الراحل الملك عبد الله.. زعامة رائدة بـ«كاريزما» خاصة

فتح عينيه لأول مرة على ملحمة البطولة والوحدة التي تحققت على يد والده

الراحل الملك عبد الله.. زعامة رائدة بـ«كاريزما» خاصة
TT

الراحل الملك عبد الله.. زعامة رائدة بـ«كاريزما» خاصة

الراحل الملك عبد الله.. زعامة رائدة بـ«كاريزما» خاصة

وضع الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، الذي توفي فجر اليوم الجمعة، بلاده قطبا مؤثرا في جميع المحافل الدولية، وساهمت رؤية الملك الذي وصف بـ«رائد التنمية الحديثة ورجل القرارات الفاعلة» في جعل السعودية رمزا للدولة العصرية التي تتمسك بثوابتها وموروثها الديني والثقافي، ولا تتنازل عن خصوصيتها، في حين أنها تتعامل برؤية عصرية تجعلها محط احترام كل الدول والشعوب.
ويمثل الجانب الإداري أحد الملامح البارزة في شخصية الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز القيادية، حيث نجح الراحل في إقرار منظومة من القرارات اتسمت بالشمولية وامتدادها وقدرتها على بعث روح التنمية والبناء في شتى ميادين الدولة.
ويملك الملك الراحل «كاريزما» خاصة جعلته محبوبا ومؤثرا، حيث تميز بطروحاته الواضحة وصراحته وشجاعته في مواجهة الأحداث، كما رسم سياسته في توازن ما بين احتياجات الداخل ومتطلبات الخارج، وعرف بحرصه على إحقاق الحق الذي أصبح هاجسه، وإرساء العدل مطلبه، والتطور والحداثة هاجسين له؛ ففي قصر الحكم في الرياض وبالتحديد عام 1343 هـ الموافق عام 1924م فتح عبد الله بن عبد العزيز عينيه لأول مرة على ملحمة البطولة والوحدة وقد رآها تتحقق على يد والده القائد المؤسس، مما أثر على الأمير ودفعه إلى التعلق بمآثر العرب وبطولاتهم، ليصبح فيما بعد سادس ملوك الدولة السعودية الحديثة وأحد قادة العرب البارزين والمؤثرين، والرقم الصعب في عدد من المواقف والأحداث، وحول بلاده إلى رقم صعب في المعادلة الدولية الراهنة بحقائقها التي لا تنفصم فيها عرى الاقتصاد عن السياسة.
وجاءت إنجازات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - من خلال منظومة متكاملة من المشاريع والقرارات، وغطت جوانب مختلفة، أقرها لتستهدف أعلى درجات النمو البشري والحضاري والاقتصادي للإنسان السعودي، بل طالت هذه الجوانب الإنسان في كل مكان من دون الالتفات إلى جنسيته أو ديانته.
ومن الصعوبة تحديد المشروع الذي يعد «درة التاج» في هذه المنظومة، لكن يمكن الجزم بأن تنمية الإنسان وتأهيله لمواجهة تحديات الفقر والبطالة والانغلاق والجهل وضيق الأفق، كانت هدفا لملك الإنسانية وهاجسا له منذ أن دخل معترك السياسة إلى أن وصل إلى سدة الحكم كسادس ملوك الدولة السعودية الحديثة.
وقد أطلق الملك الراحل مشاريع لمواجهة تحديات الانغلاق والجهل وضيق الأفق من خلال مبادرات لافتة تتمثل في الحوار الوطني، والحوار بين الأديان، وحوار الثقافات، وقد برزت أهمية المبادرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان، التي نظم من أجلها عددا من المؤتمرات العالمية، كان أهمها المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار.
وسجل الملك عبد الله إقراره لمشاريع تحديث وتطوير عنصرين مهمين لعلاقتهما بالإنسان، وهما القضاء والتعليم بهدف تحقيق العدالة وتنمية وتأهيل الإنسان.
ويعد الملك عبد الله بن عبد العزيز سليل أسرة عربية أصيلة جذورها ضاربة في الأعماق، فهو ابن الجزيرة، وابن الصحراء، وابن عبد العزيز الملك والإنسان الموحد، أما خؤولته فمن رؤساء عشائر شمر، فجده لوالدته هو العاصي بن شريم، فارس نجيب من فرسان العرب وأحد شيوخ قبائل شمر، وكذا كان خاله مطني بن العاصي بن شريم.
أما والدته فهي «الفهدة» بنت العاصي بن شريم، تزوجها الملك عبد العزيز وسكنت في قصر الحكم بالرياض، وقد ولدت له الأمير (الملك) عبد الله، والأميرة صيتة والأميرة نوف، وقد توفيت في هذا القصر.
وعاش الملك عبد الله بن عبد العزيز في كنف والده مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز، فتشرب صفات العروبة من إباء وكرم ونجدة، فهو عنصر عربي أصيل بكل ما تحمله الأصالة من معنى، حيث علقت أحداث تلك المرحلة التاريخية بذهنه، وهي مرحلة مشحونة بالصراعات القبلية والفكرية في شبه الجزيرة العربية، إلى جانب التطورات السياسية في الوطن العربي وفي العالم أجمع إبان الحربين العالميتين.
ونشأ الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ طفولته في محيط القيادة الواعية، والعقيدة الإسلامية السمحة، في عمق وصفاء، وشمائل عربية متعددة من الرجولة والصدق، وقوة الإرادة، ونقاء السريرة والشجاعة، فمعلمه الأول هو الملك عبد العزيز الذي أثر فيه تأثيرا واضحا. وأفاد الملك عبد الله من مدرسة والده وتجاربه في مجالات الحكم والسياسة والإدارة، وتلقى تعليمه ملازما لكبار العلماء والمفكرين الذين عملوا على تنمية قدراته بالتوجيه والتعليم أيام صغره، لذلك كان ولا يزال حريصا على التقاء العلماء والمفكرين وأهل الحل والعقد، سواء داخل بلاده أو خارجها.
