رشا الأمير: القرصان وجد الحلّ والناشرون يكابرون

«دار الجديد» أطلقت مبادرة الكتاب الإلكتروني المجاني

الأديبة والناشرة رشا الأمير
الأديبة والناشرة رشا الأمير
TT

رشا الأمير: القرصان وجد الحلّ والناشرون يكابرون

الأديبة والناشرة رشا الأمير
الأديبة والناشرة رشا الأمير

أطلقت «دار الجديد» في بيروت، من خلال نشرها كتاباً مجانياً، بصيغة إلكترونية للمعارض السوري المعروف رياض سيف، مبادرة تتمنى أن تحتذى، في ظل أزمة نشر غير مسبوقة، وتراجع عدد القراء، وتدهور أسعار العملات في العديد من الدول العربية، مما جعل الحصول على الكتاب ترفاً عصي المنال. وأعلنت الدار على صفحتها الفيسبوكية أن «كتاب رياض سيف متاح بالمجّان إلكترونيّاً عبر موقعنا. وللراغب بنسخة ورقيّة أن يطبعها بنفسه. محال الطباعة كثيرة ومتوفّرة». وتعتقد رشا الأمير صاحبة الدار، أن الأساس هو إيصال الكتاب للقارئ، وهو ما أصبح من الصعوبة بمكان، بسبب الحركة المتقطعة للملاحة الجوية، بعد الوباء. والوسيلة الوحيدة التي لا تزال متاحة، هي الإنترنت.
الإعلان الصغير من سطرين ونصف، الذي يحيل إلى الجزء الأول من كتاب «سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ»، هو بداية طريق تريد أن تنتهجها الدار في مواجهة ما يتعرض له النشر من صدمات. مشاكل النشر ليست بجديدة، وإن تشعبت اليوم وأصبحت أكثر وعورة. فقد بدأت الأزمة مع إغلاق الأسواق العربية واحدتها تلو الأخرى، بسبب الثورات العربية وما تبعها من اضطرابات، ومن ثم ضيق ذات اليد، وما استتبعها من هبوط القدرة الشرائية، عند قراء عددهم قليل في الأصل، ثم جاءت الضربة القاصمة مع نشاط القراصنة، الذي يبدو أنه بلغ أوجه مع تفشي الوباء وبطء التوزيع، مما جعل القرصنة هي العدو رقم واحد للناشرين. فالكتاب يسرق ويطبع ويوزع قبل حتى أن تتمكن الدار الأصل من استرداد تكلفته، مما يعني موتاً محققاً لعدد كبير من دور النشر، التي لا تملك مقومات الصمود، أمام غزو السرقة. فقد يوضع الكتاب بنسخة إلكترونية على الإنترنت. وهذا أحد وجوه السطو، أما الوجه الآخر، فهو استحواذ جهة على النسخة الإلكترونية وطباعتها ورقياً، وتوزيعها وبيعها بسعر زهيد، وهذا أشد قسوة على الناشرين.
والمعضلة ليست عربية فقط. فكتاب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما «أرض موعودة» تمت قرصنته إلكترونياً بسرعة البرق، وتناقله القراء على وسائل التواصل، حتى في العالم العربي، بنسختيه الإنجليزية والفرنسية، بالتزامن مع بدء توزيعه ورقياً. ووصلت الرواية الرابحة بجائزة «غونكور» هذه السنة «انومالي» للكاتب إرفيه لو توليه، إلى هواتف القراء مقرصنة، بمجرد الإعلان عن فوزها.
الروائية رشا الأمير التي أسست مع شقيقها لقمان سليم «دار الجديد» منذ عشرين عاماً، اعتبرت يومها أنها أطلقت «فكرة، والأفكار لا توصد أبوابها»، بالتالي، فإن الحل للتغلب على القراصنة اليوم بالنسبة لها، هو الاستمرار في طرح الأفكار، ومن بينها مداولتها بطريقتهم وطرح الكتاب قبلهم بالمجان، وإبطال دورهم. «نحن أمام ثورة هائلة، تحتاج لأفكار جديدة. كلنا صار يصلنا زادنا من الكتب دون مقابل. ولا داعي للمكابرة. لا يوجد مبيع للكتب، وكل كلام غير ذلك يردد على مسامعنا، هو محض ادعاء. دارنا لا تريد أن تستغني عن الورق، لكننا نعتقد أننا أمام انقلاب، يحتاج رداً بحجمه».
الفقر المتزايد مع إغلاق 7 أسواق عربية تقريباً، ووضع العملات العربية المتهاوي مقابل الدولار، فيما تكلفة الطباعة باتت عالية، كل هذا يضع الناشرين أمام حائط صلد. كتجربة أولى طرحت «دار الجديد» كتاب رياض سيف الإلكتروني، بحلة كتاب ورقي مع عنايتها المعتادة بأناقة الغلاف وسلامة اللغة، وجمالية الإخراج وعرضته لمن يريد على موقعها ووسائل التواصل، وأرسلته للأصدقاء، ورواد الدار على «واتساب». «ومن يرغب في نسخة ورقية، فبجانب كل منزل آلة تصوير، وبمقدور القارئ أن يحصل على نسخة ورقية إن أحب، أما نحن فلن نطبع إلا إذا تغيرت الظروف ووجدنا جدوى من ذلك».
