أنصار القذافي يتخوفون من استخدامهم في «لعبة دولية» لمنح «شرعية» للاتفاقات

بعد دعوة روسيا إلى دمجهم في «الحوار السياسي» الليبي

جانب من لقاء وزير الخارجية الروسي بنظيره الليبي الطاهر سيالة في موسكو نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
جانب من لقاء وزير الخارجية الروسي بنظيره الليبي الطاهر سيالة في موسكو نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

أنصار القذافي يتخوفون من استخدامهم في «لعبة دولية» لمنح «شرعية» للاتفاقات

جانب من لقاء وزير الخارجية الروسي بنظيره الليبي الطاهر سيالة في موسكو نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
جانب من لقاء وزير الخارجية الروسي بنظيره الليبي الطاهر سيالة في موسكو نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

رحّب أنصار نظام الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، بالدعوة الروسية المُطالبة بدمجهم بشكل أوسع في الحوار السياسي، الذي ترعاه الأمم المتحدة راهناً في البلاد. لكنهم تخوفوا من استخدامهم فيما سموه بـ«لعبة دولية»، قد يلجأ إليها البعض لوصم الاتفاقات بـ«الشرعية».
وحرصت روسيا مبكراً على بقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الراحل، ودافعت منذ سنوات عن ضرورة أن يلعب دوراً في المشهد السياسي؛ وهو ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، منتصف الأسبوع الجاري، بالتأكيد على أهمية أن يشمل الحوار السياسي الجاري أنصار النظام السابق، باعتبارهم جزءاً من القوى السياسية بالبلاد.
وفي أول تعليق على الدعوة الروسية، قال موسى إبراهيم، آخر متحدث باسم النظام السابق: «نحن لا نفرح بشكل مجاني بتصريحات المسؤول الروسي، لكن يجب أن يتم أخذها باهتمام وحذر... وكل ما يهمنا الآن هو إنقاذ ليبيا، وبالتالي علينا التفكير في الأمر بطريقة استراتيجية، وليس فقط تكتيكية آنية».
وأضاف إبراهيم موضحاً أن هناك اقتناعاً بأن «أي ترتيب سياسي في ليبيا، سواء كان لخدمة استقرار البلاد، أو إطالة أمد الأزمة، لا يمكن أن يحدث دون مشاركة أنصار النظام السابق».
بدوره، أبدى أحد مشايخ قبيلة القذاذفة ترحيبه بالموقف الروسي، وقال لـ«الشرق الأوسط»، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن «روسيا من الدول التي لها موقف متزن مما يحدث في بلادنا، إذ ترى أن سيف الإسلام القذافي لديه القدرة على لعب دور مهم في لمّ شمل الليبيين، وتفعيل المصالحة الوطنية بينهم».
لكن على عكس ذلك، يرى عدد من الليبيين أن «عجلة الزمن لن تعود للوراء»، في دلالة على عدم قبول الليبيين ثانية للتجربة السابقة، التي دامت أكثر من 40 عاماً، هي مدة حكم الرئيس القذافي.
ومع نهاية عام 2018، قال سياسيون ليبيون موالون للنظام السابق إنهم سلّموا رسالة من سيف القذافي إلى الخارجية الروسية، تضمنت «سبل الخروج من الأزمة السياسية»، وقال عضو فريق العمل السياسي لسيف، محمد القيلوشي من موسكو لـ«الشرق الأوسط»، وقتها، إن رسالة سيف القذافي أكدت على ضرورة «أن يبحث الليبيون أمورهم بأنفسهم، دون إقصاء أو تمييز، لتحديد مصيرهم من خلال مصالحة شاملة، والترتيب للانتخابات المقبلة».
من جهته، قال مصطفى الزائدي، أمين اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الشعبية الليبية، الذي رحب بالدعوة الروسية، مساء أول من أمس، إن «أنصار ثورة الفاتح لا يتشبثون بأفراد... نحن لا نريد أن نكون طرفاً في صراع على السلطة، وليس من مطالبنا الحالية الآنية البحث عمن يحكم ليبيا... وكل ما نريده هو مناقشة المسألة الليبية بما يمكّن من إعادة الاستقرار وفرض الأمن، ونحن نقبل بمن يتفق عليه الليبيون لحكم ليبيا».
في السياق ذاته، عبر المتحدث السابق باسم نظام القذافي عن انزعاجه من احتمال أن تنظر بعض قيادات (التيار الجماهيري) إلى التصريحات الروسية على أنها تخدم اتجاههم الضيق في العمل السياسي، أو التحزبات التي ساروا فيها داخل التيار، «بدلاً من التفكير في كونها فرصة لتجميع وتوحيد التيار الجماهيري، وبناء منظومة سياسية فاعلة، وتقديم مشروع وطني مقنع لكل الليبيين».
وقال إبراهيم متسائلاً: «التحدي عندما يُسمع تصريح كهذا من دولة كبيرة، مثل روسيا، هو هل نحن جاهزون لتأدية دورنا في المرحلة السياسية القادمة؟»، وتابع موجهاً حديثه لأنصار القذافي: «يجب ألا نصبح جزءاً من اللعبة الدولية، فالأجنبي يريدك أحياناً أن تشارك في اللعبة كي يمنحها الشرعية... وأحياناً يريدون أن يزينوا بالشرعية أي اتفاقات سياسية قادمة، بإشراك أنصار النظام السابق، الذين هم ضعاف ومشتتون وغير موحدين، وليست لديهم قيادة، ويجعلونهم يوقعون ويشهدون على اتفاقات، مثلما حدث في اتفاق الصخيرات، حتى يكون الاتفاق شرعياً أمام المجتمع الدولي، ويكون أنصار النظام السابق مساهمين في إطالة عمر الأزمة الليبية».
ورأى إبراهيم أن «الحل يكمن في استغلال هذه التغيرات السياسية، وتصريحات الدول الكبرى لتوحيد جهود أنصار النظام السابق، وقياداته ومشروعه الوطني، وعندما نذهب لطاولة الحوار والمفاوضات السياسية في الخارج نكون أقوياء، ومتحالفين مع القوى الوطنية الأخرى في ليبيا، ونتحدث بصوت المواطن الليبي في كل المدن الليبية، دون استثناء».
وانتهى قائلاً: «لكن إذا لم يحدث هذا، فإن تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي، والبعثة الأممية، والفرنسيين والعرب ستصب لخدمة إطالة الأزمة، وليس إنهائها».
من جانبه، رأى مصطفى الفيتوري، السياسي والصحافي الليبي المقرب من النظام السابق، أنه «لا يمكن تجاهل أنصار النظام السابق من أي حوار وطني حقيقي، وتحت أي مسمى نظراً لكونهم أغلبية»، وقال بهذا الخصوص: «حين نقول عودة أنصار النظام السابق فهذا لا يعني أنهم سيعيدونه كما كان، فهذا مستحيل، ولكن ما نعنيه هو أنهم يرفضون ما حدث من انقلاب أمني منذ عام 2011، ويرفضون كل نتائج ما يُسمى «بثورة 17 فبراير (شباط)». مضيفاً أنه: «يجب تذكر أن هذه الفئة تضم أيضاً الذين ندموا على تأييدهم لـ(فبراير) وتراجعوا، وهم أيضاً كثر».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.