استضافت باريس أمس، باكورة قمم العام الجديد تحت اسم «قمة الكوكب الواحد» التي كان يفترض حصولها العام الماضي في مدينة مرسيليا، وتم تأجيلها بسبب جائحة «كوفيد - 19». وضمت هذه القمة في نسختها الرابعة التي حصلت «عن بعد» نحو ثلاثين شخصية؛ أبرزهم، إلى جانب الرئيس الفرنسي، أمين عام الأمم المتحدة ورئيسة المفوضية الأوروبية والمستشارة الألمانية ورئيسا وزراء بريطانيا وكندا ورئيسا كوستاريكا وموريتانيا والأمير تشارلز ونائب رئيس الوزراء الصيني. واللافت كان الغياب الأميركي. ودارت المداخلات حول أربعة محاور رئيسية هي: حماية الأنظمة البيئية الأرضية والبحرية، والترويج للزراعة صديقة البيئة، وحشد التمويل اللازم للوصول إلى الأهداف المنشودة، وأخيراً التركيز على معالجة العلاقة القائمة بين القضاء على الغابات والحفاظ على الأجناس الحيوانية من جهة وصحة البشر من جهة أخرى. وفي كلمته الافتتاحية، قرع الرئيس ماكرون ناقوس الخطر محذراً من أن «مستقبل (البشرية) ومستقبل الكوكب (الأرض) على المحك، وهما مرتبطان بما نقوم به الآن وهنا»، في إشارة ضمنية إلى الفشل في احترام الالتزامات الدولية بميدان المحافظة على البيئة وعلى التنوع الحيوي. وتعتبر باريس أنه من الأهمية بمكان «الدفع باتجاه تقاطع التحديات المناخية والمحافظة على الأنظمة البيئية. من هنا، فإن «الحفاظ على التنوع الحيوي يشكل ما يشبه الضمانة لحياتنا الجماعية» في مجال الأوبئة والاحتباس الحراري. وفي هذا السياق، تنظر باريس بكثير من الأمل إلى عودة الولايات المتحدة الأميركية، في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، إلى اتفاقية المناخ التي خرج منها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب. وأضاف ماكرون أنه من المهم «التمعن بالفشل، ليس من أجل التحسر بل من أجل تسريع إنجاز المبادرات الملموسة ومتابعة تنفيذها». وذكر ماكرون، في سياق تحذيره، بأن الأهداف التي تم التوافق بشأنها في ميدان المحافظة على التنوع الحيوي، للعقد المنقضي، لم ينجز أي منها على المستوى العالمي. وفي السياق عينه، أعلن أنطونيو غوتيريش، في مداخلته، أنه «لم يعد بالإمكان الاستمرار على الوتيرة (القديمة) نفسها، في إشارة إلى كيفية التعامل مع (كوفيد- 19)». وطالب هان زينغ، نائب رئيس الوزراء الصيني، الركون إلى أساليب عمل مختلفة، إذ إنه «بالنظر لاستمرار تفشي الوباء، فإن على الأطراف أن تعثر على طرق مبتكرة للحوار وتبادل الآراء والعمل في الاتجاه نفسه من أجل تسريع المفاوضات» الخاصة بقمة التنوع البيولوجي التي يفترض أن تستضيفها مدينة كومينغ الصينية بحر العام الجاري. بيد أن العديد من المراقبين يرون أن المشكلة تكمن في أن تكاثر القمم والاجتماعات يولد انطباعاً بأن قادة العالم يعملون بجد. لكن الحراك ليس بالضرورة ضمانة للفاعلية ولتحقيق الالتزامات.
ما تريده باريس وشددت عليه مصادرها قبل حصول القمة هو التوصل إلى التزامات ملموسة؛ أكان ذلك على الصعيد التمويلي أم على صعيد الالتزامات المبادرات والتدابير التي من شأنها المحافظة على البيئة وعلى التنوع الحيوي، وفي إطار الملفات الأربعة المذكورة. وتريد باريس كذلك إعادة الاعتبار لما تسميه «الدبلوماسية الخضراء» فيما العالم منشغل بكيفية مواجهة تبعات جائحة كورونا المتجدد. لذا، فإن قمة «الكوكب الواحد» غرضها، بحسب باريس، «إظهار أنه من الممكن العمل من أجل الحفاظ على الكوكب، والتنوع البيولوجي، بطريقة ملموسة للغاية». والحال أن «الدبلوماسية الخضراء» كانت الغائب الأكبر خلال الأشهر الماضية، رغم أن انطلاقتها تمت خلال مؤتمر للأمم المتحدة للتغير المناخي تم في غلاسكو العام الماضي. وتأمل الجهة المنظمة في أن تكون قمة الأمس الافتراضية الرافعة التي تدفع «الدبلوماسية الخضراء» إلى الأمام.
غير أن «قمة الكوكب» كانت أيضاً مناسبة لإعادة تسليط الأضواء على المشروع الأفريقي الضخم المسمى إشادة «السور الأخضر العظيم» في أفريقيا، وهو مشروع أطلق في عام 2007 ويقوم على إنشاء شريط نباتي بعرض 15 كلم وبطول 8000 كلم يمتد من السنغال إلى جيبوتي، وغرضه وقف زحف الصحراء باتجاه بلدان الساحل التي تعاني، في السنوات الأخيرة، من وجود التنظيمات الإرهابية. ويعد مروجو المشروع أن تحقيقه من شأنه أن يوفر مساحات زراعية جديدة من مائة مليون هكتار، وأن يوجد فرص عمل لا تقل عن 10 فرصة، إضافة إلى دوره في «احتجاز» 100 مليون طناً من الكربون الذي يسهم في الاحتباس الحراري. بيد أن المشروع يتقدم ببطء شديد رغم مرور 14 عاماً على إطلاقه. وشكلت القمة فرصة للبحث في توفير تمويل إضافي لدفع «السور الأخضر العظيم» إلى الأمام الذي ترى فيه البلدان الأوروبية وسيلة لخفض الهجرات الأفريقية نحو أراضيها عن طريق إيجاد فرص عمل للأفارقة في بلدانهم وتقليص حدة الجوع والفقر اللذين يضربان كثيراً من مناطقها.
طموحات واسعة لقمة «الكوكب الواحد».. والإنجازات متواضعة
إعادة تسليط الضوء على «السور الأخضر» الأفريقي
طموحات واسعة لقمة «الكوكب الواحد».. والإنجازات متواضعة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة