السراج إلى روما مجدداً... وأنقرة «تستدعي» كبار مسؤوليه العسكريين

اللجنة العسكرية بين {الوفاق} و{الجيش الوطني} تعقد الأسبوع المقبل اجتماعاً {حاسماً} في سرت

فائز السراج (د.ب.أ)
فائز السراج (د.ب.أ)
TT

السراج إلى روما مجدداً... وأنقرة «تستدعي» كبار مسؤوليه العسكريين

فائز السراج (د.ب.أ)
فائز السراج (د.ب.أ)

انفتح المشهد السياسي والعسكري في ليبيا على تطورات متلاحقة ومثيرة للانتباه، بعدما بدأ فائز السراج، رئيس حكومة «الوفاق»، أمس، جولة غير معلنة إلى تركيا وإيطاليا، التي وصل إليها بشكل مفاجئ، أمس، ضمن وفد ضم كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين في حكومته. بينما جددت القوات الموالية له تشكيكها في التزام «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، في تنفيذ اتفاقهما العسكري في جنيف لوقف إطلاق النار، وأكدت أنها لن تُخلي مواقعها بما يسمح بفتح الطريق الساحلي، الرابط بين شرق البلاد وغربها، ما لم يتم سحب المرتزقة.
ولم يصدر أي إعلان رسمي من السراج حيال زيارته الثانية من نوعها إلى إيطاليا خلال شهر واحد، بينما لاحظت وكالة «نوفا» الإيطالية للأنباء، أن الزيارة، التي من المقرر أن تستغرق يومين، «كان ينبغي أن يكون لها طابع رسمي».
وأكدت مصادر مقربة من حكومة «الوفاق» ما رددته وسائل إعلام محلية ليبية وإيطالية عن بدء السراج زيارة إلى العاصمة الإيطالية روما لمدة يومين، قبل أن يتوجه لاحقاً إلى تركيا، التي وصل إليها وفد رفيع المستوى ضم وزيري الدفاع صلاح النمروش، والداخلية فتحي باشاغا، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، وعماد الطرابلسي رئيس جهاز الاستخبارات، إضافة إلى 16 من قادة الميليشيات المسلحة وبعض المسؤولين الأمنيين والعسكريين لعقد اجتماع أمني مُوسّع.
ورغم أن المصادر قالت إن الاجتماع يستهدف إنهاء الخلافات العالقة داخل معسكر حكومة «الوفاق» وقواتها، قبل بدء انسحاب الأخيرة من مواقعها على خطوط التماس مع «الجيش الوطني» في محور سرت والجفرة، فإن مصادر غير رسمية رأت في المقابل أن هذا الاجتماع غير المسبوق «قد يمهد لعمل عسكري وشيك».
ورأت وسائل إعلام محلية ليبية أن تركيا «استدعت» قادة الميليشيات المسلحة الموالين لحكومة الوفاق، بالإضافة إلى كبار مسؤوليها العسكريين والأمنيين إلى هذا الاجتماع العاجل، الذي يأتي قبل أقل من ثلاثة أسابيع على انتهاء المهلة التي منحها اتفاق جنيف المبرم مع «الجيش الوطني»، برعاية أممية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لسحب القوات الأجنبية و«المرتزقة».
ومن المتوقع أن تعقد اللجنة العسكرية المشتركة، المعروفة باسم (5+5)، والتي تضم ممثلين لـ«الجيش الوطني» وحكومة «الوفاق»، اجتماعاً حاسماً في مدينة سرت خلال الأسبوع القادم، على حد تعبير مصادر مطلعة، رفضت الإفصاح عن المزيد من التفاصيل. واتصالاً بذلك، أعلن العميد إبراهيم بيت المال، آمر غرفة عمليات تأمين وحماية سرت والجفرة التابعة لـ«الوفاق»، عن «استياء شديد» من تحركات «الجيش الوطني»، المتمثلة فيما سمّاه «الوجود المكثف لعصابات الفاغنر والجنجاويد بالقرب من خطوط التماس، وما تبع ذلك من عمليات خرق وقف إطلاق النار».
وقال بيت المال في بيان له مساء أول من أمس: «ثقتنا مهزوزة في حسن نية هذا الطرف في الالتزام بالاتفاق المذكور، ولعل أبرز الأسباب هو عدم سحب المرتزقة، وهذا ما يعيق تنفيذه». وأضاف مستدركاً: «نحن نحترم الاتفاق المبرم ضمن مهام لجنة (5+5) بالعاصمة السويسرية جنيف، وما انبثق عنه من آليات وضوابط، نُبدي من خلالها استعدادنا لفتح الطريق الرابط بين الغرب والشرق».
في المقابل، نفى اللواء أحمد المسماري، ‎الناطق باسم المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» وجود أي تحركات معادية على خطوط النار وخطوط التماس، معرباً عن أمله الإسراع في حل كل المشكلات العالقة لمنع ما وصفها بـ«المؤامرة الكبرى التي تقود البلاد إلى الانقسام»، وحث على «الوقوف صفاً واحداً من أجل أمن واستقرار ليبيا واستقلالها».
وقال المسماري في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس، إن الأمور «هادئة جداً في محور سرت»، مؤكداً تصدي قوات الجيش الوطني لمن وصفهم بـ«المرتزقة المدعومين من تركيا».
في غضون ذلك، رحبت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بتبادل قوات «الوفاق» و«الجيش الوطني» لـ35 محتجزاً، برعاية اللجنة العسكرية المشتركة في مدينة الشويرف، في إطار ما وصفته بإجراءات بناء الثقة المتفق عليها في اتفاق وقف إطلاق النار.
وعدّت البعثة في بيان لها، مساء أول من أمس، أن هذا التبادل الرسمي الثاني للمحتجزين بين الطرفين، جاء نتيجة الالتزام الثابت من جانب اللجنة العسكرية المشتركة بالمضي قدماً في التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، ودعت الطرفين إلى الإسراع في استكمال المفاوضات الجارية لإعادة فتح الطريق الساحلي.
من جهة أخرى، أعلن الطاهر الجهيمي استقالته من منصبه كوزير للتخطيط بحكومة «الوفاق»، بينما اعتذر خليفة البكوش عن قبول منصب وزير الصحة فيها، ليرتفع بذلك عدد حقائبها الوزارية الشاغرة إلى أربع، هي: الصحة والتعليم والتخطيط والاقتصاد. وقال البكوش، الذي يترأس اللجنة العلمية الاستشارية لمواجهة جائحة «كورونا»، إنه يعتذر لظروف خاصة عن تولي منصب وزير الصحة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.