القضاء الجزائري في «قفص الاتهام» بعد تبرئة رموز النظام السابق في قضية «التآمر»

سعيد بوتفليقة قرأ رسالة طويلة عن «أفضال» شقيقه على البلاد

صورة أرشيفية لسعيد بوتفليقة الذي برأه القضاء أمس من تهمة «التآمر» ضد الجيش (أ.ب)
صورة أرشيفية لسعيد بوتفليقة الذي برأه القضاء أمس من تهمة «التآمر» ضد الجيش (أ.ب)
TT
20

القضاء الجزائري في «قفص الاتهام» بعد تبرئة رموز النظام السابق في قضية «التآمر»

صورة أرشيفية لسعيد بوتفليقة الذي برأه القضاء أمس من تهمة «التآمر» ضد الجيش (أ.ب)
صورة أرشيفية لسعيد بوتفليقة الذي برأه القضاء أمس من تهمة «التآمر» ضد الجيش (أ.ب)

استعاد مدير الاستخبارات الجزائرية السابق، الفريق محمد الأمين مدين، أمس، حريته إثر تبرئته من التهمة في «قضية التآمر» على الجيش والدولة، بينما بقي مدير المخابرات، الذي استخلفه في المنصب، اللواء عثمان طرطاق، وسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق في السجن، رغم تبرئتهما من التهمة، وذلك لاتهامهما في قضايا أخرى. كما تم إسقاط التهمة عن رئيسة حزب سياسي، بعد أن كان القضاء العسكري أدانها بالسجن تسعة أشهر مع التنفيذ.
وكرد فعل على صدور أحكام محكمة الاستئناف العسكرية، قال مصطفى عطوي، رئيس «الجمعية الجزائرية لمحاربة الفساد»، إن القضاء «يفقد آخر ورقة التوت التي كانت تغطي عورته، وأصبح يعمل حسب الطلب، ووفق ما تقتضيه مصلحة وحاجة سلطة الأمر الواقع»، في إشارة إلى أن قائد الجيش السابق، الفريق أحمد قايد صالح، هو من أمر القضاء العسكري باتهام وسجن الشخصيات الأربع، لكن بعد عام من وفاته برّأهم القضاء نفسه.
وتمت متابعة المتهمين بتهمتي «التآمر على رئيس تشكيل عسكري»، و«التآمر على سلطة الدولة»، وأدانتهم المحكمة الابتدائية بـ15 سنة سجناً في سبتمبر(أيلول) 2019، وثبتت محكمة الاستئناف الحكم في فبراير (شباط) 2020، ما عدا بالنسبة للويزة حنون، الأمينة العامة لـ«حزب العمال»، التي تم تخفيض الحكم بحقها إلى تسعة أشهر، فغادرت السجن بعد انقضاء هذه التهمة.
وتتمثل الوقائع في اجتماعات عقدوها في خضم ثورة الشارع ضد بوتفليقة، بحثت مرحلة انتقالية تنطلق بعد عزل قائد الجيش.
وبحسب عطوي، «ففي عهد قايد، وجهت لتوفيق (الاسم الحركي لمحمد مدين) وطرطاق وسعيد بوتفليقة ولويزة حنون تهمة التآمر على الجيش، وصدرت في حقهم أحكام قاسية، لكن بمجرد إزاحة جناح قايد صالح (عن السلطة) تسقط هذه التهمة ويبرأ هؤلاء، فيصبح للأسف القضاء مثل الحرباء، يصدر أحكاماً حسبما يتوافق ومصلحة وأهداف الجماعة الحاكمة. فهل يستحق فعلاً من يصدر مثل هذه الأحكام أن نناديهم بسيدي القاضي؟».
وتحدث عطوي عن عودة وزير الدفاع الأسبق، اللواء خالد نزار، من منفاه الاختياري بإسبانيا منذ أسبوعين، بعد إلغاء المتابعة القضائية ضده، والحكم عليه بـ20 عاماً سجناً غيابياً، من طرف المحكمة العسكرية العام الماضي، بأمر من قايد صالح. واتهم نزار بـ«إهانة هيئة نظامية»، كان صالح رمزاً لها.
وسمحت المحكمة العسكرية، التي تقع بالبليدة (50 كلم غرب العاصمة) بحضور ممثلي صحيفتين فقط لتغطية المحاكمة. واستثنيت في خطوة غريبة وكالة الأنباء الرسمية من الحدث إعلامياً. ودامت الجلسة وقتاً قصيراً، إذ أعطيت لكل متهم خمس دقائق للدفاع عن نفسه. لكن كل واحد منهم نفى أن «يكون قد تآمر على بلده وجيشها».
وقال الجنرال مدين إن «التهمة ملفقة»، مشيراً ضمناً إلى قايد صالح. فيما قرأ سعيد بوتفليقة رسالة طويلة على هيئة المحكمة، تحدث فيها عن شقيقه الرئيس، الذي لم يغادر إقامته منذ إبعاده عن السلطة، كما تحدث عن «تاريخ عائلة بوتفليقة، وما قدمه أخوه من خدمات للبلاد».
وأمرت محكمة مدنية منذ أسبوعين بإيداع سعيد الحبس الاحتياطي في قضية فساد، المتهم الرئيسي فيها رجل أعمال في السجن حالياً. وبذلك نقل أمس من السجن العسكري إلى سجن مدني بالعاصمة. كما جرى اتخاذ الإجراء نفسه بحق عثمان طرطاق، في إطار قضية فساد أيضاً. وكان لافتاً بعد نقض المحكمة العليا الأحكام الثقيلة بالسجن، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن إعادة المحاكمة كانت بقرار سياسي، مثلما كانت الإدانة بقرار سياسي. ويرى مراقبون أن قيادة الجيش التي استخلفت قايد صالح، بصدد «إزالة الإرث الثقيل» الذي خلّفه خلال الفترة القصيرة التي أحكم فيها قبضته بشكل كامل على السلطة. وبدأت هذه الفترة، يوم أن جمع القيادة العليا للجيش في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي، وأمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالاستقالة، بذريعة أن الشارع أراد ذلك (حراك 22 فبراير/ شباط 2019)، وهو ما تم في اليوم نفسه.
ويرتقب في سياق هذه التطورات إطلاق سراح العشرات من نشطاء الحراك، وبعض السياسيين البارزين، الذين سجنوا بناء على تعليمات من الجنرال صالح.
من جهة ثانية، يترأس الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اليوم، اجتماع مجلس الوزراء، بعد عودته من رحلته العلاجية بألمانيا التي دامت لشهرين.
وذكر بيان للرئاسة الجزائرية أمس، أن الاجتماع سيخصص لتقييم الحصيلة السنوية لمختلف القطاعات الوزارية لعام 2020.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.