ليبيون يبحثون عن أقاربهم بين متعلقات ضحايا «مقابر ترهونة»

وسط مطالب بالثأر من ميليشيا «الكانيات»

جانب من معرض متعلقات ضحايا «المقابر الجماعية بترهونة» (عملية بركان الغضب)
جانب من معرض متعلقات ضحايا «المقابر الجماعية بترهونة» (عملية بركان الغضب)
TT
20

ليبيون يبحثون عن أقاربهم بين متعلقات ضحايا «مقابر ترهونة»

جانب من معرض متعلقات ضحايا «المقابر الجماعية بترهونة» (عملية بركان الغضب)
جانب من معرض متعلقات ضحايا «المقابر الجماعية بترهونة» (عملية بركان الغضب)

حول واجهات زجاجية عديدة ثبتت في جنبات المعرض، الذي أقامته سلطات العاصمة الليبية طرابلس خلال اليومين الماضيين، وعرض فيه ملابس ومتعلقات شخصية للجثث، التي تم انتشالها من «المقابر الجماعية» في ترهونة، علت أصوات البكاء، وظهرت علامات الحسرة على غالبية المواطنين، الذين جاءوا على أمل العثور على دليل يؤكد وجود ذويهم المختفين منذ سنوات بين عشرات الجثث، لعلمهم بأنهم قضوا نحبهم على يد ميليشيا «الكانيات».
وأحدث العثور على «مقابر جماعية» في مدينة ترهونة (80 كيلومتراً من العاصمة) ردود فعل غاضبة، حيث دعت منظمات دولية ومحلية إلى تحقيق «سريع وشفاف في هذه الجرائم»، وبحث مصير السكان المفقودين على يد ميليشيات «الكانيات». كما سبق للهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، وهي هيئة حكومية، الإعلان عن العثور على 29 «مقبرة جماعية» حتى الآن.
وضم المعرض، الذي نظمه قسم الأدلة بوزارة العدل التابعة لحكومة «الوفاق»، برئاسة فائز السراج، المتعلقات الشخصية للضحايا، وأدلة تم تسجيلها وهي عبارة عن بقايا وأجزاء من الأعيرة النارية والشظايا التي تشير إلى «إعدام الضحايا بأكثر من سلاح وأكثر من رصاصة»، بحسب عملية «بركان الغضب» التابعة لقوات «الوفاق». وكشفت هذه المتعلقات عن قصص مأساوية، تنوعت ما بين العثور على أُسر بأكملها كانت مختفية منذ سنوات على خلفيات سياسية، وبين مواطنين آخرين لم يجدوا أثرا لذويهم بين المتعلقات المعروضة.
وقالت «العملية» إنه تم التعرف رسمياً على جثامين ثلاثة مفقودين من عائلة واحدة، بعد التأكد من وجود علامات دالة على الضحايا، مشيرة إلى أن هؤلاء الضحايا «وقعوا في قبضة عصابة (الكانيات) في الخامس من أبريل (نيسان) الماضي».
وفيما لفتت إلى أن أحد الضحايا الذين تم التعرف على هويتهم، يدعى نور الدين، وهو أب لستة أطفال أصغرهم أبصر النور بعد اختطاف والده، كشفت «بركان الغضب» أن سيدة تعرفت على متعلقات زوجها، مسعود علي أنديش، الذي تم انتشال رفاته من «المقابر الجماعية» في مشروع الربط؛ وقد فقد في نهاية عام 2019.
وفي اليومين الأول والثاني من المعرض تمكن عدد من أسر المفقودين من تحديد ستة من الضحايا، الذين عثر عليهم في «المقابر الجماعية»، لكن ابنة أحد المختفين دخلت في حالة صراخ وعويل، عندما لم تتمكن من التعرف من خلال المتعلقات المعروضة على وجود جثة والدها، المتُغيب من سنوات، وصرخت: «قولوا لي إن بابا ميت، أريد أن أرى الجثة».
ونقلت مقاطع فيديو عديدة، بثتها عملية «بركان الغضب»، مشاهدات عكست جميعها حالة من الحزن وخيبة الأمل لمن عثر على دليل، يشير إلى وجود جثة ذويه بين ضحايا المقابر، أو بين من لم يجدوا شيئا يريح قلوبهم، وفقاً لأحد المسؤولين عن المعرض. وأمام إحدى واجهات المعرض جلست زوجة المواطن فتحي سعيد عبد القادر تنتحب، فور تعرفها على متعلقاته الشخصية، بعد سنوات من اختفائه.
ومن بين الذين تم التعرف على متعلقاتهم 6 أشخاص من الإخوة والأقارب، ينتمون إلى عائلة عبد القادر، تتراوح أعمارهم وقت اختفائهم بين 32 و46 عاماً.
ونقل عن الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين الحكومية، أن 338 شخصاً على الأقل من سكان ترهونة فقدوا، بعد تمكن ميليشيا «الكاني» المحلية، المعروفة باسم الكانيات، من السيطرة على المدينة عام 2015، ويواجه عناصر هذه الميليشيا التي فرت من ترهونة اتهامات بخطف المواطنين واحتجازهم وتعذيبهم وقتلهم، على خلفيات سياسية.
وكانت البعثة الأممية لدى ليبيا قد دعت إلى تحقيق سريع وشفاف في اكتشاف هذه المقابر معظمها بمدينة ترهونة، جنوب شرقي طرابلس. وقالت البعثة في بيان إنه «وفقا للقانون الدولي، فإنه يتعين على السلطات الليبية إجراء تحقيق سريع وشفاف، وفعال بخصوص التقارير حول ارتكاب حالات قتل خارج نطاق القانون».
وفور العثور على هذه المقابر، استغرب الطاهر السني، مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، من عدم إقدام المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في القضية، وتساءل: «هل ما زالت المحكمة تحتاج إلى أدلة على إجرام ميليشيا (الكانيات)؟».
ومن جانبه، وصف سفير هولندا لدى ليبيا لارس تومرز، صور وتقارير المقابر الجماعية في مدينة ترهونة، جنوب شرقي العاصمة طرابلس، بـ«المشهد المروع وغير المقبول».
وفي حالة هستيرية طالب كثير من الأسر، ممن حضر معرض متعلقات ضحايا «المقابر الجماعية»، السلطات الأمنية بسرعة اعتقال جميع عناصر «الكانيات»، وتقديمهم للمحاكمة ثأراً لضحاياهم، الذين قالوا إنهم سقطوا في قبضة هذه الميليشيا منذ سنوات، مشددين أيضاً على ضرورة إخضاع الجثث، التي لم يتم التعرف عليها لتحليل الحمض النووي الـ«DNA».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.