صنعاء تودّع أسوأ أعوامها مع الانقلابيين

أوبئة وإتاوات وقمع وسرقة للمساعدات الأممية و«حوثنة» للمؤسسات

TT

صنعاء تودّع أسوأ أعوامها مع الانقلابيين

ودع سكان العاصمة اليمنية المختطفة، صنعاء، واحداً من أسوأ أعوامهم في ظل حكم الميليشيات الحوثية الموالية لإيران، بسبب استمرار الجماعة في إحكام قبضتها على كل مفاصل الدولة، وتجاهل قادتها لتفشي الأوبئة، وتنافسهم على الإثراء والنفوذ، بالتزامن مع توقف الرواتب وحملات القمع وجمع الإتاوات واتساع صنوف الانتهاكات ضد المدنيين.
وتحدث مواطنون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عما وصفوه بـ«يد الإجرام والفساد الحوثية» التي قالوا إنها لم تستثن خلال عام 2020 أحداً في صنعاء، بل طالت جرائمها وانتهاكاتها الصغار والكبار والنساء والشيوخ، فضلاً عن السياسيين والبرلمانيين والتجار وحتى باعة الأرصفة وملاك المتاجر والمخابز والشركات العامة والخاصة، وكافة القطاعات التعليمية والصحية والدينية والبيئية والزراعية وغيرها.
ويقول الحقوقي «م.ن»، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، «لقد كان عام 2020 الأصعب والأشد بالنسبة لسكان العاصمة صنعاء، حيث بات غالبيتهم يعيشون نتيجة فساد ونهب وعبث وقمع الميليشيات على حافة المجاعة، ويعانون من أوضاع معيشية كارثية».
وكان إخفاء الميليشيات المتعمد للوقود في صنعاء، ومواصلة بيعه طيلة أشهر بأسعار مرتفعة في السوق السوداء ومحاربتها لذوي الدخل المحدود في أرزاقهم واستنزاف مدخراتهم، أدى إلى استفحال الأزمات الاقتصادية والإنسانية، الأمر الذي انعكس سلباً على أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت بشكل جنوني، ما جعل الكثير من السكان يقفون عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الضرورية لضعف قدرتهم الشرائية، وعدم توافر السيولة، بسبب مواصلة نهب الجماعة للمرتبات منذ أعوام.
وألقت تلك السلسلة من الممارسات الحوثية وغيرها طيلة 2020 بظلالها على أوضاع المواطنين في صنعاء، كما شهدت العاصمة بالمقابل ارتفاعاً غير مسبوق لأعداد المتسولين، لتصبح ظاهرة التسول في ظل سيطرة وحكم وفساد الانقلابيين من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشاراً بين المجتمع اليمني.
كان أكاديميون مختصون بقضايا السكان قدروا بوقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن أعداد المتسولين في صنعاء ارتفعت إلى أكثر من 200 ألف متسول ذكوراً وإناثاً من مختلف الأعمار، وما زالت في تصاعد.
على الصعيد الإنساني، واصلت الجماعة في 2020 حرمان الآلاف من المواطنين والنازحين في صنعاء العاصمة من المعونات الغذائية المقدمة لهم من المنظمات الدولية، غير مبالية بكل الاتهامات الموجهة لها بضلوعها وراء عملية نهب وسرقة المساعدات وتسخيرها لصالح أسر قتلاها والموالين لها.
ومع استمرار الاستهداف الحوثي للمنظمات الدولية التي تقدم مساعدات للجوعى في صنعاء ومدن يمنية أخرى، ومواصلة تدخلاتها في طبيعة عملها ومجمل نشاطاتها الإغاثية، كان برنامج الغذاء العالمي ومنظمات أخرى قد أوقفوا عملهم مرات عدة في صنعاء كمحاولة للضغط على الميليشيات للكف عن سرقة الطعام من أفواه الجائعين. لكن الجماعة واصلت استغلال ذلك عبر المتاجرة بمعاناة اليمنيين التي افتعلتها على مستوى الداخل والخارج.
