القضاء الجزائري في «قفص الاتهام» بعد تبرئة رموز النظام السابق في قضية «التآمر»

سعيد بوتفليقة قرأ رسالة طويلة عن «أفضال» شقيقه على البلاد

صورة أرشيفية لسعيد بوتفليقة الذي برأه القضاء أمس من تهمة «التآمر» ضد الجيش (أ.ب)
صورة أرشيفية لسعيد بوتفليقة الذي برأه القضاء أمس من تهمة «التآمر» ضد الجيش (أ.ب)
TT

القضاء الجزائري في «قفص الاتهام» بعد تبرئة رموز النظام السابق في قضية «التآمر»

صورة أرشيفية لسعيد بوتفليقة الذي برأه القضاء أمس من تهمة «التآمر» ضد الجيش (أ.ب)
صورة أرشيفية لسعيد بوتفليقة الذي برأه القضاء أمس من تهمة «التآمر» ضد الجيش (أ.ب)

استعاد مدير الاستخبارات الجزائرية السابق، الفريق محمد الأمين مدين، أمس، حريته إثر تبرئته من التهمة في «قضية التآمر» على الجيش والدولة، بينما بقي مدير المخابرات، الذي استخلفه في المنصب، اللواء عثمان طرطاق، وسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق في السجن، رغم تبرئتهما من التهمة، وذلك لاتهامهما في قضايا أخرى. كما تم إسقاط التهمة عن رئيسة حزب سياسي، بعد أن كان القضاء العسكري أدانها بالسجن تسعة أشهر مع التنفيذ.
وكرد فعل على صدور أحكام محكمة الاستئناف العسكرية، قال مصطفى عطوي، رئيس «الجمعية الجزائرية لمحاربة الفساد»، إن القضاء «يفقد آخر ورقة التوت التي كانت تغطي عورته، وأصبح يعمل حسب الطلب، ووفق ما تقتضيه مصلحة وحاجة سلطة الأمر الواقع»، في إشارة إلى أن قائد الجيش السابق، الفريق أحمد قايد صالح، هو من أمر القضاء العسكري باتهام وسجن الشخصيات الأربع، لكن بعد عام من وفاته برّأهم القضاء نفسه.
وتمت متابعة المتهمين بتهمتي «التآمر على رئيس تشكيل عسكري»، و«التآمر على سلطة الدولة»، وأدانتهم المحكمة الابتدائية بـ15 سنة سجناً في سبتمبر(أيلول) 2019، وثبتت محكمة الاستئناف الحكم في فبراير (شباط) 2020، ما عدا بالنسبة للويزة حنون، الأمينة العامة لـ«حزب العمال»، التي تم تخفيض الحكم بحقها إلى تسعة أشهر، فغادرت السجن بعد انقضاء هذه التهمة.
وتتمثل الوقائع في اجتماعات عقدوها في خضم ثورة الشارع ضد بوتفليقة، بحثت مرحلة انتقالية تنطلق بعد عزل قائد الجيش.
وبحسب عطوي، «ففي عهد قايد، وجهت لتوفيق (الاسم الحركي لمحمد مدين) وطرطاق وسعيد بوتفليقة ولويزة حنون تهمة التآمر على الجيش، وصدرت في حقهم أحكام قاسية، لكن بمجرد إزاحة جناح قايد صالح (عن السلطة) تسقط هذه التهمة ويبرأ هؤلاء، فيصبح للأسف القضاء مثل الحرباء، يصدر أحكاماً حسبما يتوافق ومصلحة وأهداف الجماعة الحاكمة. فهل يستحق فعلاً من يصدر مثل هذه الأحكام أن نناديهم بسيدي القاضي؟».
وتحدث عطوي عن عودة وزير الدفاع الأسبق، اللواء خالد نزار، من منفاه الاختياري بإسبانيا منذ أسبوعين، بعد إلغاء المتابعة القضائية ضده، والحكم عليه بـ20 عاماً سجناً غيابياً، من طرف المحكمة العسكرية العام الماضي، بأمر من قايد صالح. واتهم نزار بـ«إهانة هيئة نظامية»، كان صالح رمزاً لها.
وسمحت المحكمة العسكرية، التي تقع بالبليدة (50 كلم غرب العاصمة) بحضور ممثلي صحيفتين فقط لتغطية المحاكمة. واستثنيت في خطوة غريبة وكالة الأنباء الرسمية من الحدث إعلامياً. ودامت الجلسة وقتاً قصيراً، إذ أعطيت لكل متهم خمس دقائق للدفاع عن نفسه. لكن كل واحد منهم نفى أن «يكون قد تآمر على بلده وجيشها».
وقال الجنرال مدين إن «التهمة ملفقة»، مشيراً ضمناً إلى قايد صالح. فيما قرأ سعيد بوتفليقة رسالة طويلة على هيئة المحكمة، تحدث فيها عن شقيقه الرئيس، الذي لم يغادر إقامته منذ إبعاده عن السلطة، كما تحدث عن «تاريخ عائلة بوتفليقة، وما قدمه أخوه من خدمات للبلاد».
وأمرت محكمة مدنية منذ أسبوعين بإيداع سعيد الحبس الاحتياطي في قضية فساد، المتهم الرئيسي فيها رجل أعمال في السجن حالياً. وبذلك نقل أمس من السجن العسكري إلى سجن مدني بالعاصمة. كما جرى اتخاذ الإجراء نفسه بحق عثمان طرطاق، في إطار قضية فساد أيضاً. وكان لافتاً بعد نقض المحكمة العليا الأحكام الثقيلة بالسجن، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن إعادة المحاكمة كانت بقرار سياسي، مثلما كانت الإدانة بقرار سياسي. ويرى مراقبون أن قيادة الجيش التي استخلفت قايد صالح، بصدد «إزالة الإرث الثقيل» الذي خلّفه خلال الفترة القصيرة التي أحكم فيها قبضته بشكل كامل على السلطة. وبدأت هذه الفترة، يوم أن جمع القيادة العليا للجيش في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي، وأمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالاستقالة، بذريعة أن الشارع أراد ذلك (حراك 22 فبراير/ شباط 2019)، وهو ما تم في اليوم نفسه.
ويرتقب في سياق هذه التطورات إطلاق سراح العشرات من نشطاء الحراك، وبعض السياسيين البارزين، الذين سجنوا بناء على تعليمات من الجنرال صالح.
من جهة ثانية، يترأس الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اليوم، اجتماع مجلس الوزراء، بعد عودته من رحلته العلاجية بألمانيا التي دامت لشهرين.
وذكر بيان للرئاسة الجزائرية أمس، أن الاجتماع سيخصص لتقييم الحصيلة السنوية لمختلف القطاعات الوزارية لعام 2020.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.