إخفاق يعرقل استئناف مفاوضات «سد النهضة»

السودان يتمسّك بتوسيع دور الخبراء رغم معارضة مصر وإثيوبيا

وزيرا الري والخارجية السودانيان خلال الاجتماع أمس (أ.ف.ب)
وزيرا الري والخارجية السودانيان خلال الاجتماع أمس (أ.ف.ب)
TT

إخفاق يعرقل استئناف مفاوضات «سد النهضة»

وزيرا الري والخارجية السودانيان خلال الاجتماع أمس (أ.ف.ب)
وزيرا الري والخارجية السودانيان خلال الاجتماع أمس (أ.ف.ب)

شهدت اجتماعات «سد النهضة» الإثيوبي، إخفاقاً جديداً، أمس، حين التقى وزراء الخارجية والموارد المائية، في مصر والسودان وإثيوبيا، أمس، برئاسة وزيرة خارجية جنوب أفريقيا (الرئيس الحالي للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي)، بهدف بحث كيفية استئناف المفاوضات، دون إحراز أي تقدم.
وبحسب وزارة الخارجية المصرية، فإن الاجتماع السداسي، الذي شارك فيه وزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير الموارد المائية محمد عبد العاطي، «أخفق في تحقيق أي تقدم بسبب خلافات حول كيفية استئناف المفاوضات والجوانب الإجرائية ذات الصلة بإدارة العملية التفاوضية».
وعزت القاهرة، تعثر الاجتماع إلى تمسك السودان بضرورة تكليف الخبراء المُعينين من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي بطرح حلول للقضايا الخلافية وبلورة اتفاق سد النهضة، وهو طرح تحفظت عليه كل من مصر وإثيوبيا، تأكيداً على ملكية الدول الثلاث للعملية التفاوضية وللحفاظ على حقها في صياغة نصوص وأحكام اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، خاصة أن خبراء الاتحاد الأفريقي ليسوا من المتخصصين في المجالات الفنية والهندسية ذات الصلة بإدارة الموارد المائية وتشغيل السدود، بحسب بيان الخارجية.
وأكدت مصر خلال الاجتماع «استعدادها للانخراط في مفاوضات جادة وفعالة من أجل التوصل في أسرع وقت ممكن إلى اتفاق قانوني ملزم على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، تنفيذاً لمقررات اجتماعات هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي التي عقدت على مستوى القمة خلال الأشهر الماضية للتشاور حول قضية سد النهضة، وبما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويحفظ ويؤمن حقوق مصر ومصالحها المائية».
من جانبه، أعلن وزير الري السوداني، ياسر عباس، احتجاج بلاده بشدة على عزم إثيوبيا بدء الملء الثاني للسد في يوليو (تموز) المقبل، دون الأخذ في الاعتبار المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها دول المصب. وقال عباس، في تصريح لوكالة السودان للأنباء، إن بلاده طلبت خلال الاجتماع تغيير منهجية وطريقة التفاوض الحالية. وأضاف: «لا يمكننا أن نستمر في هذه الدورة المفرغة من المباحثات الدائرية إلى ما لا نهاية بالنظر لما يمثله سد النهضة من تهديد مباشر لخزان الروصيرص الذي تبلغ سعته التخزينية أقل من 10 في المائة من سعة سد النهضة، إذا تم الملء والتشغيل دون اتفاق وتبادل يومي للبيانات».
وقال وزير الري السوداني، إن بلاده طلبت توسيع دور الخبراء للحد الذي يمكنهم من لعب دور أساسي في تسهيل التفاوض وتقريب شقة الخلاف، خاصة بعد الاجتماعات الثنائية البناءة مع الخبراء في الاجتماع الذي عقد أول من أمس حول ضرورة تحديد مرجعية واضحة لدور الخبراء.
وأشار عباس إلى أن السودان تقدم باحتجاج شديد اللهجة لإثيوبيا والاتحاد الأفريقي، راعى المفاوضات، حول الخطاب الذي بعث به وزير الري الإثيوبي للاتحاد الأفريقي والسودان ومصر في 8 من يناير (كانون الثاني) الحالي، الذي أعلن فيه عزم إثيوبيا على الاستمرار في الملء للعام الثاني في يوليو المقبل بمقدار 13.5 مليار متر مكعب بغض النظر عن التوصل لاتفاق أو عدمه، وأن بلاده ليست ملزمة بالإخطار المسبق لدول المصب بإجراءات الملء والتشغيل وتبادل البيانات حولها، الأمر الذي يشكل تهديداً جدياً للمنشآت المائية السودانية ونصف سكان السودان.
وكان فريق التفاوض السوداني، عقد أول من أمس، اجتماعاً ثنائياً مع فريق خبراء الاتحاد الأفريقي. وناقش الاجتماع ضرورة وضع إطار مرجعي واضح لدور خبراء الاتحاد الأفريقي.
وشدد السودان على ضرورة أن يلعب الاتحاد الأفريقي دوراً قيادياً مبادراً في المفاوضات أكثر فعالية من دوره خلال جولات التفاوض السابقة. ودعا الوفد السوداني إلى ضرورة التوصل لاتفاق ملزم يتم التفاوض عليه وتضمينه آليات واضحة لفض النزاعات المحتملة.
ويرفض السودان تجزئة الاتفاق على مراحل للملء الأول والتشغيل الدائم كاتفاقين منفصلين، ويطالب بالتوصل لاتفاق واحد شامل يعالج كل القضايا المتعلقة بسد النهضة.
من جانبها، أعربت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا عن أسفها لوصول المفاوضات إلى طريق مسدود، ولعدم تحقيق الاختراق المأمول في المفاوضات، وذكرت أنها سوف ترفع تقريراً إلى الرئيس سيريل رامافوزا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا حول ما شهدته المباحثات ونتائجها، للنظر في الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتعامل مع هذه القضية في الفترة المقبلة.
وتقيم أديس أبابا السد على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتخشى القاهرة والخرطوم تأثيره على حصتيهما من مياه النيل.
وسبق أن توقفت المفاوضات، الأسبوع الماضي، بعد أن رفض السودان الحضور، مطالباً بمنح دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي، وعقد لقاءات ثنائية بين الخبراء والدول الثلاث، وهو ما تمت الاستجابة له، إذ عقد فريق التفاوض السوداني حول سد النهضة الإثيوبي برئاسة وزير الري والموارد المائية اجتماعاً ثنائياً، أول من أمس، مع فريق خبراء الاتحاد الأفريقي.
وعشية اجتماع أمس، أعلنت إثيوبيا وضع حجر أساس سد جديد يستغرق بناؤه ثلاث سنوات، ويخزن 55 مليون متر مكعب من المياه. وتؤكد مصر عدم ممانعتها للجهود التنموية في إثيوبيا، بشرط حفظ «حقوقها المائية»، وتحقيق المنفعة للجميع، عبر التوصل إلى اتفاق «قانوني عادل وملزم» للجميع يلبي طموحات جميع الدول في التنمية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».