وعقب حرمان الانقلابيين للسكان من الحصول على المساعدات الإغاثية، وتعمد تكديس الأطنان منها بمخازن سرية تابعة للجماعة، رصدت تقارير محلية عمليات إتلاف حوثية لكميات كبيرة من القمح والسلع الأخرى المنتهية الصلاحية، التي كانت مخصصة للفقراء والمحتاجين والنازحين في صنعاء ومناطق تحت سيطرتها.
ومع تفاقم المعاناة والأوضاع الإنسانية بفعل الانقلاب والحرب الحوثية، حذرت الأمم المتحدة من أن اليمن بات على شفير المجاعة مجدداً، وجاء في بيان لبرنامج الأغذية العالمي أن عدد الناس الذين يواجهون ثاني أعلى مستوى لانعدام الأمن الغذائي في اليمن سيزيد من 3.6 مليون شخص، ليصل إلى 5 ملايين شخص في النصف الأول من عام 2021.
وأشار إلى أن «عدد الناس الذين يواجهون هذه الدرجة من انعدام الأمن الغذائي الكارثي قد يتضاعف ثلاث مرات تقريباً من 16500 حالياً، ليصبح 47 ألف شخص بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) 2021».
وبسبب استمرار غياب العدالة التي تخضع هي الأخرى لهيمنة الجماعة، عد ناشطون وسياسيون وإعلاميون ومواطنون في صنعاء أن تصنيف الميليشيات في ضمن جماعات الإرهاب بات اليوم مطلباً شعبياً من قبل جميع اليمنيين ككل وسكان صنعاء على وجه التحديد.
ويقول محامٍ في صنعاء رمز لاسمه بـ«و.ق»، «إن أصوات اليمنيين ترتفع اليوم أكثر للمطالبة بإعلان الميليشيات جماعة إرهابية، والتعامل معها على هذا الأساس باعتباره أمراً في غاية الأهمية».
وأضاف: «إن سلسلة الجرائم وحملات النهب والابتزاز التي مارستها الجماعة طيلة الأشهر الماضية بحق السكان في صنعاء تؤكد للجميع أنها جماعة إرهابية، وليس ثمة فرق بين ما قامت به هذه الميليشيات وبين ما ترتكبه الجماعات الإرهابية الأخرى كتنظيم (داعش) و(القاعدة) و(أنصار الشريعة)، فهما في الأول والأخير وجهان لعملة واحدة».
وقال «إن استمرار صمت المجتمع الدولي على انتهاكات الانقلابيين بحق السكان في صنعاء ومدن يمنية أخرى سيطيل معاناتهم، ويزيد من أوجاعهم، وسيعمل بالوقت ذاته على تشجيع الميليشيات وتماديها في مواصلة ارتكاب أبشع الجرائم بحقهم».
على الجانب العسكري، استمرت الجماعة الحوثية في شن حملات تجنيد قسرية في مختلف مناطق سيطرتها لتعويض خسائرها، وسط تقديرات حكومية بمقتل نحو 10 آلاف من عناصر الجماعة خلال العام المنصرم.
كانت الحكومة اليمنية طالبت مراراً، المجتمع الدولي، بموقف حازم إزاء جريمة تجنيد الميليشيات لآلاف الأطفال، وتحويلهم أدوات للقتل، وإلى قنبلة موقوتة تهدد حاضر ومستقبل البلد والأمن والسلم الإقليمي والدولي.
واتهمت الحكومة الشرعية، في بيان لها، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الميليشيات باصطياد الأطفال في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها عبر الأفكار الإرهابية المتطرفة، وإلقائهم في محارق الموت دون اكتراث بمصيرهم ومعاناة أسرهم.
وأشارت إلى أن الجماعة ضاعفت عمليات تجنيد الأطفال في صنعاء، وأخضعتهم لما تسميها بـ«دورات ثقافية وعسكرية» بهدف بناء جيش من الإرهابيين، وتغطية النقص الحاد في مخزونها البشري.
وعلى وقع ما تشهده الأجنحة الحوثية من صراعات محتدمة على المال والنفوذ قادت بعضها إلى اشتباكات بينية في صنعاء ومناطق أخرى، بدأ ذلك الصراع يأخذ منحى آخر، خصوصاً بعد وصول القيادي في الحرس الثوري الإيراني حسن إيرلو إلى صنعاء، منتحلاً صفة السفير لدى اليمن، ليتحول بعدها إلى صراع عقائدي بين جناحي صنعاء وصعدة، حيث مالت الغلبة باتجاه الجناح العقائدي في صعدة، على حساب جناح السلالة في صنعاء وعمران وذمار وإب.


