مخاوف من تسرب السلاح التركي إلى أفريقيا عبر «البوابة الليبية»

باحثون حذروا من استخدامه في الصراع بين أنقرة وباريس

مدرعات سلمتها أنقرة إلى سلطات {الوفاق} لتعزيز قواتها (أ.ف.ب)
مدرعات سلمتها أنقرة إلى سلطات {الوفاق} لتعزيز قواتها (أ.ف.ب)
TT

مخاوف من تسرب السلاح التركي إلى أفريقيا عبر «البوابة الليبية»

مدرعات سلمتها أنقرة إلى سلطات {الوفاق} لتعزيز قواتها (أ.ف.ب)
مدرعات سلمتها أنقرة إلى سلطات {الوفاق} لتعزيز قواتها (أ.ف.ب)

أعادت تصريحات الرئيس النيجيري، محمد بخاري، حول تأثير «السلاح السائب» في ليبيا على تدهور أمن دول أفريقية، المخاوف مجدداً بين عدد من الاختصاصيين من إمكانية وقوع هذه «الترسانة المتنوعة» في قبضة «الجماعات الإرهابية» داخل القارة السمراء.
وإذا كان الرئيس النيجيري قد تحدث عن وصول هذه الأسلحة بالفعل إلى يد «الإرهابيين والمجرمين» منذ إسقاط النظام السابق عام 2011. فإن بعض الليبيين لم يستبعدوا «انتقال جزء من السلاح التركي إلى هذه الجماعات، التي تنشط في بعض دول الجوار»، حيث رأى طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، أن «ما أرسلته، ولا تزال ترسله تركيا إلى قوات حكومة (الوفاق)، من سلاح وذخيرة، هو بدرجة من الضخامة، بحيث يصعب معها التصديق بأنه قد تم استخدامه خلال الفترة الماضية».
ولم يستبعد الميهوب في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن يكون جزء من هذا السلاح قد انتقل بالفعل لجماعات إرهابية، تنشط في دول الجوار الأفريقي المعروفة بكونها مواقع نفوذ تقليدي لفرنسا.
وفي تقرير سابق، قدرت الأمم المتحدة كمية السلاح في ليبيا بـ29 مليون قطعة سلاح غير خاضعة للرقابة، تمتلك الميليشيات المسلحة جزءًا منها، بينما الباقي يوجد في حوزة مواطنين عاديين.
في السياق ذاته، قال رئيس مؤسسة «سلفيوم» للدراسات والأبحاث، جمال شلوف، إن أنقرة «حولت ليبيا إلى دولة عبور لشحنات سلاحها الموجهة سراً إلى أطراف عدة بالقارة الأفريقية، مستغلة الاتفاقية الأمنية التي عقدتها مع حكومة (الوفاق) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019».
وطبقا لدراسة نشرتها مؤخراً «سلفيوم» حول رصد رحلات الشحن العسكري التركي لقواعد وموانئ بالغرب الليبي، قال شلوف إن «العدد الإجمالي لهذه الرحلات بلغ منذ مارس (آذار) وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، 172 رحلة، منها 40 رحلة تمت بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين طرفي القتال الليبي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي... وأغلب الطائرات التي استخدمت هي إيرباص، بحمولة تقدر 37 طناً». مشدداً على أنه «لا يمكن لأحد أن يتصور أن كل هذه الكمية من السلاح تم استخدامها في الصراع المسلح بين الجيش الوطني وقوات (الوفاق)، علماً بأنه توقف فعلياً في يونيو (حزيران) الماضي... لذلك أرجح انتقاله إلى تنظيمات سبق لتركيا التعاون معها في سوريا، مثل (داعش) وتنظيم (القاعدة) في بلاد المغرب الإسلامي، اللذين يستهدفان قوات (عملية برخان) من الجنود الفرنسيين».
من جانبه، وصف الباحث السياسي المغربي، عبد الفتاح نعوم، التحركات التركية خلال الفترة الأخيرة بمنطقة الساحل والصحراء بـ«المريبة»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بعد انحسار دور (داعش) في الشام والعراق، حولت تركيا بوصلتها إلى ليبيا لتستفيد من الفوضى الموجودة هناك، وبالطبع ركزت على عقد تحالفات مع الميلشيات المسلحة بالغرب الليبي، والمرتبطة تحديدا بتنظيم الإخوان لتنفيذ أهدافها بالقارة السمراء».
مبرزاً أن أنقرة «تمكنت من جعل ليبيا معبراً لانتقال عناصر الجماعات المتطرفة من الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية، عبر التنسيق مع قيادات الميلشيات، لمعرفتهم بجغرافيا المنطقة، مما مكّن استخباراتها من التواصل مع أفرع تلك التنظيمات في منطقة الساحل والصحراء... وتحريض السكان المحليين هناك على الوجود الفرنسي».
بدوره، لم يستبعد الباحث بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أحمد البحيري، «تسرب جزء كبير من السلاح التركي، الذي نقل لغرب ليبيا إلى يد الجماعات المتطرفة». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الميليشيات في غرب البلاد المتحالفة مع تركيا تنسق مع عصابات التهريب بدافع المال»، لافتاً إلى أن «السلطات الرسمية في بعض الدول الأفريقية تفتقر إلى القدرة المطلوبة لتوفير حماية حدودها»، علماً بأن دولاً مثل النيجر وتشاد ومالي، وبوركينا فاسو تنشط بها الصراعات القبلية والعرقية والإثنية، كما تنشط بها التنظيمات المتطرفة، «أي أنها في حاجة دائمة للسلاح، لذا فإنها قد تلجأ للسلاح التركي الموجود في الغرب الليبي، كونه الأقرب إليها».
وانتهى الباحث المصري قائلاً: «في ظل تصاعد التوتر بين فرنسا وتركيا، وفي إطار سعي الأخيرة لتأمين مصالحها الاقتصادية، وتعميق نفوذها بالقارة السمراء، من خلال عقد اتفاقيات التعاون الاقتصادي والعسكري مع أغلب دولها، فإنه من غير المستبعد أن تكون هناك توافقات ضمنية لإيصال السلاح للجماعات التي تعادي الوجود الفرنسي».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».