«الفقرات المدفوعة» بديل إعلاني يتلافى «كوفيد ـ 19» ويهدّد المصداقية

تسعى للترويج لعلاجات ومنتجات للوقاية من الفيروس

«الفقرات المدفوعة» بديل إعلاني يتلافى «كوفيد ـ 19» ويهدّد المصداقية
TT
20

«الفقرات المدفوعة» بديل إعلاني يتلافى «كوفيد ـ 19» ويهدّد المصداقية

«الفقرات المدفوعة» بديل إعلاني يتلافى «كوفيد ـ 19» ويهدّد المصداقية

دفعت تداعيات جائحة «كوفيد - 19» أصحاب الأعمال إلى تغيير سياساتهم التسويقية، والبحث عن بدائل إعلانية، في ظل تراجع ميزانيات الإعلانات، بسبب أزمة الفيروس. وهكذا ظهرت «الفقرات المدفوعة» وما يسمى بـ«الإعلانات المدمجة» كبديل إعلاني يتلافى أزمة الجائحة، حيث تشير الأرقام إلى «أنه لا تراجع في عائداتها مقارنة بعائدات الإعلانات التقليدية التي تراجعت بشدة».
هذه «الفقرات المدفوعة» رغم أن «بعضها يروج للقاحات الفيروس الجديدة، ومنتجات الوقاية منه»؛ فإنها تثير جدلاً في الوسط الإعلامي بين مؤيدين لهذا النوع من الإعلانات بـ«اعتبارها جزءاً من طبيعة العمل»، ومعارضين لها يرون أنها «تؤثر على مصداقية الوسيلة الإعلامية، وقدرتها على التأثير، لأنها تنطوي على خلط بين المادة التحريرية والإعلانية».
ووفق دراسة نشرها موقع «ميديا رادار» خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بشأن تحليل الإنفاق الإعلاني لمجموعة من أكبر الشركات في الولايات المتحدة الأميركية، أخذ بين يناير (كانون الثاني) 2020 وأكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، فإنه «تم إنفاق نحو 11.7 مليار دولار على (الفقرات المدفوعة) عام 2020. الدراسة التي نشرها الموقع، المتخصص في بحوث التسويق، أشارت أيضاً إلى أن 66 في المائة من المعلنين الذين لجأوا لـ«الفقرات المدفوعة» هذا العام، لم يستخدموها في العام الماضي.
الدكتور صفوت العالم، أستاذ العلاقات العامة والإعلام بجامعة القاهرة، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا النوع من الإعلانات، زاد بشكل كبير أخيراً، خاصة في محطات التلفزيون، حيث يدعى الضيف وتمنح له مساحة ليقول ما يريد، دون تدخل من المسؤولين عن المحطة التلفزيونية، مقابل مبلغ مالي يقدر بحسب الوقت الذي يريده الضيف، وقوة وتأثير القناة»، وأعرب عن أسفه «لوجود مثل هذه الفقرات، التي تحول فيها المذيع ومعد البرنامج لمندوب إعلانات».
من جانبها، ترى الإعلامية اللبنانية دانيا الحسيني أن «وجود هذا النوع من الإعلانات - أي الفقرات المدفوعة - في الفضائيات، قد يكون مفيداً أحياناً في التسويق لبعض المنتجات الضرورية، خاصة في ظل الجائحة الحالية، مثل الحديث عن منتجات التعقيم للوقاية من فيروس (كوفيد - 19) أو الترويج للقاح وعلاج الفيروس، أو لمنتج طبي جيد، أو حتى سلعة اقتصادية في برنامج اقتصادي».

لمحة تاريخية قصيرة
ما يُذكر أن الصحافة عرفت الإعلانات التحريرية أو التسجيلية منذ عقود، وكانت تنشر في الصحف داخل أطر مميزة وتحت عناوين مثل «إعلان تسجيلي» أو «إعلان تحريري»؛ لكن السنوات الأخيرة «شهدت تطوراً في شكل الإعلان ليظهر ما يعرف الآن بـ«الإعلانات المدمجة» وهي مواد إعلانية تنشر في المواقع الإلكترونية والصحف، أو في التلفزيون، ولا يوجد ما يميزها عن المادة التحريرية. وكانت صحيفة «النيويورك تايمز» أول من نشر إعلاناً مُدمجاً في الولايات المتحدة الأميركية، يناير عام 2014، حين نشرت الصحيفة موضوعاً يتضمن جميع خصائص المادة التحريرية؛ لكن مع فارق بسيط، حيث كتب أعلاه بخط صغير أنه تم دفع ثمنه ونشره بواسطة «دل». ولحقتها صحيفة «وول ستريت جورنال» في مارس (آذار) من العام نفسه. ثم صحيفة «يو إس إيه توداي» في مايو (أيار)، وجاءت «واشنطن بوست» في نهاية العام، وذلك وفقاً لما نشره موقع «نيمان لاب»، المتخصص في دراسة مستقبل الصحافة والإعلام والتابع لمؤسسة نيمان للصحافة بجامعة هارفارد.
من جهة أخرى، يقول ديفيد أوغيلفي، أحد صُناع الإعلان في بريطانيا خلال القرن الماضي، ولقبه «أبو الإعلانات»، في كتابه «اعترافات رجل إعلانات» عام 1963 فإنه «لا يوجد حاجة لأن يبدو الإعلان إعلاناً، لو استطعت جعله يظهر كمحتوى تحريري، ستجذب نسبة إضافية من القراء تصل إلى 50 في المائة، وإذا كنت تعتقد أن الناس قد يستاءون من هذه الخدعة، فلا يوجد دليل على ذلك». وبينما تقول دراسة نشرتها جامعة ستانفورد عام 2018، «حتى لو لاحظ الجمهور أن المادة إعلانية، فإنها تظل أكثر تأثيراً، لأنها تؤدي إلى مزيد من التعرض، وجعل المنتج مألوفاً للمستهلك»، فوفق دراسة أجراها الباحثان كاترينا تستسورا، وكيلي عزيز بجامعة أوكلاهوما عام 2017 - استطلعا فيها آراء 287 شخصا من العاملين في مجال العلاقات العامة وشفافية الإعلام - فإن «الإعلان التحريري والمحتوى التسويقي يثيران بعض المخاوف الأخلاقية المتعلقة بانعدام الشفافية، خاصة مع عدم تمييز هذه المواد بوضوح داخل الوسيلة الإعلامية».

