تصاميم مبدعة لتجاوز أزمة «كوفيد ـ 19»

سباق عالمي لبناء منشآت آمنة صحياً وصنع أجهزة بسيطة

تصاميم مبدعة لتجاوز أزمة «كوفيد ـ 19»
TT

تصاميم مبدعة لتجاوز أزمة «كوفيد ـ 19»

تصاميم مبدعة لتجاوز أزمة «كوفيد ـ 19»

في يناير (كانون الثاني) 2020. بدأت طبيبة الأسنان ومن حيث لا أدري بحديثها معي عن العمارة وسألت: «كيف يحصل البناء؟» وحصل هذا الحديث في زمن كانت لا تزال فيه فكرة تأثير فيروس غريب ظهر في الصين على البشرية جمعاء، احتمالاً بعيداً.
كانت الطبيبة في ذلك الوقت تشعر بالفضول حول هندسة مستشفيين شُيّدا في مدينة ووهان خلال أيّام قليلة، في خطوة تابعها العالم على «يوتيوب» وكأنّها برنامج لتلفزيون الواقع.
تصاميم ضد «كورونا»
ولكن بطريقة غريبة جداً، تحوّل 2020 إلى عام شعاره التصميم. لم تشهد البشرية زمناً أثرّت فيه بيئة البناء بشكل مباشر على صحتنا ورفاهيتنا كالذي نعيشه اليوم.
في ذلك الوقت، لم نكن نعلم أنّ هذا الإنجاز المعماري في ووهان كان عيّنة مسبقة للجهود الجماعية الجبارة المطلوبة لمحاربة «كوفيد - 19».
ومع مجموعة المشاكل الطارئة التي سببها الفيروس، تفاعل الكثيرون مع نظام الإقفال العام برمي أنفسهم في مخيمات تصميم منزلية لصناعة معدات الوقاية الشخصية وإعادة تصميم المساحات بشكل يعيق انتقال الفيروس.
ومع تحليق أعداد الإصابات بفيروس كورونا، أثار مشهد تعاون منظومات المستشفيات الصحية مع المهندسين المعماريين لبناء مراكز وباحات للعزل، إعجاب النّاس. وكانت شركة «ماس ديزاين» للعمارة من أوائل الجهات المبادرة إلى نشر مصادر مجّانية تشرح كيفية بناء مساحات تحدّ من انتشار الفيروس.
وقال رئيس الشركة التنفيذي مايكل مورفي في تصريحات صحافية: «إن الخيارات المكانية التي نتبنّاها اليوم في هذا الوضع الطارئ قد يكون لها الدّور الأكبر في بناء أو كسر قدراتنا على الاستمرار وتجاوز هذه الأزمة وغيرها».
مشهد إبداع عالمي
> أقنعة الوجه. منذ بداية الجائحة، تحوّلت صناعة أقنعة الوجه إلى حاجة ملحّة. فبعد أن واجه العالم نقصاً حاداً فيها، اتّجه الكثيرون إلى تسخير مهاراتهم في الحياكة وبذلوا أقصى جهودهم لصناعة أغطية وجه اعتماداً على الأقمشة والتصميمات التي عثروا عليها على الإنترنت.
تنوّعت الأقنعة المبتكرة بين التصميم التقليدي الذي يشبه الأقنعة الجراحية وتصميمات أخرى ناشئة بقياسات وفعالية محسنة، حتّى أنّ الصمّ والأشخاص الذين يعانون من مشاكل في السمع نالوا حصّتهم من هذه التصميمات وحصلوا على أقنعة خاصّة بهم لأنّ الأقنعة التقليدية لا تصلح للأشخاص الذين يتحدّثون بلغة الإشارة.
> أجهزة التنفس. الأمر نفسه ينطبق على السباق نحو مضاعفة المخزون العالمي من أجهزة التهوية والتنفّس الصناعية. فقد وجد أطبّاء من إيطاليا والولايات المتحدة وأستراليا طرقاً لفصل جهاز التنفّس بشكل يتيح استخدامه لمريضين.
