رحيل وحيد حامد... مراوغ الرُقباء

المؤلف المصري تُوفي بعد شهر من احتفاء استثنائي في «القاهرة السينمائي»

TT

رحيل وحيد حامد... مراوغ الرُقباء

ودعت مصر أمس الكاتب والسيناريست الكبير وحيد حامد في جنازة مهيبة حضرها عدد كبير من نجوم الفن، رغم تزايد إصابات «كورونا» في مصر خلال الآونة الأخيرة، وتُوفي حامد بعد ساعات قليلة من دخوله غرفة العناية المركزة، بأحد المستشفيات إثر تعرضه لأزمة صحية، ومتاعب بالرئة، وضعف بعضلة القلب.
وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر أمس، برثاء الكاتب الكبير، الذي وصفه عدد كبير من الفنانين والإعلاميين والمتابعين بأنه «أسطورة الدراما والسينما المصرية والعربية».
حامد الذي يعد أحد أبرز مؤلفي السينما والدراما المصرية خلال الـ50 سنة الأخيرة، رحل عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد حياة حافلة بالأعمال الفنية المهمة في السينما والمسلسلات التلفزيونية، محققاً نجومية نادرة بأعمال بارزة، انشغل خلالها بالبحث عن تحقيق العدالة، وإنصاف المظلومين، بعدما نجح في مراوغة الأجهزة الرقابية، لمعرفته الجيدة بقوانين الرقابة، وبتحايله على الرقباء بطرق مبتكرة وطريفة، على حد تعبيره، في ندوة تكريمه بالدورة الأخيرة بمهرجان القاهرة السينمائي، وتصدى حامد بقوة لقضايا الإرهاب والتطرف الديني والفساد السياسي والاجتماعي عبر أفلام لعب بطولتها كبار نجوم السينما، وفي مقدمتهم عادل إمام ويسرا ونبيلة عبيد وأحمد زكي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز وليلى علوي وإلهام شاهين، ومنى زكي، وكان من أبرز أفلامه «الإرهاب والكباب، المنسي، طيور الظلام، اللعب مع الكبار، معالي الوزير، اضحك الصورة تطلع حلوة، احكي يا شهرزاد» وغيرها، كما تعامل مع كبار وشباب المخرجين على غرار عاطف الطيب، وشريف عرفة، ومحمد ياسين.
وخلال ظهوره الأخير بالدورة الـ42 لمهرجان القاهرة السينمائي منذ شهر، بدا حامد المولود في عام 1944 بمحافظة الشرقية (دلتا مصر)، وكأنه يودع زملاءه وأصدقاءه وتلاميذه ومحبيه من الجمهور العادي الذي تهافت على ندوة تكريمه لسماع «الأستاذ»، فكان صوته واهناً، وظهر مستنداً إلى عكاز، وهو يقول «تذكروا أفلامي التي ربما تكون قد أسعدتكم»، مما فجر الدموع في عيون الحضور، ومن بينهم الفنانات يسرا وإلهام شاهين وليلى علوي، وقد أحاطه الجميع بحب واحتفاء لافت، مما جعله يقول «لقد منحتموني اليوم طاقة كبيرة على الاستمرار».
لكنه رحل عن عالمنا بعد شهر واحد من منحه جائزة الهرم الذهبي تقديراً لمشواره السينمائي الحافل.
وعبرت الناقدة المصرية، خيرية البشلاوي عن حزنها لرحيل حامد بعد أيام قليلة من وفاة المخرج والممثل السوري حاتم علي، وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «أشعر أن إبداع كل منهما كان مكملاً للآخر، رغم تباعدهما، فقد كان حاتم يقدم أعمالاً ملحمية ويختار مراحل تاريخية لها دلالتها في واقعنا المعاصر، بينما كان حامد ينبش في الواقع بكل ما فيه من حساسية ومطبات ويطرح أزماته بصدق دون أن يضحك على الناس، وكانت لديه رسالة حقيقية وليست مزيفة يريد أن يوصلها للناس واستطاع مخاطبتهم على اختلاف مستوياتهم.
وأكدت البشلاوي أن مقولة «أماكنهم ستظل خاوية» عند رثاء المبدعين، تنطبق تماماً على وحيد حامد: «الزمن أصبح شحيحاً والواقع الفكري بات خاوياً لتقديم كاتب بمثل براعته وقدرته على التعامل مع نبض الناس والإلمام بالواقع ليعيد إنتاجه عبر أعمال فنية تسعد الناس وتجعلهم يتأملون ويفكرون، لذا فهو مشروع ثقافي متكامل ويكفي تصديه للإرهاب في أعمال تلامست مع الجمهور لأنه يعرف كيف يخاطب مختلف الشرائح ويدرك أن لديه رسالة ينبغي أن تصل إليهم وتؤثر فيهم».