العالم العربي
وفيما يخص العالم العربي، يقول محمود مهنا، مدير مبيعات قناة «إم بي سي» مصر، «في مصر بدأت الفقرات المدفوعة تعرف طريقها إلى المحطات التلفزيونية في عامي 2009 و2010». وتابع في لقاء مع «الشرق الأوسط» أنه «في بداية ظهور هذا النوع من الفقرات، كان الطبيب مثلاً يحصل على ساعة في برنامج أو حلقة كاملة، يقدم فيها ما يريد، مقابل مبلغ من المال، في تغير للنمط الذي كان سائداً قبل ذلك، عندما كانت المحطات تدفع للضيف أو الطبيب المشهور ذي المصداقية والقيمة العالية، مقابل ظهوره في محطتها».
لكن الإعلامية الأردنية شهد ديباجة ترفض تقديم أو استضافة أي مُعلن من دون إفادة المشاهد بأن هذه الفقرات مدفوعة الثمن، «وذلك كي تحافظ على مصداقية الرسالة الإعلامية وتميزها عن الإعلان». وتضيف ديباجة لـ«الشرق الأوسط» أن «الإعلانات التجارية، يجب أن يكون معروفاً لدى الجمهور، أن إعلاناً ما مدفوع الثمن، خاصة، أن عدداً كبيراً من الجهات والهيئات الطبية والصحية والغذائية، باتت للإعلان غير المباشر، عبر برامج حوارية مما يخدع المتلقي».
الدكتور العالم يعلّق هنا قائلاً إن «هذا النوع من الإعلانات - أي الفقرات المدفوعة - يقلل من مستوى القناة التلفزيونية، ويهبط بمستوى الأداء الإعلامي، ويفقده مصداقيته، حيث يعرض الضيف ما يريد، ويزيد من مكانته، دون تدقيق، وهو ما ينطوي على خداع للمشاهد». ويشدد على أن «هذا النوع من الإعلانات يخترق أذن وعين المشاهد بمبالغ هزيلة، ومضامين لا تتناسب مع جودة الأداء الإعلامي».
وفي حين لا ترى دانيا الحسيني، في حوارها مع «الشرق الأوسط» أن «لهذه الإعلانات تأثيراً على المحتوى الإعلامي أو على المشاهد الذي أصبح أكثر وعياً وإدراكاً، فإنها تضيف شارحة أن «هذا النوع من الإعلانات - أي الفقرات المدفوعة - عادة ما يكون في البرامج الصباحية التي تقدم فقرات متنوعة وترفيهية، وهو غير موجود في البرامج السياسية التي تقدمها مثلاً».
على أي حال، في بحث نشره موقع «كليكز» ClickZ البريطاني، المتخصص في التسويق الإلكتروني، خلال مايو الماضي، تبين أن «الإعلانات التحريرية تؤثر بشكل أكثر على قرارات الشراء من الإعلانات التقليدية»، موضحاً أن «هذا النوع من الإعلانات دخل السوق في عام 2011». لكن رغم حديث الدراسات عن قوة تأثير هذا النوع من الإعلانات، فإن محمود مهنا يرى أنه «مع كثرة المحطات التلفزيونية الصغيرة، زاد الموضوع وانتشر، ليصبح متاحاً بمبالغ هزيلة، تتراوح من خمسة إلى عشرة آلاف جنيه مصري مثلاً (الدولار بـ15.66 جنيه)، مما أفقد هذه الفقرات مصداقيتها».
غير أن السوق الإعلانية حالياً تؤكد أن «هذا النوع من الإعلانات، أي الفقرات المدفوعة، سوف يستمر، بغض النظر عن الاعتراضات الأخلاقية عليه، إذ خصص المسوقون نحو ثلثي ميزانيتهم الإعلانية في 2020 لهذا النوع من الإعلانات»، وفقاً لدراسة أجراها موقع «إيه ماركتير» E marketer الأميركي، المتخصص في بحوث التسويق الإلكتروني.