كما أن الدعامة الثانية في تكوين شخصيته هي ثقافته التي استمدها من قراءاته المختلفة في جوانب العقيدة والفكر والثقافة والسياسية والتاريخ، حيث كانت للملك عبد الله اهتمامات خاصة وكبيرة بالأدب والأدباء وله علاقات وثيقة بكثير من الأدباء، حيث يرى أن في الكتاب طريقا لفهم ثقافة العصر ونظرياته وأفكاره وعلومه التي لا تنتهي. وهذا ما جعله يهتم بالكتاب وأهل الثقافة، وكان من نتاج ذلك أن أسس مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض. كما أسس شقيقتها الأخرى في الدار البيضاء في المغرب. وتأكيدا على اهتمام الملك عبد الله بن عبد العزيز بالثقافة فقد أنشأ قبل ربع قرن المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، فهو صاحب فكرة المهرجان الذي أصبح يقام سنويا وتشارك فيه كل الفعاليات الثقافية والتراثية من مختلف أنحاء السعودية، ويدعى إليه كثير من المفكرين والعلماء والمثقفين في جميع أنحاء العالم.
تعددت هوايات الملك عبد الله التي لازمته منذ الصغر ما بين القراءة والسباحة وممارسة رياضة المشي والفروسية، وقد برز الملك في استخدام الأسلحة المختلفة ويعد من الرماة المشهورين، كما كان الملك يجيد لعبة البوليز.
وكان الملك عبد الله يميل بطبعه إلى البساطة في العيش، فهو يرى نفسه دائما بين البسطاء من الناس، لم يعرف الكبر أو التعالي إلى قلبه طريقا، طاهر النفس، ومتسام مع مكارم الأخلاق، كان يتعامل مع الآخرين بكل رحابة صدر، وينصت لمحدثه بكل هدوء فيوحي له بالاطمئنان، إن تحدث أوجز، وإن قال فعل، فهو مع إحقاق الحق ومناجزة الباطل، رافقت طفولته وصباه الصفات العربية، يهوى الصحراء وقد أمضى جزءا من شبابه خارج المدن في الصحراء، ولم يزل يخرج إليها كلما وجد متسعا من الوقت، وتعد روضة خريم مقرا موسميا له، وخصوصا أيام الربيع والشتاء.
وعد الملك عبد الله من الشخصيات النادرة في الوطن العربي التي تتعامل مع الأحداث بكل الصراحة والوضوح والحكمة والاعتدال، والشجاعة في مواجهة المواقف، كلماته تخرج حاسمة من نفس مؤمنة بما تقول وتعتقد. كان الملك عبد الله يحترم من يتعامل مع بلاده بالندية، فكرامة وطنه ينبغي أن لا تمس، فالعالم وجد ليتعاون، والمهم أن يكون التعاون متكافئا، كما كان يؤمن بالوحدة والتضامن ويشعر بالألم حيال الذين يظهرون خلاف ما يبطنون في الساحة العربية، في وقت تحقق فيه المطامع الدولية أهدافها في العالم العربي، قدره غير هذا، ووطنه كان يمكن أن يكون أفضل وأقوى من هذا الواقع.
وتمكن الملك عبد الله من أن يضع بلاده خلال سنوات قليلة من عمر الدول والشعوب في مصاف الدول ذات الحضور السياسي والاقتصادي اللافت على مستوى العالم، كما أصبح رقما صعبا في كثير من المواقف والأحداث، وتميز بطروحاته الواضحة وجرأته في الكثير من المواقف والرؤى.
واختصر الملك عبد الله بن عبد العزيز نهج هذه البلاد منذ مرحلة التأسيس عندما وضع منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم في البلاد، الأداء السياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والفكري في بلاده التي واجهت صعوبات وتحديات كبيرة بسبب ظروف وأحداث طالت الجميع، ورسم الملك ملامح سياسته الخارجية في توازن ما بين احتياجات الداخل ومتطلبات الخارج، حيث استهل الملك عبد الله عهده في خطاب البيعة التاريخي بالتأكيد على أن شغله الشاغل هو إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، كما توجه إلى المواطنين في الخطاب طالبا منهم أن يشدوا من أزره وأن يعينوه على حمل الأمانة، وأن لا يبخلوا عليه بالنصح والدعاء.
وترجم الملك عبد الله سادس ملوك الدولة السعودية الثالثة التوجهات والأسس التي قام عليها الكيان العظيم من خلال خطاب البيعة الذي أكد فيه على اهتمامه بجميع القضايا المعاصرة، محليا وعربيا وإسلاميا وعالميا، وحمل فيه هواجسه تجاه رسم طريق مستقبل البلاد والأمة.
وقال الملك: {إن التاريخ علمنا أن الفترات التي شهدت وحدة الأمة هي عصورها الذهبية المزدهرة، وأن فترات الفرقة والشتات كانت عهود الضعف والهوان والخضوع لسيطرة الأعداء، ومن هذا المنطلق فإن كل جهد سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو فكريا يقرب بين أبناء الأمة هو جهد مبارك مشكور، وكل جهد يزرع بذور الفتنة والشقاق هو نكسة تعود بنا إلى الوراء}.
