تسلق جبال الهيمالايا مع الجنود والجواسيس واللاما

كتاب يُفند تاريخها بدءاً من تشكلها قبل 50 مليون سنة حتى حُمّى تسلق قمة إيفرست المعاصرة

في كتابه المعنون «الهيمالايا: تاريخ بشري» يُفند الصحافي إد دوغلاس تاريخ تلك الجبال (غيتي)
في كتابه المعنون «الهيمالايا: تاريخ بشري» يُفند الصحافي إد دوغلاس تاريخ تلك الجبال (غيتي)
TT

تسلق جبال الهيمالايا مع الجنود والجواسيس واللاما

في كتابه المعنون «الهيمالايا: تاريخ بشري» يُفند الصحافي إد دوغلاس تاريخ تلك الجبال (غيتي)
في كتابه المعنون «الهيمالايا: تاريخ بشري» يُفند الصحافي إد دوغلاس تاريخ تلك الجبال (غيتي)

عندما سافرت إلى الهند للمرة الأولى، طرحت على أحد أكثر السياسيين خبرة في الحكومة الهندية سؤالاً كنت أخشى طرحه على أي شخص آخر، ولكنه بدا سؤالاً جوهرياً في طريقي لفهم تلك المنطقة: لماذا يوجد هذا العدد الهائل من الناس في الهند؟ من الناحية الجغرافية، هي أصغر بمقدار الثلث عن الولايات المتحدة الأميركية، ولكن تعداد سكانها أكبر بخمس مرات تقريباً. وقف الرجل السياسي -وهو الذي حظي بمسيرة مهنية طويلة ناجحة في الولايات المتحدة، بصفته مديراً تنفيذياً في مجال الأعمال، وكان مسروراً لشرح أي أمر تقريباً للمراسل الصحافي الجديد- عن كرسيه، وسار نحو الخريطة المعلقة على الحائط، ونقر بأصبعه على بقعة معينة مظللة باللونين البني والأبيض، ثم قال: «الإجابة تكمن في جبال الهيمالايا».
ثم أوضح لي أن أعلى سلسلة جبال في العالم، التي تضم قمة جبل إيفرست، وعدداً لا يُحصى من الأساطير والأساطير المضادة، قد خلقت شبكة نهرية هائلة للغاية، خلفت ورائها تربة بالغة الخصوبة بصورة مذهلة، عبر مساحة شاسعة من الأراضي في قارة آسيا. وليس من قبيل المصادفة أن تقع على جانبي هذه الجبال الشاهقة أكبر دولتين على مستوى العالم من حيث عدد السكان، ألا وهما الهند والصين. فإذا ما أضفنا إليهما كلاً من باكستان وبنغلاديش ونيبال، وكلها تعتمد أيضاً بصورة كبيرة على الأنهار التي تنبع من جبال الهيمالايا، فإننا نتحدث هنا عن ما يقرب من نصف الجنس البشري المرتبط تماماً بهذه السلسلة الجبلية العالية.
ولقد أسفر النطاق الذي هو جزء من منطقة المرتفعات الشاسعة الممتدة لأكثر من ألفي ميل من قيرغيزستان في الغرب حتى ميانمار في الشرق، عن تشكيل وجه قارة آسيا بأكثر من أي سمة جغرافية أخرى تمكنت من تشكيل أي قارة على وجه الأرض. ولقد تدفقت القوى التي حركت الأديان والتجارة والتعلم والتفاعلات البشرية خلال هذه الجبال وتلالها عبر آلاف السنين. وحتى يومنا هذا، فإن بعض أكثر البقاع الساخنة في آسيا التي يمكن أن تؤدي إلى تحريك الجيوش الجرارة عبر أراضيها، وانطلاق المقاتلات النفاثة في أجوائها، توجد في أعالي جبال الهيمالايا. وأضاف السياسي الهندي قائلاً: «إن المحترفين لا يُلحقون حرف (s) إلى نهاية كلمة هيمالايا في الإنجليزية؛ إنها لفظة مفردة فقط تلك التي تعني في اللغة السنسكريتية القديمة: موئل الثلوج».
وفي كتابه المعنون «الهيمالايا: تاريخ بشري»، يُفند الصحافي إد دوغلاس تاريخ تلك الجبال، بدءاً من تاريخ تشكلها قبل ما يقرب من 50 مليون سنة حتى حُمى تسلق قمة إيفرست المعاصرة. ويأتي كتابه ذلك نتاجاً لقدر هائل من الأبحاث التي ركزت على غزوات جبال الهيمالايا، والممالك والدول ذات الصلة التي تنافست على بسط السيطرة هناك، حيث جاءت ملاحظاته بالغة الدقة، مع توهجات سردية يسهل الوقوف عليها في مختلف فقرات الكتاب.
كتب دوغلاس يقول: «عندما تغادر بلدة ساغا الحدودية المتواضعة، تتلاشى هضبة التبت من الأفق تماماً. وعند السفر على خطوط العرض نفسها الموازية للجزائر، فإنك تمر بكثبان رملية على مرأى من القمم بيضاء اللون. وتغلفك أضواء الفجر بهالة من الفخامة، مع تحويل التلال السفلية إلى ألوان العسل والكراميل الزاهي، لكن من الصعب تماماً تصور أن أي شيء يمكن أن يعيش في مثل تلك الأجواء بالغة التقشف. ثم تلحظ من بعيد قطعان الحمير البرية، وتُسمى «خيانج» بلغة أهل التبت، وهي ترعى على العشب الأبيض الهزيل الذي ينمو في البراري الصخرية. ويكون الهواء رقيقاً عند ارتفاع 15 ألف قدم، ويبدو كل شيء قريباً للغاية، غير أنك تشعر بالتقزم حيال المجال الواسع للغاية من المناظر الطبيعية المحيطة بك. ومن اليسير معرفة أسباب ازدهار الفلسفة التي تؤكد على الطبيعة الواهمة للوعي الفردي، تماماً كما تقول البوذية ذائعة الانتشار في تلك الأماكن».
يقول دوغلاس إن الأمر المثير للاهتمام هو أن جبال الهيمالايا كانت على الدوام تضطلع بدورين متناقضين: فهي موضع المأوى الروحي والانفصال التام عن العالم، وهي أيضاً موضع التقاء وتبادل الثقافات المتباينة بصورة جذرية عبر شبكة راسخة من الممرات الجبلية الشاهقة. لقد كان هذا المناخ محضناً لنشوء عدد لا حصر له من الأساطير، وكان جزء كبير من مهمة دوغلاس تمييز الحقيقة من الأسطورة. على سبيل المثال، قبل فترة طويلة من استحداث «جيمس هاميلتون» لمفهوم «شانغري - لا: يوتوبيا الهيمالايا الأسطورية أو وادي السعادة الدائمة المعزول» في رواية «الفردوس المفقود» التي صدرت في عام 1933، كان أهل التبت يتحدثون فيما بينهم عن أمر مشابه، وهو العالم الطوباوي الفريد المعروف عندهم باسم «شامبهالا». ومن الطريف في ذلك أن بعض علماء التبت قالوا إن «شامبهالا» موجودة في أوروبا، وليس في التبت.