من جهتها، عملت شركات كبيرة مثل فورد وجنرال إلكتريك و«3 إم» على إعادة توجيه أهداف تخزين قطع السيارات لإنتاج نماذج أكثر فعالية دون استهلاك الكميات الكبيرة المعتادة من القطع. علاوة على ذلك، خاض طلّاب من تشيلي والدنمارك وإيران والولايات المتحدة تحدّيات بناء آلات طبية من القطع البسيطة المتوفّرة في محيطهم. على سبيل المثال، عمل فريق «الحالمات الأفغانيات»، الذي يضمّ مراهقات متحمّسات لصناعة الروبوتات على بناء جهاز تهوية آلي وقليل التكلفة من القطع المخزّنة التي وجدنها في مصنع قديم لسيّارات «تويوتا كورولّا» ومخطّطات من معهد ماساتشوستس للتقنية. كلّف النموذج الأوّل الذي صنعته الفتيات 500 دولار، أي عشر تكلفة النموذج التقليدي الذي يُنتج في العادة.
إشارات تحذيرية
وتحوّلت مشاركة معلومات التباعد الاجتماعي أيضاً إلى واجب تصميم جماعي: من الإشارات التوجيهية البسيطة إلى الاستخدامات المبتكرة للشريط اللاصق والألعاب المحشوة الضخمة وقصاصات الورق الصلب وغيرها الكثير من الأمثلة الذكية والمسليّة التي تهدف إلى إقناع النّاس بالحفاظ على مسافة فاصلة آمنة بينهم.
دفعنا فيروس كورونا أيضاً إلى إعادة التفكير بتصميم شوارعنا ومساحاتنا العامّة. فقد أعيد تصميم الطرقات التي كانت مخصّصة لسير المركبات لتحويلها إلى مساحات مفتوحة لتناول الطعام وتوسعات للأرصفة وخيارات أخرى تضمن للنّاس فرص ترفيه خالية من المخاطر.
كما ساهمت الاندفاعة غير المشروطة التي أدّت إلى إنتاج أقنعة الوجه وعلامات التباعد الاجتماعي المبتكرة إلى ظهور مجموعة متنوّعة من غرف تناول الطعام المغلقة. ففي مدينة نيويورك مثلاً، ازدهرت «مطاعم الشوارع» بمنصاتها الخشبية المطلية والقبب المستوحاة من تصاميم ريتشارد بوكمينستر فولر والحدائق المعدّلة والأكواخ المضاءة بمصابيح حرارية.
بدورها، تشهد مساحات منازلنا وعملنا دراسات جديدة تتوافق مع حقيقة العمل والتعليم عن بعد التي فرضتها الجائحة ودفعت الكثيرين إلى تجربة طرق جديدة لتحسين نظام حياتهم، حيث أصبح تصميم الديكور الداخلي الذي يركّز على الصحتين الجسدية والنفسية من أبرز اهتمامات النّاس.
يعجّ تاريخ التصميم بالشعارات الشهيرة التي تصوّره كأداة مؤثّرة في تحسين حياة النّاس، ولكنّ العالم لم يشهد بعد أزمة كهذه جعلتنا نفكّر كيف يمكننا تحويل التصميم إلى أداة. باختصار، يمكن القول إنّ أحد أهمّ الدروس التي علّمتنا إيّاها سنة 2020 هو أنّ التصميم لا يتمحور حول الأسلوب والجماليات فحسب.

«كوارتز»، خدمات «تريبيون ميديا»



أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري

أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري
TT

أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري

أطلس الذكاء الاصطناعي لمرض السكري

أطلقت مبادرة بحثية رائدة أول مجموعة بيانات رئيسة تربط بين العوامل البيئية والعلامات الحيوية ومرض السكري من النوع الثاني. وكشفت دراسة «أطلس الذكاء الاصطناعي الجاهز والعادل لمرض السكري» -التي تهدف إلى جمع البيانات من 4 آلاف مشارك متنوع بالفعل- عن روابط مثيرة للاهتمام بين تلوث الهواء وحالة مرض السكري، مع وضع معايير جديدة للبحث الصحي الشامل.