الاعتماد على «تشات جي بي تي» في جلب زيارات للمواقع يثير تساؤلات

مجموعة «أوبن إيه آي»  (رويترز)
مجموعة «أوبن إيه آي» (رويترز)
TT
20

الاعتماد على «تشات جي بي تي» في جلب زيارات للمواقع يثير تساؤلات

مجموعة «أوبن إيه آي»  (رويترز)
مجموعة «أوبن إيه آي» (رويترز)

أظهرت بيانات حديثة أن عدد الزيارات المحالة من «تشات جي بي تي» إلى المواقع الإخبارية الكبرى يزداد بسرعة، ومع أن «غوغل» لا تزال المصدر الرئيس لزيارات الناشرين، فإن حصتها في سوق البحث انخفضت، ما يثير تساؤلات تأثير هذه التغييرات التي يرى خبراء أنها «قد تؤدي إلى انخفاض عائدات المواقع».

وأشار تقرير صادر عن منصة تحليل البيانات الرقمية «سيميلار ويب (Similarweb)»، مطلع مارس (آذار) الحالي، وشمل ناشرين بارزين مثل «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، و«الغارديان»، و«سي إن إن»، و«بي بي سي»، و«فوكس نيوز»، ووكالة «أسوشييتد برس»، و«سي إن بي سي»، ومجلة «بيبول» و«إنديا تايمز» إلى أن عدد زيارات المواقع الإخبارية المحالة من «تشات جي بي تي» ارتفع من 435 ألف زيارة في أغسطس (آب) العام الماضي، إلى 3.5 مليون زيارة في يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بمعدل زيادة بلغ 8 أضعاف.

وقدَّر التقرير الزيارات المحققة للمواقع الإخبارية بنحو 0.1 في المائة من إجمالي حركة المرور. ورغم أن منصة «غوغل» لا تزال المصدر الرئيس لزيارات الناشرين، فإن حصتها في البحث انخفضت إلى أقل من 90 في المائة للمرة الأولى منذ عقد، ما يشير لتغييرات مستقبلية في سلوك البحث، ومن ثم الوصول للمواقع الإخبارية.

الدكتور فادي عمروش، الباحث المختص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، يرى أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن تستحوذ على حصة كبيرة من محركات البحث التقليدية، ودلل في لقاء مع «الشرق الأوسط» على ذلك بأن «أدوات الذكاء الاصطناعي تغير طريقة وصول المستخدمين إلى الأخبار مقارنة بمحركات البحث التقليدية، مثلاً بدأت (غوغل) باختبار ميزة (AI Mode)، التي تقدم ملخصات مُولَّدة بالذكاء الاصطناعي بدلاً من عرض روابط تقليدية، وهو ما قد يؤثر في سلوك المستخدمين عند البحث عن المعلومات، حيث يكتفون بالخلاصة بدل النقر على الموقع وزيارته». وأضاف أنه «وفقاً لإحصائية حديثة فإن نحو 68 في المائة من البالغين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي للحصول على إجابات مباشرة لاستفساراتهم دون النقر على الرابط الأصلي».

وعدّ عمروش هذا التطور «خطراً» على المواقع الإخبارية، إذ «تؤثر هذه الأدوات في توجيه المستخدمين وفق ترتيب معين للنتائج، ما يؤدي إلى تباين الإجابات بحسب اللغة. كما أن جودة الإجابة تعتمد على صياغة السؤال، مما يبرز دور هندسة الأوامر».

من جهة ثانية، بدأت «أوبن إيه آي» في يوليو (تموز) الماضي اختبار محرك البحث «سيرش تشات جي بي تي»، الذي يهدف إلى ربط المستخدمين بالناشرين عبر تقديم روابط لمصادر الأخبار في نتائج البحث. وأدمجت هذه الميزة في (تشات جي بي تي) في أكتوبر (تشرين أول) الماضي، وباتت متاحةً لجميع المستخدمين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

تعليقاً على هذا، قالت دعاء عمّار، الصحافية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي وصناعة المحتوى، لـ«الشرق الأوسط» إن النموذج المستحدث للبحث جعل أدوات الجذب التقليدية التي كانت تعتمدها المواقع الإخبارية لجلب الزيارات «غير مجدية». وكمثال، ذكرت أنه «لم تعد خاصية مثل (اقرأ أيضاً) تأتي بثمارها، بل يجب توافر عوامل جذب أخرى، مثل تقديم محتوى إبداعي ليكون صعب على الذكاء الاصطناعي أو أدوات الذكاء الاصطناعي توليده».

وأشارت عمّار إلى أهمية منصات التواصل الاجتماعي في تعزيز الزيارات المباشرة للمواقع، موضحة أن «استخدام منصات التواصل الاجتماعي في عرض الأخبار، واستخدام آلية تحويل المستخدم للموقع عن طريق هذه المنصات يمكن أن يعوض الناشرين عن انصراف المستخدم الحقيقي».