هبة طوجي تهز قلوب المدربين بإطلالتها الأولى في برنامج «ذا فويس» الفرنسي

الأربعة صفقوا لأدائها وقوفا.. و«زازي» تصفها بـ«ماريا كالاس العرب»

هبة طوجي
هبة طوجي
TT

هبة طوجي تهز قلوب المدربين بإطلالتها الأولى في برنامج «ذا فويس» الفرنسي

هبة طوجي
هبة طوجي

شكلت إطلالة الفنانة اللبنانية هبة طوجي في برنامج «ذا فويس» الفرنسي، قنبلة الموسم الرابع فيه، وذلك خلال أدائها المباشر في حلقة «الصوت وبس»؛ فما إن بدأت في أغنية «les moulins de mon Coeur» للمغني الفرنسي ميشال لو غران، مؤدية مطلعها بالفرنسية لتنتقل بعدها إلى غنائها بالعربية (لا بداية ولا نهاية)، حتى راح المدربون الأربعة (ميكا، وفلوران بانييه، وجنيفر، وزازي) يضغطون على أزرار كراسيهم الواحد تلو الآخر مستديرين بها نحو هبة بعد أن انبهروا بصوتها.
اختارت هبة الفنان البريطاني ميكا للانضمام إلى فريقه، لا سيما أنه كان أول من ضغط على الزر واستدار بكرسيه نحوها، وقد بدا مشدوها بأدائها تماما كالمدربين الثلاثة الباقين الذين لم يتحرك لهم جفن أثناء وصلتها الغنائية، مكتفين برسم علامات الإعجاب والتعجب على وجوههم طيلة الدقائق الثلاث التي استغرقتها في الغناء لقدرة صوتها المتفوقة، التي دفعت بالمدربة «زازي» إلى وصفها بأنها «ماريا كالاس» متوجهة إليها بالقول: «لقد ذكرتني بها، ليس بالصوت فقط؛ وإنما أيضا بالإمكانات الهائلة التي تتمتعين بها».
لم تأخذ هبة طوجي الوقت الطويل في التفكير إلى أي من المدربين الأربعة ستنضم، إذ كانت صرحت قبيل اعتلائها المسرح بأنها ستختار ميكا فيما لو استدار بكرسيه نحوها، ولكنها في الوقت نفسه تمنت أن يستدير المدربون الباقون أيضا.
ردود فعل المدربين الأربعة على أداء هبة طوجي كانت متشابهة، وقد استهلها ميكا الذي بدا متأثرا فأخذ نفسا عميقا قبل أن يقول لها: «ما اسمك؟»، وبعد أن ردت عليه قال متلعثما: «أنت من لبنان؟» وتابع قائلا: «أنا أصبت بالاحمرار لأنك مغنية كبيرة»، فجاوبته زميلته جنيفر: «هل تريد القول إنها معروفة أيضا في لبنان؟»، فرد: «هي مغنية مشهورة في لبنان والعالم العربي»، عندها قاطعته زازي قائلة: «إذن ماذا سيفعل القسم الآخر من العالم من دونها؟»، وهنا كان لجنيفر مداخلة أخرى عندما شرحت بأن هدف طوجي هو تجاوز الحدود العربية، فأكدت كلامها هبة قبيل أن يصف ميكا انطلاقتها هذه بالسامية، فردت زازي بأنها ذكرتها بماريا كالاس مستفسرة منها عن التقنية التي اتبعتها في غنائها والتي سرقت انتباههم طيلة أدائها، مشيرة إلى أنها استطاعت أن تمثل العالم العربي خير تمثيل. أما المدرب فلوران بانييه فقال معلقا: «لقد كنت متأكدا من أنك فنانة محترفة، فلديك مستوى رفيع في الغناء، وهو أمر بدا جليا في أسلوبك في ختام الأغنية. ما قمت به كان جميلا جدا، وأتمنى أن تنضمي إلى فريقي لاكتشاف الثقافة الفنية التي تتمتعين بها».
أما جنيفر فتحدثت عن أداء هبة طوجي بإسهاب عندما قالت: «لقد كنت خارجة عن المألوف إن في قدرتك الصوتية أو في كيفية التحكم بها، وحتى في التقنية التي تستخدمينها، فكل شيء كان نابعا من داخلك، وشعرنا أننا نريد أن نستمع إليك لفترة أطول، وأتمنى أن أضمك إلى فريقي، فليس لدي موهبة تشبهك».
وبعد أن ردت هبة طوجي على أسئلة ميكا الاستفهامية حول مكان ولادتها (بيروت) وعمرها (26 عاما)، وبأنها بدأت مشوارها الغنائي منذ نعومة أظافرها، تمنى عليها أن تنضم إلى فريقه الغنائي، لأن ما لفته فيها الجرأة في أداء أغان غربية رغم أنها فنانة عربية، فكسرت بذلك القاعدة السائدة في العالم العربي، وهو أمر يحدث الصدمة في الساحة هناك فيما لو تم تجاوزه. وقال: «أنت كسرت القاعدة، لا سيما أنني أتابعك منذ عدة سنوات ولا أستطيع أن أصدق بأنك واقفة هنا أمامي». وختم بالقول: «معك سأتعلم أنا أيضا وسنتبادل الخبرات، وهو أمر رائع».