نظرة جديدة على مرض السكري

غالباً ما ركّزت أبحاث مرض السكري التقليدية على القياسات الطبية القياسية، لكن دراسة جديدة نُشرت في مجلة «Nature Metabolism» في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، تتبنى نهجاً مختلفاً تماماً، تجمع مبادرة «أطلس الذكاء الاصطناعي الجاهز والعادل لمرض السكري» (Artificial Intelligence Ready and Equitable Atlas for Diabetes Insights) (AI-READI) بين أجهزة الاستشعار البيئية ومسح العين ومقاييس الاكتئاب والعلامات البيولوجية، لرسم صورة أكثر اكتمالاً عن كيفية تطور مرض السكري من النوع الثاني وتقدمه.

ويتضمن الإصدار الأولي بيانات من 1067 مشاركاً، تُمثل الربع الأول من أهداف التسجيل الطموحة للدراسة. وكشفت النتائج الأولية بالفعل عن أنماط غير متوقعة، بما في ذلك وجود رابط واضح بين حالة المرض والتعرض لجزيئات صغيرة من تلوث الهواء.

آفاق جديدة في تنوع الأبحاث

تعمل مبادرة «أطلس الذكاء الاصطناعي» على إنشاء مجموعة بيانات كبيرة مصممة لأبحاث الذكاء الاصطناعي حول مرض السكري من النوع الثاني. وحتى الآن تم جمع بيانات من 25 في المائة فقط من هدف الدراسة، التي تعطي الأولوية للتنوع، وتضمن التمثيل المتساوي عبر الأعراق (الأبيض والأسود والإسباني والآسيوي) والجنسين (تقسيم متساوٍ بين الذكور والإناث) ومراحل مرض السكري (غير المصابين بالسكري ومرحلة ما قبل السكري أو مراحل مختلفة من المرض، أي من يعتمدون على الأدوية أو على الأنسولين).

ويوضح الدكتور آرون لي، الباحث الرئيس في قسم طب العيون، وأستاذ مشارك وجراح شبكية بجامعة واشنطن بالولايات المتحدة، أن المشروع يُركز على فهم عوامل الخطر للإصابة بمرض السكري، وعوامل تعزيز الصحة التي تُساعد على تحسين الحالة، ومن خلال دراسة هذه العوامل يمكن أن تؤدي مجموعة البيانات إلى اكتشافات رائدة في الوقاية من مرض السكري من النوع الثاني وإدارته.

وتؤكد الدكتورة سيسيليا لي، من كلية الطب بجامعة واشنطن في الولايات المتحدة، وهي مديرة «أطلس الذكاء الاصطناعي» أن مرض السكري من النوع الثاني ليس نفسه لدى الجميع؛ حيث يُظهِر المرضى اختلافات كبيرة في حالاتهم، ومع توفر مجموعات بيانات كبيرة ومفصلة ​​يُمكن للباحثين دراسة هذا التباين بشكل أفضل، ما يؤدي إلى اتباع نهج أكثر تخصيصاً لفهم المرض وعلاجه.

من المرض إلى الصحة والعكس

تتخذ هذه الدراسة نهجاً جديداً، ليس من خلال دراسة كيفية إصابة الناس بالمرض فحسب بل استكشاف ما يساعدهم على التعافي أيضاً. ويريد الباحثون فهم الرحلة من الصحة إلى المرض، ومن المرض إلى الصحة مرة أخرى.