وكان حامد قد بدأ مشواره ككاتب في سبعينات القرن الماضي بعد انتقاله من محافظة الشرقية إلى القاهرة، وبدأ بكتابة القصة القصيرة عقب تخرجه في قسم الاجتماع بكلية الآداب حيث أصدر أول مجموعاته القصصية «القمر يقتل عاشقه»، وذهب بها إلى الأديب الراحل يوسف إدريس الذي كان مفتوناً به، وبنجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي، لكن إدريس نصحه بالاتجاه للكتابة الدرامية لقدرته الفائقة على الوصف.
وقال حامد خلال لقائه الأخير بمهرجان القاهرة: «كنت أتمنى تقديم أحد أعمال إدريس للسينما، لكن ابني مروان رد الجميل بتقديم قصته «أكان يمكن أن تضئ النور يا لي لي» في أول أفلامه القصيرة.
وجاءت بدايته من خلال الإذاعة المصرية التي قدم بها عدداً من المسلسلات الناجحة على غرار «طائر الليل الحزين»، «الدنيا على جناح يمامة»، «كل هذا الحب»، والتي تم تحويل أغلبها إلى أفلام سينمائية فيما بعد. وكتب حامد 40 فيلماً سينمائياً أثار بعضها جدلاً كبيراً لتصديه لقضايا الفساد والإرهاب، و«تعرية» مشاكل المجتمع بجرأة، مما عرض الكثير منها لمشاكل رقابية ومن بينها أفلام «الإرهاب والكباب، طيور الظلام، اللعب مع الكبار، الغول، كشف المستور، الراقصة والسياسي، عمارة يعقوبيان»، لكن حامد خرج من كل تلك الأزمات منتصراً بحسب وصفه، وكشف أنه كان يتحايل على الرقابة بكتابته في السيناريو (مشهد لا أهمية له في الفيلم)، ويدرك أن الرقابة ستتوقف عنده طويلاً، فينشغلوا به، بينما تمر المشاهد الأصعب».
واتسمت قضايا أفلامه بجرأة كبيرة وتميزت بجمل الحوار التي صارت تترد ببساطة على لسان الجمهور، مفجرة قضايا مجتمعية مهمة بحسب نقاد، وقال حامد خلال لقائه الأخير بمهرجان القاهرة: «الكتابة بالنسبة لي شيء مقدس ولم أفتعل جملة حوار واحدة، بل كنت أخذ من الناس لأعبر عنهم فلم أتدن لجمل سوقية ولم أفتعل الإضحاك في أعمالي الكوميدية، وكلما شعرت بتقدم العمر كنت أخشي الجمود وأتجه للتعامل مع مخرجين شبان لأجدد فكري».
وتلفزيونياً، كتب وحيد حامد عدداً من المسلسلات الناجحة من بينها: «أحلام الفتى الطائر» لعادل إمام، «البشاير» لمحمود عبد العزيز، «العائلة» لمحمود مرسي وليلى علوي، الذي تصدي من خلاله لقضية الإرهاب، و«أوان الورد» للفنانة يسرا، والذي تعرض فيه لمشكلة الفتنة الطائفية، و«الجماعة» الذي تناول فيه نشأة جماعة الإخوان المسلمين في مصر واتجاهها للعمل السياسي، وتعرض بسببهما لهجوم شديد من أنصار الجماعة، ومن أحزاب وشخصيات تنتمي للحقبة الناصرية أيضاً، وكان حامد قد تعاقد مع «الشركة المتحدة»، لكتابة الجزء الثالث من المسلسل لكن تسببت جائحة «كورونا» في تعطله عن الكتابة، بعدما أبعدته عن مكان كتابته المفضل بأحد الفنادق المطلة على النيل، قائلاً في حواره الأخير مع «الشرق الأوسط» منتصف العام الماضي: «لم أعتد العمل في البيت ولا أستطيع الكتابة في غرفة مغلقة، بل اعتدت أن أصافح الناس في مكان تدب به حركة الحياة، وأمامي نهر النيل باتساعه، لذا فقد تعطل عقلي عن العمل بسبب هذه العزلة».
ونعت د. إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة المصرية، الكاتب والسيناريست الكبير قائلة: «إن الراحل كان خير سند للمبدعين والمثقفين والفنانين وصاحب مواقف تكتب بحروف من نور في تاريخ الوطن، وأنه نجح في إبداع أعمال خالدة عبرت عن أحلام المجتمع ولامست طموحات جيل كامل، وستبقى شخصياته خالدة في تاريخ السينما المصرية والعربية».
كما نعاه عدد كبير من الفنانين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكتبت الفنانة التونسية هند صبري: «رحل أهم مؤلفي السينما العربية خلال خمسين عاماً، عبرت أعماله عن كل قضايا الإنسان العربي، إنه أحد الذين جعلونا نحب السينما وتشرفت بالعمل معه في فيلم «عمارة يعقوبيان»، وذكرت الفنانة درة أن وحيد حامد كان ممن ساندوها في بدايتها واختارها لتجسد شخصية «أنيسة» في فيلم «الأولة في الغرام».