معارك ومكيدات وتجارة
ورغم أن تصورنا المبدئي عن هضبة التبت أنها عبارة عن مكان منعزل مغلق، فإن هذا خطأ واضح. فلقد كانت تلك المنطقة مركزاً تجارياً عالمياً، مع قوة ثقافية كبرى، لمئات السنين. وفي القرن السابع عشر الميلادي، شرع تاجر من أرمينيا في رحلة البحث عن المسك، ذلك المكون العطري الثمين المربح بصورة مذهلة الذي يصدر عن الإفرازات الغدّية لغزلان المسك في هضبة التبت. ثم جاء البريطانيون بعد ذلك بفترة وجيزة، في جزء من «شركة الهند الشرقية». وبحلول عام 1856، كانوا قد قاموا بقياس أعلى الجبال المطلة على المناظر الطبيعية المحيطة، وأطلقوا عليه اسم مهندس المساحة البريطاني الشهير «جورج إيفرست». وفي غضون ذلك تقريباً، أرسلت «شركة الهند الشرقية»، غير المعروفة أبداً بإيثارها، لصوص الشاي إلى الصين تحت عباءة التجار قليلي الحظ، وهم الذين أخرجوا الآلاف من نباتات الشاي من تلك المنطقة لكي يزرعوها في الجانب الآخر من جبال الهيمالايا. ومن ثم، بدأت صناعة الشاي العملاقة في شبه القارة الهندية.
وتعد جبال الهيمالايا اليوم منطقة مفعمة بالمكائد والمؤامرات والصراعات، تماماً كما كانت في أي وقت مضى. فقد اشتعلت في يونيو (حزيران) من العام الماضي أكثر جولات العنف دموية بين الصين والهند منذ عقود مضت، وكلاهما يملك الترسانة النووية، على مدى مساحة قاحلة من الحدود المشتركة بينهما في جبال الهيمالايا، لم تخضع للترسيم الحدودي الرسمي حتى الآن. ولقد سقط عشرات الجنود صرعى لدى الجانبين، وسقط كثيرون منهم عبر الوديان الصخرية. ويكاد يكون من المستحيل ترسيم الخط الحدودي عبر هذه القمم الصخرية المرتفعة، ولدى الدول هناك نسخ متباينة تماماً من خطوط الترسيم الحدودي. وكل دولة منها عاقدة العزم على عدم التخلي عن شبر واحد من أراضيها.
كانت لدى دوغلاس -متسلق الجبال المخضرم الذي أمضى سنوات داخل وخارج نيبال يغطي التمرد الماوي، ويؤلف أكثر من 6 كتب أخرى عن الجبال- عاطفة من نوع مميز تجاه هذا الجزء من العالم، غير أن كتابه هذا عبارة عن جبل يحتاج إلى التسلق في حد ذاته، فهو يقع في 600 صفحة تقريباً، وهو كقمة جبل إيفرست بالنسبة له. وفي بعض الأحيان، تختفي القصة تماماً مثل الطريق الذي يتلاشى في خضم غابة من الحقائق، إذ يعد دوغلاس مؤلفاً مولعاً للغاية بالحقائق. هل تريد معرفة اسم أشهر شخصية أخرى ولدت في بلدة مسقط رأس العالم الإيطالي جوزيبي توتشي نفسها، أو كيف يؤثر هطول الجليد في هضبة التبت على الشتاء الكندي، أو أي جزء من فراء الياك هو الأفضل لصناعة حبال الخيام؟ إن دوغلاس يعرف ذلك فعلاً.