رشا الأمير تعتقد أن الكاتب لن يتوقف عن الكتابة، لأنه بحاجة لمن يقرأه، سواء دفع له أو لا، والناشر سيتحول، بحكم الوضع الحالي، إن أراد الاستمرار في مهنته، إلى ما يشبه جمعية خيرية، تتلقى المساعدات، للقيام بعملها، إن هي خفضت التكلفة إلى أكثر من النصف واستغنت عن الورق والحبر. وهو ما سيجد من يموله. فالحكومات بمقدورها أن تخصص ميزانية صغيرة لهذا الأمر». النشر الورقي يحتاج جهداً كبيراً، وتكاليف مرتفعة، هناك التصحيح والطباعة والتدقيق وتصميم الغلاف والإخراج، ومن ثم الشحن، وما لا يحتسب عادة مثل التخزين كعبء كبير على الناشر خاصة حين تنتظر النسخ سنوات لبيعها، وتكون بكميات كبيرة. وفي حالات المبيع بالمفرق يضطر الناشر للبريد المكلف لنقل الكتب من مكان إلى آخر. تقول الأمير: «نحن في الدار، دفعنا مبالغ يصعب احتسابها لإرسال الكتب لراغبيها بالبريد السريع، وهذا لم يعد من معنى له إذا كنت قادرة على تزويد قارئي في أي مكان في العالم بنسخة من الكتاب بكبسة زر. لماذا لا نزال نصرّ على الصيغة القديمة المربكة والمكلفة، ونحن قادرون على إصدار كتب بمبالغ زهيدة، تصل إلى كل الناس، بسرعة وبتمويل متواضع ودعم لا أعتقد أن كثيرين سيرفضون تقديمه حين يعلمون أن ما ينفقون عليه ليس للبيع ولا للاتجار».
طرح المشاكل كما هي من دون تزييف، هو الطريق الوحيد لإيجاد حلول طويلة الأمد. برأي رشا الأمير. «القرصان وجد الحل، ونحن لا نزال نعتبره طارئاً. لكن الحقيقة التي لا نريد الاعتراف بها، أن القرصان يجبرنا على التفكير، وهذا أمر جيد، للبدء بمواجهة المعضلة بصدق وشفافية».
محاولة خفض التكاليف، وترك مهمة الطباعة للقارئ إن أحب، هو الحل الأمثل، خاصة إن هذا سيحث من يحرص على الفائدة العامة على تمويل الكتب الإلكترونية، بمختلف مواصفاتها. وكتاب «سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ»، وجد تمويلاً من مؤسسة «فريدريش ايبرت» الألمانية، كي يصل إلى القراء، بدون مقابل. وفيه يروي رياض سيف، بتحرير أكرم البني وأسامة العاشور، تجربته كمعارض، حيث لم تكن رؤيته مجرد شعارات، وإنما هي مسار في مجال التشريع، والعمل الصناعي والتجاري، بحس ليبرالي عالٍ.
والكتاب سرد شخصي لتجربة عمر، تبدأ بسيطة ومتواضعة، لكن الطموح سرعان ما يوصل الرجل تدريجياً، إلى المجلس التشريعي فالتمرد فالسجن، ومن ثم خلافات مع من يفترض أنهم شركاء له. إنها حياة مليئة بالأحداث، تبدأ من تسعينات القرن الماضي، حتى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، فيها كشف عن مفاسد النظام وخباياه، والقليل من النقد الذاتي. إنه توثيق - إرادة الرجل رغم مرضه، أن يبصر النور - باعتباره شاهدا على فترة مفصلية من عمر سوريا.
و«دار الجديد» بإصدار هذا الكتاب، كخطوة أولى صوب تشجيع الناشرين، على فتح باب الحوار حول وضع غير اعتيادي، لمشاكل استثنائية، ومعضلات غير مسبوقة، تذكر بأنها ليست وحدها، من تحاول إيجاد روابط جديدة بينها وبين قرائها، فمواقع بيع الكتب أونلاين، تقدم عروضاً مغرية أيضاً. فموقع «نيل وفرات»، يقدم للقارئ بستة دولارات في الشهر قراءة ما يحلو له من الكتب. وهذا لم يكن ليتاح لولا النسخ الإلكترونية. وإن كان بعض المؤلفين لا يزال يرون في كل ما هو غير ورقي نقيصة، فهذا لن يمنعهم من طباعة كتبهم كما يحبون، لكن الأبواب يجب أن تفتح على كل الحلول والاحتمالات، كي لا نبقى في دهليز مسدود.



«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.