وعندما أخذت وقتا للتفكير بالمدرب الذي ترغب في الانضمام إلى فريقه، قال لها ميكا: «في استطاعتك أن تسألينا عن (أماكن ولادتنا)»، غامزا من قناة أصوله اللبنانية؛ إذ هو من مواليد لبنان.
وكانت هبة طوجي قد أعلنت عن موعد إطلالتها هذه في برنامج «ذا فويس» على قناة «tf1» الفرنسية، وفي تغريدة لها عبر حسابها الخاص على موقع «تويتر» الإلكتروني.
وتسمر اللبنانيون أمام شاشات التلفزيون يتابعون البرنامج بحماس، وينتظرون إطلالتها بفارغ الصبر، لا سيما أن البرنامج استخدم صوتها في هذه الأغنية للترويج الإعلاني لموسمه الرابع. وبعيد ذلك انهمرت التعليقات على المواقع الإلكترونية من قبل اللبنانيين؛ سياسيين وفنانين وإعلاميين وأشخاص عاديين، وتناولت مرورها الأول في البرنامج. فوصفها الوزير السابق زياد بارود قائلا: «هبة طوجي هي فخر كبير للبنان.. أنت رائعة»، فيما دون النائب سامي الجميل على حسابه الخاص على موقع «تويتر» قائلا: «أنت الأفضل. لقد جعلتنا نفاخر بلبنانيتنا»، فيما علقت ميشال تويني ابنة الراحل جبران تويني: «جميع اللبنانيين يجب أن يفتخروا بك.. برافو!» وكتبت الفنانة مايا دياب: «نحن فخورون بك، ولبنان بأكمله يشجعك.. انطلقي». أما أنطوني توما الذي سبق أن شارك في البرنامج نفسه، إلا أن الحظ لم يحالفه بعيد وصوله إلى المرحلة نصف النهائية، فقد غرد قائلا: «نعم أنا فخور بك هبة طوجي.. لنفز هذه السنة في (ذا فويس)».
وكانت لتغريدة مدير شركة «يونيفرسال ميوزك فرانس» للإنتاج الفني في العالم باسكال نيغر، وقعها على شبكة التواصل الاجتماعي عندما كتب قائلا: «ما هذه الموهبة؟ ما هذه الفنانة الكبيرة وهذا الصوت الرائع؟ لقد اخترقت قلوبنا!»، مما ينبئ عن مستقبل واعد للفنانة اللبنانية في عالم الغرب.
أما هبة طوجي فردت على الجميع بتغريدة قالت فيها: «لقد تأثرت كثيرا بكلامكم الذي لامسني في الأعماق، شكرا لجميع الرسائل والتغريدات المشجعة لي.. لقد بدأت المغامرة!».
أما الذين فاتتهم متابعة الحلقة كالإعلامي طوني خليفة، فقد طالب من بحوزته التسجيل المصور لها أن يضعه على صفحة «تويتر» ليشاهدها، وهكذا كان. فبعد دقائق من إطلالة هبة طوجي على الشاشة الفرنسية، كان فيديو مرورها هذا يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من «فيس بوك» و«إنتستاغرام» و«تويتر»، و«يوتيوب».. وغيرها.
رغم كل هذا الإجماع الذي لاقته هبة طوجي في إطلالتها هذه، فإن اللبنانيين يمسكون قلبهم بيدهم خوفا من أن تلاقي المصير نفسه الذي سبق أن لاقاه المشتركون اللبنانيون الذين كانت لهم تجربتهم في البرنامج نفسه منذ موسمه الأول (جوني معلوف وأنطوني توما وآلين لحود)؛ إذ لاقوا الترحيب نفسه من قبل أعضاء لجنة الحكم حينها، إلا أنهم في النتيجة لم يلاقوا النتيجة المرجوة لسبب أو لآخر. إلا أن التجربة هذا العام ستأخذ منحى آخر، إذ قرر اللبنانيون من جميع الأطياف والمراكز الاجتماعية والفنية، دعم هبة طوجي بكل ما لديهم من إمكانات في عمليات التصويت اللاحقة، والتي ستشهدها المراحل المقبلة في المواجهات الثنائية وحتى الثلاثية في البرنامج لإنقاذ ممثلتهم في «ذا فويس فرنسا» في كل مرة توضع في مرحلة الخطر أو تنتقل من مرحلة إلى أخرى، آملين أن يلعب مدربها ميكا صاحب الأصول اللبنانية دوره في هذا الصدد فيحضن موهبتها ويتشبث بها مهما كلفه الأمر.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)