وقد يؤدي هذا التركيز المزدوج إلى طرق أفضل للوقاية من الأمراض وعلاجها، ويهتم مجتمع البحث العالمي بشكل كبير بهذه الدراسة؛ حيث تمت مشاركة البيانات من مجموعة صغيرة من 204 مشاركين بالفعل مع أكثر من 110 منظمات بحثية حول العالم.

وأوضح الدكتور آرون لي أن الأبحاث التقليدية تُركز على علم الأمراض، أي دراسة كيفية تطور الأمراض وتحديد عوامل الخطر، مثل انخفاض حساسية الأنسولين وتأثيرات نمط الحياة أو الإصابة بفيروس «كورونا» أثناء الطفولة، ما قد يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري في وقت لاحق من الحياة.

ومع ذلك يريد فريقه أيضاً دراسة علم التسبب في المرض، والذي يبحث فيما يساعد الناس على تحسين صحتهم. وعلى سبيل المثال قد يكشف فهم سبب تحسن مرض السكري لدى بعض الأشخاص عن إسهامات رئيسة.

ذكاء اصطناعي لفحص صوت مريض السكري

ويتم ذلك بتوظيف الذكاء الاصطناعي في 10 ثوانٍ من الصوت لفحص مرض السكري.

وقد أظهرت دراسة بعنوان «التحليل الصوتي والتنبؤ بمرض السكري من النوع الثاني»، باستخدام مقاطع صوتية مسجلة بالهواتف الذكية، في ديسمبر (كانون الأول) 2023، برئاسة جايسي كوفمان، في مختبرات كليك للعلوم التطبيقية، بتورنتو كندا، ونُشرت في «مايو كلينك» (Mayo Clinic Proceedings: Digital Health) كيف يمكن للتسجيلات الصوتية جنباً إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي اكتشاف مرض السكري من النوع الثاني بدقة ملحوظة. إذ من خلال تحليل 6 إلى 10 ثوانٍ فقط من كلام الشخص، إلى جانب تفاصيل صحية أساسية، مثل العمر والجنس والطول والوزن، حقق نموذج الذكاء الاصطناعي دقة بنسبة 89 في المائة لدى النساء و86 في المائة لدى الرجال.

وجمع الباحثون عينات صوتية من 267 مشاركاً (سواء كانوا مصابين بالسكري أو غير مصابين به)، وسجلوا عبارات في هواتفهم الذكية 6 مرات يومياً على مدار أسبوعين من أكثر من 18 ألف تسجيل.

14 سمة صوتية

وحدد العلماء 14 سمة صوتية، مثل تغيرات درجة الصوت والشدة، والتي تباينت بشكل كبير بين الأفراد المصابين بالسكري وغير المصابين به. ومن المُثير للاهتمام أن هذه التغيرات الصوتية تختلف بين الرجال والنساء. ولهذه الأداة القدرة على اكتشاف الحالة في وقت مبكر، وبشكل أكثر ملاءمة، وذلك باستخدام الهاتف الذكي فقط.

ويمكن أن يؤدي هذا النهج المبتكر القائم على الصوت إلى إحداث ثورة في فحص مرض السكري ومعالجة حواجز التكلفة والوقت، وإمكانية الوصول المرتبطة بأساليب التشخيص الحالية.

وتشمل الاختبارات التشخيصية الأكثر استخداماً لمرحلة ما قبل السكري والسكري من النوع الثاني الهيموغلوبين السكري (السكر التراكمي) (HbA1C) إلى جانب اختبار غلوكوز الدم الصائم (FBG) واختبار تحمل الغلوكوز في الدم (OGTT) (هو طريقة يمكن أن تساعد في تشخيص حالات مرض السكري أو مقاومة الأنسولين).

ووفقاً للاتحاد الدولي للسكري، فإن ما يقرب من واحد من كل اثنين أو 240 مليون بالغ، يعيشون مع مرض السكري في جميع أنحاء العالم ولا يدركون أنهم مصابون بهذه الحالة، ونحو 90 في المائة من حالات السكري هي من النوع الثاني.