مقالات ذات صلة

طارق العريان: «ولاد رزق 3» لا يروِّج للبلطجة

يوميات الشرق المخرج المصري طارق العريان يرفض علاقة فيلمه بالبلطجة (صفحته في فيسبوك)

طارق العريان: «ولاد رزق 3» لا يروِّج للبلطجة

تصدَّر فيلم «ولاد رزق 3» شباك التذاكر في السينما المصرية بإجمالي إيرادات تجاوزت 254 مليون جنيه خلال عرضه بالصالات في الصيف الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق المخرجة ميرا شعيب أثناء تصوير الفيلم (ميرا شعيب)

«أرزة» ينافس على جائزة «الأوسكار» لعام 2025

يُنظّم فريق «أرزة» حملات مكثفة لعرضه في مهرجانات سينمائية تسبق الحدث.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (أ.ف.ب)

كيف علّق أوباما على قرار ابنته التخلي عن اسم عائلتها مهنياً؟

أكد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أنه يدعم ابنته ماليا بنسبة 100 في المائة فيما يرتبط باختيارها استخدام اسم احترافي لصناعة الأفلام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق اختيار المشاهدين نوع الأفلام مرتبط بكيفية معالجة أدمغتهم للعواطف (رويترز)

أفلامك المفضلة... ماذا تكشف عن دماغك؟

بعد انتهاء يوم متعب وطويل، وعند الاستقرار أمام شاشة التلفاز لمشاهدة فليم أو مسلسل على منصة «نتفليكس»، ما هي الفئة التي تتصفحها أولاً؟

سينما روبن أوستلند خلال التصوير (إمبرتڤ إنترتاينمنت)

روبن أوستلند يسخر من ركاب طائرة بلا ترفيه

يعود المخرج السويدي روبن أوستلند إلى الشاشات في العام المقبل بفيلم جديد عن الترفيه... أو - بالأحرى - عن عدمه.

