ليبيون ينتظرون عهد بايدن... ويحمّلون ترمب مسؤولية حرب طرابلس

TT

ليبيون ينتظرون عهد بايدن... ويحمّلون ترمب مسؤولية حرب طرابلس

بنظرة لا تخلو من تندر، يحلو لبعض الليبيين الذين راقبوا مجريات الأمور في ولاية نيويورك الأميركية أن يسقطوا بعضاً مما يجري في بلادهم من «تنازع على السلطة» و«إرهاصات تقسيم» على الوضع هناك. لكن الجادين منهم يحملون الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب جانباً من المسؤولية عن الحرب التي اندلعت على طرابلس طيلة 14 شهراً، وينتظرون من خلفه المنتخب جو بايدن الذي سيتسلم منصبه خلال أيام أن يصحح «المسار الخاطئ» الذي انتهجه في بلادهم.
ورأى السفير إبراهيم موسى جرادة، كبير المستشارين السابق بالأمم المتحدة، أن ترمب «مسؤول نسبياً» عن حرب الـ14 شهراً التي اندلعت في طرابلس في الرابع من أبريل (نيسان) عام 2019. وأرجع ذلك إلى المكالمة الهاتفية التي أجراها مع المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي، في 19 من الشهر ذاته، أي بعد أسبوعين من بداية الحرب، وما سربه دبلوماسيون غربيون عن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، من قوله لحفتر: «إذا كنت ستهاجم، فافعل ذلك بسرعة»، وهو ما عده ضوءاً أميركياً «أخضر» لمواصلة الحرب دون التدخل لمنعها.
وعد جرادة، في تصريح صحافي، العملية العسكرية على طرابلس «أشرس وأفظع حرب متواصلة عرفها التاريخ الليبي الحديث المعاصر على مدينة ليبية»، متجاوزة بذلك «أي معركة خلال الاستعمار الإيطالي الذي استمر 32 سنة، أو خلال معركة ليبيا في الحرب العالمية الثانية التي دامت عامين».
ويأمل كثير من الليبيين في أن ينخرط الرئيس المنتخب بايدن سريعاً في قضايا الشرق الأوسط بشكل إيجابي، ويتجه للمساعدة في حل أزمة بلادهم، وأن يكون عهده بعيداً عن انحيازات سلفه ترمب التي يرون أنها اتسمت إلى حد كبير بـ«التذبذب» بين طرفي النزاع في البلاد، وأيضاً عن سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
هذا الأمل لم يمنع عدداً من الليبيين من دعوة بايدن إلى تفعيل التعهد الذي قطعه على نفسه خلال حملته الانتخابية بـ«ردع سياسة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان» في ليبيا، عندما توعده بأنه «سيدفع ثمناً باهظاً على ما فعله».
وفي تعليقات ساخرة مما جرى حول مقر الكونغرس الأميركي، تداول رواد التواصل الاجتماعي تعليقات ساخرة على ما قام به أنصار ترمب، وقال أحد أصحاب هذه الحسابات متهكماً: «ظننا أن الشعب الأميركي غير مهتم بنا، ولا يعرف لنا وجوداً على الكرة الأرضية، أو أنه جاهل ولا يستطيع التعلم من الشعوب الأخرى».
وأضاف مستدركاً: «لكن بعد مرور 10 سنوات من مقوله جون كيري، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، في كلمته لليبيين إن الشعب الأميركي يريد التعرف عليكم لكي يتعلم منكم، نفاجأ اليوم بأن هذا الشعب قد تعلم منا، وبدأ العمل بالدرس الأول، ونتمنى أن يستمر ليتعلم وينفذ كل الدروس حتى يصل إلى آخر درس، وهو درس التقسيم».
وعانت ليبيا كثيراً من التنازع على السلطة بين حكومتين بشرق وغرب البلاد، فضلاً عن إرهاصات التقسيم بين شرق وغرب البلاد، وهي المخاطر التي حذر منها المتحدث باسم الجيش الوطني، اللواء أحمد المسماري، باتهامه تنظيم جماعة «الإخوان». وعبر حسابات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، شكر أحد الرواد ترمب، بقوله: «لقد علمنا معنى الديمقراطية الأميركية الحقيقية»، لكن آخرين ردوا عليه بأن «المؤسسات الأميركية الراسخة قادرة على حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان بفضل تفعيل حقيقي للقانون والدستور».
وأمام انتظار الليبيين لسياسات أميركية متوازنة باتجاه حل قضيتهم المتأزمة منذ عشرة أعوام، وجد بايدن من يحض إدارته على عدم الانغماس في «المستنقع الليبي»، كما فعل أسلافه. لكنهم دعوه أيضاً إلى ممارسة مزيد من الضغط على أنقرة لضبط النفس في ليبيا.
وقال معهد «كاتو» الأميركي الذي يوجد مقره بواشنطن إن على بايدن «إنتاج سجل بناء في السياسة الخارجية، بعيداً عن التدخلات العسكرية الأميركية، وحروب تغيير الأنظمة، التي لم تنتج سوى الفوضى». ومع أنه وصف حكم الرئيس الراحل القذافي بالديكتاتورية والقمع، فإنه رأى أنه «تمكن من توفير الاستقرار لبلده، ولو بقدر ضئيل».
وفي شأن آخر، عدت السفارة البريطانية لدى ليبيا أن تبادل الأسرى بين قوات «الجيش الوطني» وقوات «الوفاق» بمثابة «خطوة مهمة» قد تساهم في بناء الثقة بين طرفي الصراع في البلاد.
ورحبت السفارة البريطانية، في تغريدة لها بموقع «تويتر»، بتبادل الأسرى للمرة الثانية، بعد التبادل الأول الذي حدث في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.