وإذ استطاع الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يحقق توازنا بين الداخل والخارج، فيمكن القول إن الملك عبد الله أصبح القائد المدافع عن قضايا الأمة، كما نجح بحكمته في أن يخرج علاقات بلاده والأمة العربية مع الدول الكبرى من الاختبارات الصعبة التي وضعتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001، كما نجح في القضاء على الفئة الضالة داخل بلاده، وأطلق في عاصمته مبادرة عالمية لمكافحة الإرهاب. كما لاحق فلول تنظيم القاعدة داخل الجزيرة العربية بهدف القضاء على هذا التنظيم مع دول العالم الأخرى التي هي الأخرى اكتوت بناره.
وحمل الراحل الملك عبد الله شعار «دبلوماسية التنمية»، واستطاع بحنكته وحكمته أن يجعل من هذا الشعار واقعا ملموسا لخدمة اقتصاد البلاد وتحقيق التنمية في الداخل، إذ استكمل في عامه الأول من توليه مقاليد الحكم في البلاد ما بدأه منذ سنوات عندما كان وليا للعهد، من خلال استثمار علاقات بلاده بالدول الأخرى في مجال تبادل المصالح الاقتصادية وعقد شراكات وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع الشرق والغرب. ولعل جولاته التي شملت الصين والهند وهونغ كونغ وماليزيا وباكستان قد أسفرت عن توقيع اتفاقيات اقتصادية وصلت مبالغها إلى عدة مليارات من الدولارات، كما فتحت هذه الجولات أمام قادتها وفعاليتها السياسية ملفات دولية حساسة، خصوصا تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط وما يجري في أرض العراق وفلسطين. كما تحركت الدبلوماسية السعودية لاحتواء الأزمة التي تفجرت في لبنان.
وتميز الملك عبد الله بصراحته ورغبته في تعزيز العلاقات العربية -العربية، وإصلاح البيت العربي، كما عمل على محاربة الإرهاب الذي كانت بلاده إحدى ضحاياه، وكان يدعو دائما إلى الوسطية في الدين والابتعاد عن جميع أنواع التطرف والغلو.
وحقق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منجزات ضخمة وتحولات كبرى في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والزراعية والصناعية والثقافية والاجتماعية والعمرانية.
وكان للملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله - دور بارز أسهم في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي المعاصر، وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله. كما تمكن بحنكته ومهارته في القيادة من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي، سياسيا واقتصاديا وتجاريا، وصار للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي، وشكلت عنصر دفع قويا للصوت العربي والإسلامي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته. وحافظت المملكة على الثوابت، واستمرت على نهج الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، فصاغت نهضتها الحضارية، ووازنت بين تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية. وكان من أول اهتمامات الملك عبد الله بن عبد العزيز تلمس احتياجات المواطنين ودراسة أحوالهم عن كثب، فكانت زياراته المتواصلة لعدد من مناطق ومدن ومحافظات ومراكز المملكة، حيث استقبل من قبل أبنائه المواطنين استقبالا يفوق الوصف والتعبير، يبرز مدى ما يكنه أبناء هذا الوطن له من حب ومودة.
وفي إطار الأعمال الخيرية للمملكة العربية السعودية حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أن تكون المملكة سباقة في مد يد العون لنجدة أشقائها في كل القارات في أوقات الكوارث التي ألمت بهم.
وفي إطار تصدي المملكة العربية السعودية لظاهرة الإرهاب، ومواجهة خطاب التطرف بخطاب الاعتدال والتسامح، رعى الملك عبد الله بن عبد العزيز وقائع افتتاح المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي نظمته المملكة العربية السعودية، ممثلة بوزارة الخارجية في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في مدينة الرياض خلال الفترة من 5-8 فبراير (شباط) 2005، وقد دعا في المؤتمر إلى إقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب، يكون العاملون فيه من المتخصصين في هذا المجال، والهدف من ذلك تبادل وتمرير المعلومات بشكل فوري يتفق مع سرعة الأحداث وتجنبها قبل وقوعها.
وعلى صعيد السياسة الخارجية حرص على اتخاذ المواقف الإيجابية التي تستهدف دعم السلام العالمي ورخاء العالم أجمع، ورفاهية الإنسان في جميع أنحاء العالم، كما حرص على دعم التعاون بين الأشقاء العرب والدول الصديقة في العالم. وجاءت زياراته الكثيرة للدول العربية والإسلامية والصديقة، لتشكل رافدا آخر من روافد اتزان السياسة الخارجية للمملكة، وحرصها على السلام والأمن الدوليين. وأجرى محادثات مطولة مع القادة والمسؤولين في هذه الدول، استهدفت وحدة الأمة العربية وحل الخلافات، إضافة إلى دعم علاقات المملكة مع الدول الشقيقة. وكانت زيارات ناجحة انعكست نتائجها بشكل إيجابي على مسيرة التضامن العربي، والأمن والسلام الدوليين. كما تصدرت قضايا الاقتصاد والتعاون التنموي مواضيع زياراته، وفتحت آفاقا جديدة ورحبة من التعاون بين المملكة وتلك الدول.
ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله -أياد بيضاء ومواقف عربية وإسلامية نبيلة تجاه القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث استمر على نهج والده الملك عبد العزيز في دعم القضية سياسيا وماديا ومعنويا، بالسعي الجاد والمتواصل لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني إلى العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وتبني قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل.
وفي هذا الإطار قدم الراحل، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تصورا للتسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية من ثمانية مبادئ، عرف باسم مشروع الأمير عبد الله بن عبد العزيز، قدم لمؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، وقد لاقت هذه المقترحات قبولا عربيا ودوليا، وتبنتها تلك القمة. كما اقترح في المؤتمر العربي الذي عقد في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2000، إنشاء صندوق يحمل اسم انتفاضة القدس، برأسمال قدره مليارا دولار ويخصص للإنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في الانتفاضة. وإنشاء صندوق آخر يحمل اسم صندوق الأقصى يخصص له 800 مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس، والحيلولة دون طمسها، وأعلن عن إسهام المملكة العربية السعودية بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين.
وتبنى الملك مبادرات لإصلاح الأوضاع في فلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان وتشاد، انطلاقا من عروبته وإسلاميته، كما نجح في رأب صدع العلاقات بين الدول أو داخل العناصر المتنازعة في الدولة الواحدة.
وسجلت الأعوام التي تولى فيها الملك عبد الله مقاليد السلطة لبلاده امتيازات لافتة وحضورا فاعلا له على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، مما جعله أحد أبرز دعاة السلام والحوار والتضامن وتنقية الأجواء، ومنحه ذلك جوائز متعددة من المنظمات العالمية والإقليمية والمحلية، ونجح الملك عبد الله في تحقيق إصلاحات شاملة على كل المستويات، حيث واصل حمل لواء الإصلاح وسعى إلى تكريسه كمنهج في مسيرة التنمية الشاملة في بلاده، وفي مسيرة العمل العربي المشترك، إضافة إلى تبنيه برامج الحوار بين الحضارات والديانات، مما عزز من مكانة ودور بلاده في الشأن الإقليمي والدولي، سياسيا واقتصاديا وفكريا وإنسانيا.
فعلى المستوى المحلي أكد الملك عبد الله أن بلاده ماضية في تحقيق الإصلاح والسعي لتكريسه كمنهج في مسيرة التنمية.
وعلى المستوى العربي نجح الملك عبد الله في إعادة اللحمة إلى العلاقات العربية عندما شدد أمام القادة العرب في مؤتمر القمة الذي عقد بالكويت في 19 يناير (كانون الثاني) من عام 2009 وأعلن فيه عن تبرع بلاده بمليار دولار لإعادة إعمار غزة، على ضرورة تجاوز مرحلة الخلاف وفتح باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ، ومواجهة المستقبل ونبذ الخلافات، مؤسسا بذلك مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك تقوم على قيم الوضوح والمصارحة والحرص على العمل الجماعي في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي ضاعفت الدبلوماسية السعودية جهودها على الساحتين عبر انتهاج أسلوب الحوار والتشاور وتغليب صوت العقل والحكمة لدرء التهديدات والأخطار وتجنب الصراعات المدمرة وحل المشاكل بالطرق السلمية. كما طرح الملك مبادرات استحق معها أن يسجل اسمه الأفضلية والأسبقية فيها، ولعل أبرزها منحه جائزة البطل العالمي لمكافحة الجوع لعام 2009م في احتفال كبير أقيم في مدينة دافوس السويسرية بمشاركة عدد من ممثلي الدول والمنظمات الدولية والشركات الكبرى.
وأجمع قادة ومسؤولون محليون وعرب وعالميون على أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من القادة الذين عملوا على تدوين صفحات من التاريخ بأفعالهم ومواقفهم البيضاء، معتبرين أن الملك عبد الله قائد فذ يملك الرؤية الحكيمة والقرار الصائب في أغلب أموره، يتحلى بالصدق والشفافية، والقول دائما يتبعه العمل، يحب الخير لمن حوله ويعيش همومهم وأوضاعهم، يفتح آفاقا وعلاقات مع الغير، ويدعو للسلام والتسامح، وأنه شخصية قيادية تستحق التوقف عندها طويلا، لافتين إلى أن الملك شخصية تحمل معاني إنسانية كريمة وطيبة، ذو نظرة فاحصة وعميقة.