محمد رُضا‬ (لندن)

سنجاب مشهور على «إنستغرام» في قبضة شرطة نيويورك

للحبّ أشكال عدّة (أ.ب)
للحبّ أشكال عدّة (أ.ب)
TT

سنجاب مشهور على «إنستغرام» في قبضة شرطة نيويورك

للحبّ أشكال عدّة (أ.ب)
للحبّ أشكال عدّة (أ.ب)

يسعى رجل من نيويورك حوَّل سنجاباً أنقذه، يُدعى «بينوت»، نجماً في وسائل التواصل الاجتماعي، لدى سلطات الولاية لإعادة حيوانه الأليف، بعدما استولت عليه خلال عملية دهم أسفرت أيضاً عن العثور على راكون يُدعى «فريد». وقال مارك لونغو (34 عاماً) إنّ شكاوى مجهولة عدّة حول «بينوت» جلبت ما لا يقل عن 6 ضباط من «وكالة حماية البيئة» إلى منزله بالقرب من حدود بنسلفانيا في مدينة باين الريفية. وتابع: «اقتحموا المنزل من دون مذكّرة تفتيش للعثور على سنجاب! عوملتُ كما لو أنني تاجر ممنوعات أو أسلحة». غادر الضباط مع «بينوت» الذي جمع مئات آلاف المتابعين عبر «إنستغرام» و«تيك توك» وغيرهما من المنصات خلال سنواته السبع مع لونغو. كما أخذوا الراكون «فريد»، وهو أحدث إضافة للعائلة. وقال متحدّث باسم «وكالة حماية البيئة»، في بيان نقلته «أسوشييتد برس»، إنّ تحقيقاً بدأ بعد تلقّيها «تقارير من الجمهور حول الإيواء غير الآمن المُحتمل للحيوانات البرّية التي يمكن أن تحمل داء الكلب والاحتفاظ غير القانوني بها بوصفها حيوانات أليفة».

لونغو وصديقه العزيز (أ.ب)

لونغو، الذي يدير ملجأ للحيوانات مستوحىً من رفيقه السنجاب، يُطلق عليه «محمية بينوت فريدوم فارم للحيوانات»، لجأ إلى «إنستغرام» لمشاركة حزنه على خسارة «بينوت». كتب: «حسناً، لقد فزتم يا دعاة الإنترنت! أبعدتم أحد أروع الحيوانات عني بسبب أنانيتكم. وبالنسبة إلى الذين أبلغوا (وكالة حماية البيئة)، ثمة مكان خاص لكم في الجحيم». ويخشى لونغو من أن يكون «بينوت» قد تعرّض للقتل الرحيم: «لا أعرف ما إذا كان حيّاً. لا أعرف أين هو». وروى أنه شاهد والدة السنجاب تصدمها سيارة في نيويورك قبل 7 سنوات، مما أصاب الصغير باليُتم. أحضر لونغو «بينوت» إلى المنزل واعتنى به لـ8 أشهر قبل أن يحاول إطلاقه. ولكن، بعد ساعات، وجده جالساً على الشرفة، فاقداً نصف ذيله وعظامه بارزة من النحافة، فقرّر أنّ «بينوت» يفتقر إلى مهارات العيش في البرّية وسيبقى سنجاباً داخلياً. لم يكن «بينوت» سنجاباً عادياً، وإنما كان يقفز على كتف لونغو، ويرتدي قبعة رعاة بقر مصغَّرة، ويأكل الفطيرة ويرتدي آذان أرنب من الكروشيه. على مرّ السنوات، انتشرت قصته على شاشة التلفزيون وصفحات الجرائد، بما فيها صحيفة «يو إس إيه توداي». وكان لونغو، الذي يعمل مهندساً ميكانيكياً، يقيم في نورواك بولاية كونيتيكت، فقرّر الانتقال إلى شمال ولاية نيويورك العام الماضي لتأسيس المحمية التي تضم الآن نحو 300 حيوان، بما فيها الخيول والماعز. يدرك لونغو، الذي يدير المحمية مع زوجته وأفراد أسرته، أنّ امتلاك حيوان برّي من دون ترخيص يخالف قانون ولاية نيويورك، لكنه يُقدّم حالياً أوراقاً للحصول على شهادة بأنّ «بينوت» حيوان تعليمي. وختم: «إذا لم نتّبع القواعد، فأرشدونا في الاتجاه الصحيح لاتّباعها. أخبرونا ما ينبغي فعله، ولا داعي للقلق بشأن اصطحابه إلى المنزل».