكن هذا الفريق فوجئ بامتناعه عن الدخول في سجال يراد منه أخذ البلد إلى المجهول.
ولفت القطب السياسي الذي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن عون باتهامه الحريري بالكذب أقحم البلد في مرحلة جديدة، غير تلك المرحلة التي كانت سائدة، وإنما هذه المرة عن سابق تصور وتصميم، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن فريقه السياسي تعمد تسريب «الفيديو» بعد أن أخفق في رهانه على أن مواصلة الضغط على الرئيس المكلف سيضعه أمام خيارين: التسليم بشروط عون للإفراج عن التشكيلة الوزارية التي يريدها أن تكون على قياس طموحات وريثه السياسي باسيل، وتدفع باتجاه إعادة تعويمه سياسياً، أو الاعتذار عن التأليف؛ لكنه اصطدم بثباته على مواقفه انسجاماً مع تمسكه بالمبادرة الفرنسية التي نعاها باسيل برفضه تشكيل حكومة مهمة.
وأكد أن عون ومن خلفه فريقه السياسي الذي يتلقى تعليماته من باسيل فوجئ برد فعل الحريري بإحجامه عن الانجرار إلى ملعبه، وبرفضه الانخراط في حملة سياسية يراد منها تطييف عملية التأليف وبإعادة الهدية «الملغومة» التي أرسلها إليه باتهامه بالكذب، وقال بأن عون أخفق في تحريضه على الحريري من خلال تقديمه للشارع المسيحي على أنه يصادر التمثيل المسيحي في الحكومة، ويقطع الطريق على رئيس الجمهورية ليكون شريكاً في التأليف لاسترداد حقوق المسيحيين.
ورأى القطب نفسه أن فريق عون أُصيب بصدمة عندما لم يتمكن من استنفار الشارع المسيحي ضد الحريري، من خلال إحداث انقسام في البلد بين المسيحيين والمسلمين، فيما يلوذ «حزب الله» بالصمت رافضاً التدخل للضغط عليه لعله ينجح في إمساكه مجدداً بزمام المبادرة، في الوقت الذي يسعى فيه باسيل لتقديم أوراق اعتماده إلى الرئيس المنتخب جو بايدن الذي يستعد لتسلم صلاحياته الدستورية في 20 الجاري من هذا الشهر، ظناً منه بأنه لن يقضي ليلته الأولى في البيت الأبيض، من دون أن يلتفت إليه ويرفع عنه العقوبات الأميركية.
وقال إن الفريق السياسي لعون الذي تتشكل منه غرفة الأوضاع التي أناط بها التخطيط لتطويق الحريري والإطاحة به تنفيذاً لأمر العمليات الصادر عنه بالنيابة عن باسيل، اضطر للبحث عن بدائل بعد أن أيقن أن تسريب «الفيديو» لم يفعل فعله وارتد على صاحبه، وسرعان ما اكتشف في سياق تحريضه على الرئيس المكلف أن هناك إمكانية لتطويقه من خلال اتهام رؤساء الحكومة السابقين بالتنسيق معه، وبالتفاهم مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، بأنهم يعدون العدة للإطاحة بعون قبل انتهاء ولايته الرئاسية.
وأكد أن لا أساس من الصحة لمثل هذا السيناريو الذي يأتي أيضاً في سياق الانقضاض على الحريري وصولاً إلى إنهاء خدماته السياسية في الشهر المقبل، مع أن هذا الفريق يدرك جيداً أن لعبته باتت مكشوفة؛ ليس لأنه ماضٍ في محاولاته لإخراج تشكيل الحكومة من الأَسر المفروض عليها من عون فحسب، وإنما لتعذر إيجاد البديل للمجيء بحكومة تكون نسخة طبق الأصل من حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب، إضافة إلى أن استحضاره لتنحيته من قبل المسلمين لا يلقى استجابة في الشارع المسيحي الذي يرفض بمعظم قواه الرئيسة الانخراط في مخطط أقل ما يقال فيه أنه يؤدي إلى إحداث اصطفاف سياسي بلون طائفي ومذهبي.
لذلك فإن رؤساء الحكومة السابقين أحسنوا في إدارتهم للعبة السياسية، وتمكنوا بالتفاهم، ومن موقع الاختلاف مع القوى الفاعلة في الشارع المسيحي، وبالتواصل مع المرجعيات الدينية المسيحية، من حشر عون في الزاوية، وإن كان حليفه «حزب الله» يمارس الصمت بصورة رسمية في مقابل تزويده بجرعات سياسية، لعله يستطيع أن يقلب الطاولة على خصومه.
وعليه، فإن «حزب الله» وإن كان ينأى بنفسه عن الدخول في السجال السياسي الدائر بين عون وخصومه وما يخلفه من احتقان وتجاذبات، فإنه يطلق يد حليفه لعله يتمكن من تحسين شروطه، بذريعة أن لا حلفاء له سواه في الشارع المسيحي، إضافة إلى أنه ينوب عنه في ترحيل البحث في تأليف الحكومة، بينما لا يلوح في الأفق ما يدعو للرهان على إعادة تعويم المبادرة الفرنسية.
على صعيد آخر، بدأ يتردد أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يعتزم القيام بوساطة بين عون والحريري لرأب الصدع بينهما، بغية إنقاذ مشاورات التأليف من الجمود القاتل الذي يحاصرها؛ لكن مصادر مقربة منه قالت لـ«الشرق الأوسط» إن لا علم له بذلك، ليس لأنه لا يريد التدخل ويبقى شاهداً على تدحرج البلد نحو الانهيار الشامل وإنما لأن هناك من يحرض على دوره ويلصق به التهم بعدم تسهيل إقرار مشروعات واقتراحات القوانين، مع أن هذه التهمة ليست في محلها؛ لأن البرلمان يقوم بواجباته وأن المشكلة في مكان آخر.
كما أن من يراهن على دوره الإنقاذي لا يفتعل مشكلة من خلال مطالبته بنزع صلاحية تفسير الدستور من المجلس النيابي وإلحاقها بالمجلس الدستوري، وذلك في إشارة مباشرة إلى تلويح عون بهذا الخصوص، وكأنه يريد أن يقطع الطريق على احتمال تدخل بري ما دام من أولوياته الاستمرار في تطويق الرئيس المكلف للتخلص منه، رغم أنه يدرك جيداً أن هناك استحالة دستورية في أن ينتزع التكليف منه.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.