السعودية تدعو المجتمع الدولي للمشاركة الفاعلة في «كوب 16» بالرياض

الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية رئيس وفد المملكة والمهندس عبد الرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة خلال جلسة «الطريق إلى الرياض» («الشرق الأوسط»)
الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية رئيس وفد المملكة والمهندس عبد الرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة خلال جلسة «الطريق إلى الرياض» («الشرق الأوسط»)
TT

السعودية تدعو المجتمع الدولي للمشاركة الفاعلة في «كوب 16» بالرياض

الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية رئيس وفد المملكة والمهندس عبد الرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة خلال جلسة «الطريق إلى الرياض» («الشرق الأوسط»)
الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية رئيس وفد المملكة والمهندس عبد الرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة خلال جلسة «الطريق إلى الرياض» («الشرق الأوسط»)

شدّدت السعودية، الخميس، على أهمية تعزيز التعاون الدولي على الأصعدة كافة لمواجهة التحديات البيئية التي تهدد كوكب الأرض، ومضاعفة الجهود للحد من تدهور الأراضي، وتقليل أثار الجفاف عليها، داعية إلى رفع مستوى الوعي العالمي بأهمية المحافظة على الأراضي، وذلك خلال كلمة ألقاها المهندس عبد الرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة رئيس الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16»، في الجلسة رفيعة المستوى «الطريق إلى الرياض»، التي أقيمت على هامش أعمال الدورة (79) للجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك.

