المبدع الكبير رحل بهدوء

وُرِي الثرى في غياب أي حضور رسمي أو شعبي

المايسترو إلياس الرحباني وفرقته الموسيقية خلال حفل في كازينو لبنان عام 2000 (أ.ف.ب)
المايسترو إلياس الرحباني وفرقته الموسيقية خلال حفل في كازينو لبنان عام 2000 (أ.ف.ب)
TT

المبدع الكبير رحل بهدوء

المايسترو إلياس الرحباني وفرقته الموسيقية خلال حفل في كازينو لبنان عام 2000 (أ.ف.ب)
المايسترو إلياس الرحباني وفرقته الموسيقية خلال حفل في كازينو لبنان عام 2000 (أ.ف.ب)

نزل خبر رحيل الموسيقار إلياس الرحباني كالصاعقة على أهل الفن والإعلام الذين راحوا ينعونه الواحد تلو الآخر بعد أن وصفوه بآخر عمالقة فن الزمن الجميل.
وكان إلياس الرحباني قد أصيب بعدوى «كوفيد 19» منذ نحو أسبوع ولم يتحمّل جسمه المريض مضاعفاته فلفظ أنفاسه الأخيرة عن عمر ناهز الـ83 سنة. وفي اتصال مع نجل الموسيقار الراحل جاد الرحباني أكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ والده وُريَ الثرى من دون أي حضور رسمي أو شعبي، كما ينص بروتوكول الجنازات للمصابين بعدوى «كورونا». وعما إذا من المتوقع أن تجري له صلاة عن نفسه في قداس احتفالي تأبيني أجاب: «لا نعرف أي شيء حتى الساعة سيّما أن والدتي نينا هي أيضا أصيبت بالفيروس ولا تستطيع المشاركة في أي حفل تأبيني لوالدي. إنّنا لا نزال تحت تأثير صدمة رحيله كما أنّ زمن (كورونا) يمنعنا من القيام بأي نشاطات تتسبب بتجمعات واسعة». وإثر إشاعة الخبر نعته نقابة الفنانين المحترفين في لبنان التي كان يعدّ أحد الناشطين في مجالسها بكلمة جاء فيها: «مع فيض الأسى في القلوب، والحزن في العيون، تنعى نقابة الفنانين المحترفين في لبنان المبدع الكبير، فقيد لبنان، وسيد ساحات الإبداع في الوطن العربي والعالم. أمير اللحن والوتر الموسيقار إلياس الرحباني رحمه الله وأسكنه فسيح جناته».
ويشير جهاد الأطرش، نقيب الفنانين المحترفين في لبنان إلى أنّه تفاجأ كغيره من الزملاء بوفاة الموسيقار التي يعتبرها خسارة كبيرة للبنان. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «اتصلت بنجله جاد للتأكد من الخبر وعلمنا أنّه توفي إثر إصابته بعدوى (كورونا). فهو صاحب تاريخ طويل في النقابة وكان له دور بارز في جميع قراراتها ونشاطاتها. تنقّل في مجالسها وأُوكلت إليه مهمات كثيرة نظراً لثقافته الموسيقية الواسعة. فكانت النقابة تركن إليه في كل مرّة رغبت في استشارة فنية وموسيقية».
ويتابع الأطرش: «لقد قدّم ألحاناً خالدة لفنانين لبنانيين وعرب وأجانب وحصد جوائز عالمية. فشجرة الرحابنة بغصونها العملاقة خسرت اليوم أحد أغصانها المبدعة التي نثرت ثقافة الفن على الساحة الفنية».
وغرّدت الفنانة إليسا إثر انتشار خبر وفاة الموسيقار تقول: «لبنان كلو عم يخسر ثالث العمالقة من آل رحباني، الموسيقار العظيم إلياس رحباني. فنان صادق ومحب ومبدع بكل معنى الكلمة، وإنسان ما بيتكرر بفطرتو وموهبتو وأعمالو الخالدة... الله يرحمه وكل التعازي لعيلتك الكريمة».
يُعدّ إلياس الرحباني الأصغر بين أشقائه عاصي ومنصور وقد ترك بصمته الإبداعية في عالم الموسيقى محليا وعالميا.
وغرّدت الفنانة كارول سماحة عبر «تويتر» تقول: «رحل الآن كبير من بلادي وأخذ معه أجمل حقبة موسيقية في تاريخ الأغنية اللبنانية. وداعاً إلياس الرحباني. شكراً لعطائك ووفائك لوطنك. أعمالك ستبقى خالدة في الذاكرة والوجدان».
أمّا الفنانة هيفاء وهبي التي استعانت بالموسيقار لتقديم أول ألبوماتها الغنائية «بدّي عيش» في عام 2005 فكتبت تقول: «قدّمت الحياة والفرح والحب بكل أعمالك الفن اللبناني رح يشتقلك».
الشاعر فارس إسكندر وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، اعتبر أن رحيل إلياس الرحباني لا يقتصر على خسارة أحد عمالقة لبنان بل على جزء كبير من ذكرياتنا. وتابع في سياق حديثه: «في ظل وباء (كورونا) نخسر أحباء وتنكسر قلوبنا أكثر من صحتنا. فهذا الوضع الذي نعيشه يسرق منّا تاريخنا وذكرياتنا وماضينا الفني الجميل». وعمّا يتذكره عن الموسيقار: «لقد كان دمث الأخلاق ومحبّاً وقريباً من الكبير والصغير. يحب المزاح والفكاهة ولقد تعرّفت إليه عن كثب في برنامج المواهب الفنية (سوبر ستار). إنّه خسارة كبيرة نضيفها إلى مجد لبنان... جرحتنا وفاته في العمق».
وكان الشاعر فارس إسكندر قد خصّص له بيت شعر وُزّع على وسائل التواصل الاجتماعي يقول فيه: «منصور فلّ وغاب عاصي من الوجود وما حدا غيرك موسيقتن فاهما بعتو وراك اليوم عا ديار الخلود تكفّوا سوا لحن القداسة بالسما».
وغرّدت الممثلة ماغي بو غصن في رحيل إلياس: «السنة مش راضية تبلّش قبل ما تخطف مبدعين من كل المجالات... حاتم علي ووحيد كامل واليوم إلياس الرحباني تكون نفسك بالسما».



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.