السباق نحو سطح العالم
يعد السرد القصصي أكثر إثارة عندما يتركز حول متسلقي الجبال. فهؤلاء الأشخاص يملكون قدراً من الحكمة الحقيقية أكثر مما لدى علماء الإنسانيات والجواسيس وبناة الأمم والباحثين عن الصفاء الروحاني، أو حتى حيوانات اللاما الماكرة التي تجوب هذه المناطق. وربما تكون هذه المجموعة ذاتية الاختيار: فقط إن توفرت لديك هذه الحكمة والحضور العقلي، حيث تتمكن من تسلق جدران الجليد بسهولة، والوصول إلى سطح العالم، مع مستويات الأكسجين المنخفضة إلى ثلث مقدارها عند سطح البحر، فضلاً عن فقدان أصابع اليدين والقدمين لقاء «قضمة الصقيع» القاسية، ثم العودة بعد ذلك على قيد الحياة.
يصور دوغلاس المتسلقين كرواد الفضاء، مع عينات من القوة العضلية والحكمة العقلية، ومسابقات جبال الألب بين مختلف البلدان، لا سيما في الفترة التي تقع بين الحربين العالميتين، وكأنها معاينة مباشرة لسباق الفضاء بين الدول إبان الحرب الباردة. كانت الحكومات القومية قد دعمت فرقها الخاصة بمنتهى القوة تحت تسميات العلم وحقوق التباهي بالمنجزات، حيث وظفت اتصالاتها الدبلوماسية للحصول على تصاريح تسلق أعلى القمم العالمية في نيبال والهند والتبت، ثم تحتفل بانتصاراتها تلك بمنتهى السخاء. وخلال إحدى البعثات الاستكشافية الألمانية - النمساوية، تغذى المتسلقون على «بانزرشوكوليد» أو شوكولاته الدبابات، وهي مادة الأمفيتامين التي كانت تستخدمها أطقم الدبابات الألمانية في الحرب العالمية الثانية.
ومن الواضح تماماً أن المتسلقين يحترمون الجبال، ويمكنك الإحساس بمشاعرهم المفعمة بالحياة عبر تلك المناظر الطبيعية، حيث لا يمكن رؤية أي شيء سوى سلسلة من النقاط المظلمة للغاية بطيئة الحركة تماماً التي تعبر الثلوج البيضاء اللامعة.
كتب إريك شيبتون، وهو أحد أبرز متسلقي الجبال خبرة في ثلاثينيات القرن الماضي، يقول: «هناك قليل من الكنوز المخفية ذات القيمة الدائمة بأكثر من مجرد تجربة أسلوب الحياة الذي يشع بالارتياح التام في حد ذاته. فتلك هي الممتلكات الوحيدة التي لا يمكن لتقلبات الزمان أو كوارث الأكوان أن تحرمنا منها، ولا يمكن لشيء أبداً أن يغير من تلك الحقيقة، إن كنا قد عشناها للحظة واحدة في عمر الزمن».

* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».