وعُقد هذا الحدث الرفيع لحشد الزخم الدولي لمؤتمر «كوب 16»، الذي تستضيفه السعودية خلال الفترة بين 2 و13 ديسمبر المقبل في الرياض، وشهد حضور الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية رئيس وفد المملكة، والأميرة ريما بنت بندر بن سلطان السفيرة السعودية لدى أميركا، وعادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء ومبعوث شؤون المناخ، والسفير الدكتور عبد العزيز الواصل مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك، والدكتور إبراهيم ثياو الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وممثل دولة موريتانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأعرب الفضلي، عن تطلع السعودية إلى المشاركة الدولية الفاعلة في أعمال وفعاليات مؤتمر «كوب 16» بالرياض، ليكون نقطة تحوُّل في مسار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، ومظلة عالمية مهمة للعمل المشترك؛ لمواجهة التحديات البيئية الرئيسة.

وعدّ الحدّ من تدهور الأراضي وآثار الجفاف، من أهم أهداف هذه الاتفاقية، التي تُعنى بالمحافظة على الأراضي، باعتبارها إحدى الأسس الرئيسة للحياة على كوكب الأرض, مما يتطلب الحاجة إلى مضاعفة الجهود الدولية، والتعاون المشترك، للعمل على حماية الأراضي واستعادتها من التدهور، ومكافحة آثار الجفاف.

وأكد الفضلي، أن استضافة السعودية لـ«كوب 16»، تأتي امتدادًا طبيعيًا لاهتمامها بتعزيز جهود المحافظة على البيئة، محليًا وإقليميًا ودوليًا، مشيراً إلى أن السعودية تبنّت عددًا من المبادرات البيئية الرائدة، في مقدمتها مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، إضافةً إلى المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي، التي تبنتها مجموعة دول العشرين (G20)، أثناء رئاسة المملكة لها.

وأضاف الفضلي، أن السعودية أولت حماية البيئة بشكلٍ عام، والحد من تدهور الأراضي والتصحر بشكلٍ خاص، أهميةً قصوى, للدور الرئيس الذي تلعبه البيئة في الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتحقيق التنمية المستدامة، إضافةً إلى تحسين جودة الحياة.

وتابع: «لتحقيق ذلك، اعتمدت حكومة المملكة، الإستراتيجية الوطنية للبيئة، والتي اشتملت على الإطار المؤسسي لتنفيذ العديد من المبادرات، والبرامج، والمراكز البيئية المتخصصة، كما وضعت الخطط والتشريعات، للالتزام بالضوابط البيئية، والحد من التلوث، إضافة إلى تنمية الغطاء النباتي، والحياة الفطرية، وتعزيز إدارة النفايات».

وأبدى تطلعه إلى المشاركة الفاعلة للمجتمع الدولي في الدورة الـ (16) للمؤتمر بالرياض، «لنتمكن جميعًا من الوصول إلى مخرجات طموحة، تسهم في الحد من تدهور الأراضي ومواجهة الحفاف، وتعزيز المحافظة على البيئة، والموارد الطبيعية واستدامتها؛ لضمان مستقبل مزدهر للأجيال القادمة»، مشيرًا إلى أن الجهود الدولية للتصدي للتحديات البيئية، ستكون ذات أثر بالغ، بمثل هذه المشاركة الفعّالة للقطاعات كافة.

وشكّل تفاقم موجات الجفاف، وزيادة المساحات المتدهورة من الأراضي حول العالم، خلال السنوات الأخيرة، تحديات بيئية كبيرة، حيث تجاوزت الخسائر السنوية الناجمة عن تدهور الأراضي حول العالم 6 تريليونات دولار، وفقًا للتقارير الدولية، فضلًا عن فقدان التنوع الأحيائي، وانبعاثات الغازات، مما تسبب في نزوح الملايين من البشر على مستوى العالم.

من جانب آخر، عقد الفضلي، اجتماعًا، بمشاركة الجبير، مع المجلس الاستشاري رفيع المستوى للدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية مكافحة التصحر، الذي يتكون من الرؤساء السابقين لفنلندا تاريا هالونين، والسنغال ماكي سال، وكولومبيا إيفان دوكي، وكوستاريكا كارلوس ألفارادو، وناصر القحطاني المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي للتنمية «أجفند»، والناشطة البيئية هندو إبراهيم، وأندريه هوفمان نائب رئيس مجلس إدارة شركة روش القابضة.