مقالات ذات صلة

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

العالم العربي استعراض الجماعة الحوثية لقدراتها العسكرية في العاصمة صنعاء والتي تتضمن أسلحة نوعية (رويترز)

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

تقرير جديد لفريق الخبراء الأُمميّين المعنيّ باليمن يكشف عن تعاون الحوثيين مع تنظيم «القاعدة»، و«حركة الشباب» الصومالية، وابتزاز وكالات الشحن الدولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

بدأت الجماعة الحوثية بإعداد آلية لدمج عدد من مؤسسات الدولة وتقليص الهيكل الإداري لها وتغيير مهامها في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ عليها وأدلجتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

تتصاعد حدة التوترات في عدة جبهات يمنية في ظل استمرار جماعة الحوثي في تحشيد عناصرها وحفر الخنادق، خصوصاً بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
خاص المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)

خاص مكتب غروندبرغ لـ«الشرق الأوسط»: نناقش مع صنعاء وعدن تجنب انهيار اقتصادي أعمق

قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إن مشاوراته ونقاشاته مستمرة مع مسؤولي «البنك المركزي» في صنعاء وعدن؛ لإيجاد حلول تقنية ومستدامة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
TT

انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)

تواصلاً لمسلسل انتهاكات الجماعة الحوثية الذي كانت بدأته قبل أسابيع في صنعاء وإب، وسّعت الجماعة من حجم بطشها بصغار التجار وبائعي الأرصفة في أسواق محافظة ذمار وشوارعها، وفرضت عليهم دفع إتاوات تحت مسميات غير قانونية. وفق ما ذكرته مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط».

وأكدت المصادر أن الحملات التي شارك فيها مسلحون حوثيون مدعومون بعربات عسكرية وجرافات وشاحنات، جرفت المتاجر الصغيرة وصادرت 40 عربة لبائعين متجولين بما فيها من بضائع في مدينة ذمار وعلى طول الشارع العام الرابط بين صنعاء ومحافظتي إب وتعز.

جانب من حملة حوثية استهدفت السكان وممتلكاتهم في ذمار (فيسبوك)

وجاءت الحملة التعسفية بناءً على مخرجات اجتماع ضم قيادات حوثية تُدير شؤون محافظة ذمار، (100 كيلومتر جنوب صنعاء) نصت على قيام ما تسمى مكاتب الأشغال العامة والمرور وصندوق النظافة والتحسين وإدارة أمن ذمار باستهداف صغار الباعة في المدينة وضواحيها قبيل انتهاء العام الحالي.

وبرّرت الجماعة الانقلابية حملتها بأنها للحفاظ على ما تسميه المنظر العام للشوارع، وإزالة العشوائيات والاختناقات مع زعمها بوجود مخالفات.

واشتكى مُلاك متاجر صغيرة، طالهم التعسف الحوثي لـ«الشرق الأوسط»، من ابتزاز غير مسبوق على أيدي مشرفين ومسلحين يجمعون إتاوات بالقوة تحت مسميات عدة.

وذكروا أن مسلحي الجماعة دهموا شوارع وأسواق شعبية في مناطق عدة بذمار، وباشروا بجرف المتاجر ومصادرة عربات البائعين واعتقلوا العشرات منهم عقب رفضهم دفع مبالغ مالية «تأديبية».

وأجبر الوضع المتردي كثيراً من السكان في ذمار ومدن أخرى تحت سيطرة الجماعة على العمل بمختلف المهن، حيث يعجّ الشارع الرئيسي للمدينة وشوارع فرعية أخرى منذ سنوات عدة بآلاف العاملين بمختلف الحِرف جُلهم من الشباب والأطفال والنساء؛ أملاً في توفير لقمة العيش.

انتهاكات ممنهجة

ويصف عبد الله (30 عاماً) وهو مالك متجر صغير، ما يتعرض له صغار الباعة من حرب شعواء من قِبل الجماعة الحوثية بأنه «انتهاكات ممنهجة» بقصد التضييق عليهم ودفعهم إلى الالتحاق ببرامج التعبئة العسكرية.

ويشير مراد، وهو مالك عربة متجولة إلى أنه تمكن من استعادة عربته من بين أيدي عناصر حوثيين بعد مصادرتها مع عربات بائعين آخرين في سوق شعبية وسط المدينة، وأكد أن ذلك جاء بعد استجابته بدفع مبلغ مالي لمسلح يُشرف على تنفيذ الحملة الاستهدافية.

الحوثيون صادروا عربات باعة بزعم التهرب من دفع إتاوات (فيسبوك)

وليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الجماعة صغار الباعة بذمار، فقد سبق لها أن نفذت منذ مطلع العام الحالي ما يزيد على 6 حملات للبطش والتنكيل بالمئات منهم؛ بغية إرغامهم على دفع إتاوات.

وكان الانقلابيون الحوثيون أطلقوا قبل نحو شهر حملة استهدفت بالتعسف والابتزاز تجاراً وبائعين في سوق «المثلث» بمدينة ذمار، أسفر عنها جرف متاجر صغيرة ومصادرة عربات وإتلاف بضائع.

وسبق للباعة الجائلين أن طالبوا مرات عدة سلطات الانقلاب في ذمار بتوفير أسواق بديلة لهم، بدلاً من الحملات التي تُشنّ عند كل مناسبة طائفية بهدف جمع أكبر قدر من المال.